أحداث تعز الدامية.. صراع الوكالة في فصله الأخير!
في آخر تطورات المشهد اليمني ثمّة ما يؤكد انقلاب السحر على الساحر، وسقوط من حفر الحفرة في الحفرة ذاتها، فلم تكن دول قوى العدوان وحدها من تعيش انقساماً جوهرياً في قواعدها وقياداتها، بل حتى أدواتها التي تمثلها على الأرض تعيش هذه الحالة العالية من الانقسام والتصادم الذي وصل مؤخراً إلى الاشتباك والاقتتال والعنف في جولة جديدة من تحديد المصير وحسم الصراع الوجودي الذي لا يقبل بوجود الآخر تحت أي مسمى وأي ظرف، فبعد الاقتتال في مدينة عدن الجنوبية بين الأدوات الإماراتية والأدوات السعودية التي تغذيها الرياض عبر ما يسمى بـ “الشرعية”، تشهد مدينة تعز اشتباكات مسلحة وصراعاً دموياً حقيقياً بين فصائل مرتزقة العدوان المتوزعة بين كتائب أبو العباس السلفية الموالية للإمارات وكتائب حزب الإصلاح المدعومة من الرئيس الفار أدت إلى مقتل العشرات وإرعاب المواطنين وإقلاق سكينتهم وتحوّل المدينة إلى مدينة أشباح لا تبعث على الاطمئنان.
تعدّ محافظة تعز الجبهة العسكرية الجنوبية للجيش اليمني ولجانه الشعبية، وهي أكبر الجبهات من حيث الامتداد الجغرافي، بدءاً من كرش، مروراً بحيفان، الوازعية ثم كهبوب، وانتهاء بالمخا ثم الهاملي “موزع”، وهي الأكثر عدداً من حيث قواعد الاشتباك الميداني المستمر، فيطبق المجاهدون حصارهم على المدينة من ثلاث جهات، كما أن الأجزاء الشرقية والشمالية من المحافظة لا تزال خاضعة لسيطرتهم إلى جانب عدد من المديريات الأخرى، في حين تسيطر الفصائل الموالية لما يسمى بالشرعية على الأجزاء الجنوبية والغربية من المدينة، لذلك ترك الجيش اليمني ولجانه الشعبية مساحات واسعة تحت سيطرة فصائل مختلفة لمرتزقة العدوان في تلك المناطق وهيّأ لها مناخاً خصباً من الأمان لعلمه أنها حتماً ستتصارع فيما بينها لاختلاف تكويناتها وتباين أهدافها، ولغياب أي مشروع واضح لبناء المدينة وتسيير شؤونها، فكل ما تفعله هذه الفصائل هو السطو المسلح والسرقة والابتزاز بداعي الحماية، وكذا القتل والذبح وتضييق الحريات وتقييدها حسب الأهواء وملشنة الحياة الطبيعية للسكان، وهو ما يعترف به سكان المدينة أنفسهم ويعيشون أياماً عصيبة بانتظار من يحررهم من هذه الفوضى ويعيد لحياتهم معطيات الأمان والعيش الكريم.
استراتيجياً، تبقى تعز المنطقة الأكثر أهمية للعدوان على المستوى العسكري، كونها أرضية خصبة للصراع، ومرتعاً يعج بالتناقضات والتباينات والولاءات من أغلب تكويناتها المنتفعين، وهي فرصة يستغلها العدوان لتحويل المنطقة تلك إلى مكب للنفايات العسكرية، ويدعم فصائل جديدة عقاباً لأخرى، ويحاول جاهداً إبقاء ميزان القوى متكافئاً لإطالة أمد الصراع لحاجة في نفس يعقوب كون المشهد التعزي ضبابي وباهت الملامح، ولا ترغب الرياض وأبو ظبي أن تلدغا مرة أخرى كما لدغتا في الجنوب حين دعمتا وغذتا قوى لتكتشفا في النهاية أنها متمردة على أوامرهما وتنفذ أجندات ثانوية لا تتصل بأهداف تحالف العدوان المرسومة.
ووسط تعقيدات المشهد التعزي تطفو على السطح العديد من المظاهر والمواقف المريبة أبرزها تدخلات التهدئة التي تقوم بها اللجنة الأمنية في المحافظة التي تعمل في الظل ولا صفة رسمية لها، وعجز وتنصل القوات الأمنية التابعة للداخلية والدفاع التي يديرها محافظ المحافظة وقيادات أمنية رسمية، ولم يكن لها أي دور في حلحلة الصراع، الأمر الذي دعا بالرئيس هادي إلى الاجتماع مع محافظ تعز وتلك القيادات في مقر إقامته بمدينة عدن الجنوبية، لكن محافظ المحافظة تعرّض لمحاولة اغتيال بعبوة ناسفة استهدفت موكبه في “انماء” بمدينة عدن لكنه نجى فيها وقتل كل مرافقيه، وهو ما يؤكد أن الصراع وصل أعلى مستوى من التصعيد، وأن الصوت الجنوبي الذي ارتفع مؤخراً لإسقاط كل مقومات الشرعية وركائزها قد تجلى فعلياً لتعطيل كل خيارات التهدئة، أضف إلى ذلك تهديدات هاني بن بريك رئيس ما يسمى بالمجلس الانتقالي الجنوبي الموالي للإمارات بالزحف إلى مدينة تعز لاجتثاث حزب الإصلاح وميليشياته؛ وتقديم المدد والدعم الكامل لكتائب أبو العباس السلفية في معركتها مع إخوان تعز، ويجزم مراقبون أن استهداف محافظ محافظة تعز ومرافقيه في عدن، هو الفصل الأول من مسلسل تنفيذ هذا التهديد الذي يبدو هذه المرة جاداً وماضياً في التنفيذ، ولا يمكننا إغفال حضور الأزمة الخليجية القطرية في تغذية الصراع وتأجيجه، فالتوتر الإماراتي القطري ألقى بظلاله على هذا الصراع الذي يرجّح مراقبون تمدده لحرب أهلية، إذ يعدّ حزب الإصلاح الذي تشكل ميليشياته طرفاً في الصراع ذراعاً سياسياً وعسكرياً للدوحة؛ لذا كان بديهياً أن تسعى السعودية والإمارات لتفكيكه والإجهاز عليه عبر تشكيلاتها المتمثلة في كتائب أبو العباس السلفية التي تنفذ أجندتها بإتقان البارّ المطيع.
بقلم: فؤاد الجنيد