كل ما يجري من حولك

خطاب الرئيس كلمات من نور

397

 

أحمد الحبيشي

سعدتُ مساء أمس بالاستماعِ إلى كلمة الرئيس مهدي المشّاط بمناسبة الذكرى الـ 56 لثورة الـ 26 من سبتمبر، والتي كانت وثيقةً نقديةً تحليلية شجاعة، ولم تكن مناسبة للدروشة وتزييف الوعي وتزوير التأريخ والمتاجرة السياسية الخاسرة والمزايدة الحزبية الرخيصة.

ما من شك في أن مراكزَ القوى والفساد عبثت على مدى عقود طويلةٍ من الزمن بقيم الثورة والجمهورية والوحدة من خلال سيطرتها على السلطة والثروة وتوظيفها لخدمة مصالح أوليغارشية ضيّقة للمتسلطين على مفاصل الدولة والجيش وأبنائهم، الأمرُ الذي أضفى سماتٍ عائليةً على نظام الحكم تحت شعارات الثورة والجمهورية والوحدة، الأمر الذي جعل اليمن واحدةً من الدول الفاشلة والأكثرَ فقراً.

ومما له دلالة أن الرئيس المشّاط حَرِصَ على القول في كلمته مساء أمس أن ستة وخمسين عاماً مرت، وليست عاماً أَوْ عامين أَوْ خمسة أعوام، الأمر الذي يجعل من مثل هذه المناسبات فرصةً لتقييم واقعنا، وعدم الغرق في النتائج دون بحث الأسباب والمقدمات؛ لأن الحاضر نتاجُ الماضي، مثلما سيكون المستقبل أيضاً نتاج الحاضر.

وكان الرئيس المشّاط واضحاً في إشارته إلى أن هذا المدى الزمني الطويل يكشف لنا حجم التقصير الكبير تجاه هذه الثورة، ويفتح باب المقارنة بين واقعنا وواقع دول أخرى بنت نفسها، وحقّقت نهضتها في فترات أقلّ من هذه السنين بكثير.

على سبيل المثال فإن الصين التي تتبوأ حالياً المرتبة الثانية في الاقتصاد العالمي، وتتهيأ لانتزاع المركز الاقتصادي الأول على مستوى العالم خلال السنوات القادمة، لم تحتج لكي تحقّقَ كُـلّ ذلك التقدم المذهل سوى ثلاثين عاماً، كما أن ماليزيا التي انتقلت إلى مصاف الدول الصناعية والمتطورة في العالم الأول لم تحتج هي الأخرى سوى 25 عاماً، ومثلها ما يعرف بالنمور الآسيوية، ودول إسلامية أخرى حقّقت هي الأخرى الكثير والكثير.

من نافل القول أن ستة وخمسين عاماً كانت تكفي وزيادة لأن تضعَ اليمن في مصاف الدول الغنية والقوية والمتقدمة لو أنه قُيض لهذه الثورة من يصونها، ويعمل من أجل أهدافها ووفق مبادئها بصدق وإخلاص، لكنها أسلمت زمامها إلى أبناء غير برّرة تمحوروا على مدى نصف قرن حول ذواتهم، وحول أسرهم وعوائلهم، وغرقوا في الفساد حتى آذانهم، وتنكروا مع الأسف لكل تضحيات المناضلين والشهداء ولكل آمال الشعب وتطلعات الأجيال، وباعوا أنفسهم وقرارهم للخارج، ووأدوا كُـلّ مشروع ينشد تحقيق أهداف هذه الثورة الخالدة، أَوْ يحاول ضبط المسار ولنا في ما تعرض له المصلحون من التصفية والاغتيال السياسي عبر مختلف المراحل ـ من الشهيد الحمدي إلى الشهيد الصماد ـ خير مثال ودليل.

وبحسب كلمة الرئيس المشّاط فقد أجرم خاطفو ثورة 26 سبتمبر ــ في غش وزيف وخداع لم تتعرض له أية ثورة في التأريخ ـــ بحق الشعب اليمني، ومضوا يقتلون الثورة باسم الثورة، ويذبحون والجمهورية باسم الجمهورية وَيدمّرون الوحدة باسم الوحدة ويعزلونها على نحو ممنهج عن الواقع، حتى تحولت الثورة إلى مجرد أيقونة صدئة يستدعونها كلما أطلت ذكراها السنوية، بينما يقضون بقية العام في فسادهم ومراكمة أرصدتهم الشخصية والعائلية، وتنفيذ ما يريده أسيادُهم في الخارج، لا ما يريده الشعب أَوْ تريده الثورة وهكذا استمر الحال على مدى نصف قرن.

وعندما سقطت أدواتُ الارتهان والتبعية للخارج ثارت ثائرتهم وعادت تلك الدولُ المعادية للسادس والعشرين من سبتمبر للتدخل العسكري من جديد، في محاولةٍ بائسة لإعادة أدواتها واستعادة هيمنتها، كي تبقى اليمن محكومة بالضعف والفقر والتخلف إلى الأبد.

لا أبالغ حين أقول: إن كلمةَ الرئيس مهدي المشّاط بمناسبة الذكرى السادسة والخمسين لثورة 26 سبتمبر كانت وثيقةً نقديةً تحليلية تستحقُّ النشرَ في كتيب جماهيري، وتوزيعه على شبابنا وطلابنا في المدارس والجامعات، وبلورتها في وسائل الإعلام، حتى يعرف شعبنا من هم الذين قتلوا الثورة باسم الثورة، وذبحوا الجمهورية باسم الجمهورية، ودمّروا الوحدة باسم الوحدة، ثم خانوا الوطن وباعوه واشتروا به باسم الثورة والجمهورية والوحدة.

 

You might also like