تعز على صفيح ساخن: صراع الرفاق إلى أين؟
فشل.. وتصعيد نوعي
لم تفلح جهود لجنة التهدئة الرئاسية في احتواء المواجهات التي دخلت يومها الثامن، بين رفاق السلاح و«المقاومة» في محافظة تعز، بل أن فشل لجنة التهدئة ساهم في تزايد حدة الصراع بين الفصائل السلفية والإصلاحية، وبدأت مؤشراته تنذر باتساعها إلى قلب المدينة. وبحسب مراقبين، فإن «صراع الفصائل اليوم يشهد تحولاً نوعياً ربما هو الأخطر، لا سيما عقب محاولة استهداف محافظ تعز عصر أمس الثلاثاء، في عدن، بعملية غغتيال فاشلة»، والتي تؤكد وبحسب المراقبين، «مدى حساسية الوضع الذي تعيشه مدينة تعز، وعدد اللاعبين فى هذا الملف». ويشير المراقبون إلى أن «تحشيد الفصائل المتقاتلة خلال الساعات الماضية، يثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الهدنة الرئاسية قد تبخرت وأن تعز ستكون أمام معركة قد تتسع رقعتها وتكون فاتورتها أكثر كلفة من أي وقت مضى».
اتهامات متبادلة
ومع استمرار المواجهات المحتدمة، والمعارك المستمرة في الأحياء الشرقية للمدينة، بالجحملية والمجلية والجمهوري، بين وحدات من «كتائب أبو العباس» وأخرى من «اللواء 22 ميكا» و«محور تعز»، يتبادل الطرفان الإتهامات بخرق الهدنة، في ظل صمت مطبق من قبل حكومة «الشرعية«، و«التحالف». ففي الوقت الذي تتهم «كتائب أبو العباس»، الفصائل العسكرية المناوئة لها بالاستمرار في الاعتداءات على عناصرها، ترد القوات التابعة لـ«الإصلاح» باتهام الكتائب بخرق الهدنة باستهداف مبنى مستشفى الجمهوري، بقذائف «أر بي جي»، والتي تتولى حراسته الشرطة العسكرية بمحافظة تعز.
وقالت «كتائب أبو العباس»، في بلاغ إلى لجنه التهدئة، نشرته على صفحتها في موقع التواصل الإجتماعي «فايسبوك»، إن «الاعتداءات على افرادها مستمرة وهو خرق واضح للهدنة»، مُؤكدة «قيام مجاميع مسلحة من (اللواء 22 ميكا) بالاعتداء على نقطة جولة الشيباني، واقتحام منزل عبدالرحمن هائل، واتخاذه مقرًا لها». في حين أفادت قيادة الشرطة العسكرية في بلاغ صحفي مقتضب، حصل «العربي»، على نسخة منه، بأن «قذيفتين (أر بي جي) سقطتا على مبنى مستشفى الجمهوري الذي يتولى حراسته أفرادها منذ تسليمه قبل أشهر». واتهم البلاغ، «الجماعات الخارجة عن النظام والقانون المتمركزة في حارة القرود باستهداف مبنى المستشفى الجمهوري»، في إشارة إلى «كتائب أبو العباس»، التي تقول الفصائل المناوئة لها بأنها خارجة عن النظام والقانون.
المحور… الحملة مستمرة
وعلى الرغم من توجيهات المحافظ أمين محمود، إلى قائد اللواء الخامس حرسي، ورئيس لجنة استلام المنشآت، عضو لجنة التهدئة العميد عدنان رزيق، بـ«استلام عدد من المواقع العسكرية الإستراتيجية والتي يتمركز فيها الطرفان»، ومطالبته بـ«سرعة إخلائها من الأسلحة الثقيلة والمتوسطة»، بحسب وثيقة حصل عليها «العربي» من مصادر خاصة، فإن المتحدث باسم القوات الموالية لهادي بتعز، العقيد عبد الباسط البحر، يؤكد استمرار الحملة الأمنية في مطاردة أوكار المطلوبين أمنياً، واستكمال استعادة حي الجمهوري.
وأوضح البحر، في حديث خاص لـ«العربي»، أن قوات «الحملة الأمنية داهمت مناطق مشتبه بوجود عناصر عن النظام والقانون بداخلها، وتم ضبط عدد من الذين يشتبه أن لهم علاقة بالمطلوبين أمنياً، مثل بيت الشامي وبيت الفرفور وحي القرود وسائلة القمط»، مؤكداً أن «الحملة الأمنية تمكنت من السيطرة على حي الجحملية، ولا زالت الحملة الأمنية مستمرة في تعقب وضبط المطلوبين أمنيًا والعناصر الخارجة عن النظام والقانون».
وحول مبادرة «كتائب أبو العباس» بالخروج من المدينة، يؤكد البحر أنه «لم يصلهم طلباً رسمياً من أي جهة حتى الآن»، لافتاً إلى أنه «كل ما يحقق الأمن والاستقرار في المدينة وتسليم مؤسسات الدولة للجهات المختصة، ويساهم في تطبيع الحياة العامة نحن معه ونرحب به».
مؤشرات… هجرة ثانية
وعلى الرغم من استمرار التصعيد بين الطرفين فإن مؤشرات هجرة ثانية للسلفيين، من وسط محافظة تعز، إلى خارج المدينة، بدأت تلوح في الأفق، وبتسهيل مباشر من لجنة التهدئة الرئاسية.
وقال نائب «كتائب أبو العباس»، عادل العزي، إننا «وأمام ما يتعرض له أفرادنا من اعتداء واغتيال، ثم هجوم وقتل من قبل حزب الإصلاح ومكوناته وألويته وجنوده بكل عتادهم وسلاحهم الثقيل، لا زلنا بمواقع الدفاع عن أنفسنا ممتثلين الهدنة التي وجه بها رئيس الجمهوريه ومحافظ تعز».
وأوضح العزي، في بيان حصل «العربي»، على نسخة منه، أن «حزب الإصلاح وبرغم التزامنا بالهدنة إلا أنه وللأسف أصر ونقض الهدنة بالمداهمات لمنازل أفرادنا وإحراقها، وترويع النساء والأطفال والتمادي على حرمات المسلمين، محاولين جرنا مرة أخرى لخوض معركه طاحنة لم يسلم ولم ينتصر فيها أحد»، مؤكداً أن «جماعته طلبت من لجنة التهدئه إعطائهم مهلة محددة لمدة يومين لترتيب أوضاعهم لمغادرة المدينة».
ولفت العزي، إلى أن «قرار مغادرتهم المدينة لم يصدر من ضعف أو قلة سلاح ورجال، بل تجنبا لسفك دماء وحرب قد تكون هالكة للجميع المنتصر فيها خاسر».
وفي السياق، أفاد مصدر قيادي في «كتائب أبو العباس»، لـ«العربي»، بأن «مجاميعاً مسلحة من كتائب أبو العباس غادرت صباح اليوم مواقعها في أحياء الجمهوري والجحملية والمجلية شرق مدينة تعز، باتجاه جبهة الكدحة في مديرية المعافر، وأخرى باتجاه مدينة المخا، جنوبي المحافظة»، مؤكداً أنه «سبق وأن غادر المدينة خلال الأيام القليلة الماضية، عشرات الطلاب السلفيين مع أسرهم من مدينة تعز نحو مدينتي عدن ولحج».
وكشف المصدر، أن «قائد كتائب أبو العباس، عادل عبده فارع، والمعروف بـ«أبو العباس» اجتمع مع أبرز القيادات العسكرية والدعوية في الكتائب، مساء أمس الثلاثاء، وعرض عليهم استعداده لمغادرة تعز في حال طلب الرئيس منه ذلك، وخيّر القيادات والأفراد بين البقاء مؤقتاً معه في المدينة القديمة أو الخروج إلى الكدحة أو السفر إلى عدن ولحج».
«العمالقة» على الخط
وفي غضون ذلك أصدرت «الوية العمالقة» المكون السلفي في القوات الجنوبية الموالية للإمارات، بياناً وقع عليه 7 من قادتها، أدانوا فيه «ما يتعرض له شركائهم السلفيين في تعز على يد مسلحي حزب الإصلاح»، معتبرين أن ما وصفوها بـ«الاعمال الجبانة التي يقوم بها حزب الاصلاح ضد جماعة أبو العباس تعد تهديداً خطيراً لأمن تعز». وطالب البيان، الرئيس هادي بـ«إتخاذ الإجراءات المناسبة لوقف هجمات الإصلاح على جماعة أبو العباس».
وعلى الرغم من أن المؤشرات الميدانية تشير، وبحسب مراقبين، إلى أن «جماعة أبو العباس السلفية، على موعد مع رحلة تهجير جديدة، الهدف منها مساندة القوات الجنوبية الموالية للإمارات بالساحل الغربي ومدينة المخا تحديداً، ليكون الإصلاح وحده في تعز أمام الصورة ومن ثم استنزافه في معارك تحرير وهمية لا نهاية لها»، إلا أن آخرين يؤكدون أن «الاستعدات الجارية وسط المدينة والتحشيد المستمر من الطرفين يوحي بأن تعز ستكون أمام معركة عنيفة وطويلة ومكلفة». فهل سيكون السلفيون أمام رحلة تهجير جديدة؟ أم أن تعز مقبلة على أيام سوداء ومعركة داخلية بلا أفق؟ وحدها الأيام المقبلة تكشف لنا ذلك.