مصر واليمن .. النصر أو الفناء
متابعات:
مجزرة لأتوبيس يقل تلاميذ اليمن بضحيان، تشابهت مع الاستهداف الصهيوني لأطفال العرب، من بحر البقر إلى قانا، ومن الضاحية الجنوبية إلى دير ياسين، واقع عربي مع قوى عدوانية ترغب –وبشدة- في كسر إرادة القتال لدى الشعوب، بإثبات عدم جدواه في حماية من هم بلا حول ولا قوة، ويجعل من السلام المعروض خيار الحياة ذاتها.
العدوان الجنوني، من الجيوش العربية، السعودية والإماراتية والمصرية والسودانية، المدعومة بالحليف الصهيوني، دخل مرحلة جديدة، يرغب في شق صف وحدة الشعب اليمني خلف جيشه ومقاومته، وإقناعهم بأن الاستسلام هو المنجى الوحيد لديهم، في ظل صمت عالمي عن الجريمة، وتواطؤ عربي، يرغب بشدة في أموال آل سعود.
محمد بن سلمان، مخطط العدوان الأول وجنرال التحالف الصهيوني، يرغب في أن يطلب اليمنيون “السلام”، لفرض أي شروط، يقنع بها نفسه، وتترجمه وسائل إعلامه، بأنه خرج من الحرب منتصرًا، بعد تكلفة بشرية ومادية باهظة، دفعت بالاقتصاد العربي الأكبر إلى خرائب العجز المزمن، كل هدف الغارات العدوانية هو دفع الشارع اليمني إلى استسلام، بعد صمود لسنوات، أقل ما يوصف به إنه أسطوري.
تريد السعودية السلام بشروطها، بناءً على حقائق القوة العسكرية وحدها، وعلى تحالفها العدواني، الذي يشمل أغلب البلدان العربية الفاعلة، أو القريبة من الأحداث، وتتخيل أن القوة العسكرية غير محدودة الأفعال، وإنها قادرة على رسم المستقبل، وتقرير المصائر، وتركيع الشعوب، بعد عهد كان فيه المال هو السياسة السعودية المعتمدة لشراء الذمم والولاءات.
فهل صنع السلام، المغموس بالذل والتخلي عن المقاومة، الأمان للشعوب العربية.
في مصر، التي خرجت إلى أمتها العربية، بفعل آمال ثورة 23 يوليو 1952، وقودًا لكل حركات التحرر العربية، وتعدتها إلى دائرتها الإفريقية والعالمية، لتستمر طوال عشرين عامًا الملجأ والنصير لحركات المقاومة بالعالم الثالث،
وحصدت مقابل “ثمن الدور العالمي” تأثيرًا تجاوز محيطها الجغرافي وعالمها العربي، إلى حد بات معه جمال عبد الناصر، ملهمًا ورمزًا لمقاومة الهيمنة الأميركية العالمية.
وجدت مصر في التضامن العالمي معها، بفعل ما أدته من أدوار، سواء في وقائع العدوان الثلاثي، أو عقب نكسة يوليو، وفاءً لضريبة ارتضت دفعها، واستكملت طريقها بعد النكسة، وكانت حرب الاستنزاف على طول جبهة قناة السويس، صورة للطريق الذي التزمت به القاهرة، في وجه مخططات الغرب، والمخلب الأميركي في المنطقة، الكيان الصهيوني، لتحرمه من الأمن أو السلام، ولو كان المقابل – كما قال “عبد الناصر” في 1970- استرداد كامل أرضها المحتلة.
وبعدها تعكرت المياه، وأصفرت وتسممت، وخرجت القاهرة تمامًا من الصراع العربي الصهيوني، ووعد السادات المصريين بشهد الرخاء، وبالمال الأميركي، وبالعسل واللبن، بعد مبادرة “الهزيمة” بالذهاب إلى القدس، بائعًا كل تضحيات جنوده، مقابل ورقة أميركية بالسلام.
حصلت القاهرة على السلام، بالتعريف الأميركي لهذا السلام، وهو الخروج من محيطها تمامًا، والتقوقع على ذاتها، في الوداي الضيق، لتدفع الثمن سريعًا، بتراجع على كل المستويات، يبلغ ذروته الآن، بحدود مهددة غربًا، ونهر يوشك على التوقف عن الجريان، وعدو متربص تنفتح أمامه سيناء، بأكثر مما هي مفتوحة أمام المصريين أنفسهم، وبداخل تفتت نسيجه، وصار احتفال الصهاينة بالنكبة، أمام تمثال بطل مصر الأعظم الفريق عبد المنعم رياض –شهيد حرب الاستنزاف ورئيس أركان الجيش المصري- حدثًا عاديًا، غير لافت.
خسرت القاهرة كل شيء، وأجبرتها السعودية –حليفتها الأولى الآن- على التنازل عن ثاني أهم ممراتها المائية الإستراتيجية بعد قناة السويس، وهو ممر تيران، وللمفارقة أو المأساة، فإن رئيس وزراء الكيان الصهيوني ليفي أشكول قد اعتبر إغلاق الممر أمام الملاحة الصهيونية أول “طلقة” في عدوان يونيو/حزيران، الشهير بالنكسة.
ومثلما خسرت مصر جغرافيتها أمام المال السعودي، خسرت أمنها المائي أمام العناد الإثيوبي، فخروج مصر من دوائرها الإقليمية والقارية، ترك فراغًا في إفريقيا بالذات، ليس من الممكن تعويضه في مدى منظور، وانسحق النظام المصري تمامًا، ليوقع معاهدة تلغي حقوقه المائية المترتبة على كل المعاهدات التاريخية، بلا أي التزام مقابل على إثيوبيا، ويعتبر محللون أن مجرد تأجيل فترة
ملء سد النهضة الإثيوبي سيكون انتصارًا عظيمًا، يحد من آثار الكارثة، لكنه بالطبع لا يلغيها.
مصر للعالم العربي، لا تختلف عن اليمن بالنسبة للجزيرة العربية، فكلاهما تمثلان الثقل الحضاري والبشري، لا حضارة في جزيرة العرب تسبق أو تقترب من الحضارة اليمنية، وعدد سكان دول الخليج مجتمعة أقل من ثلثي عدد سكان اليمن، وكلتاهما الدرع الصلب لمحيط هش في معظمه، وتتحملان تاريخيًا أعباء الدفاع وتوفير الدعم والاستمرارية لمحيطهما.
الذهاب اليمني لسلام، بشروط القوة السعودية، هو سير إلى الجحيم، وبلا أية نيات حسنة، الثمن المدفوع للمقاومة اليوم أسهل كثيرًا من راحة الاستسلام لعدو متصهين، يبدع في تدمير المجتمعات والدول من داخلها، والسعوديين مارسوا هذا الدور في اليمن طويلًا، وما قتل الرئيس الأسبق إبراهيم الحمدي، حين أراد الوحدة والنهوض إلا دليلًا على التآمر السعودي الحاضر دائمًا.
راية المقاومة هي ذاتها راية النصر، والأمّة التي تختار خفضها بعد علو، لن تتمكن من رفعها ثانية، ولو أرادت.
(أحمد فؤاد – صحافي مصري)