وجه الحديدة المنكوب: شبح الكارثة يخيم على كل اليمن
فالحديدة التي يشكل سكانها ما نسبته 11% من إجمالي سكان اليمن، أصبحت ساحة حرب مفتوحة وهدفاً رئيسياً لـ«التحالف» بقيادة السعودية والإمارات وبضوء أخضر أمريكي، تحتل المرتبة الأولى في معدل الفقر الوطني يليها محافظة حجة. وهي تعد من المحافظات التي تفتك بها الأمراض والأوبئة، نتيجة ارتفاع معدلات سوء التغذية وفقر الغذاء، وعلى الرغم من أن الحديدة أعلنت من قبل «التحالف» في أواخر أكتوبر 2016م منطقة منكوبة بسبب المجاعة، إلا أن «التحالف» لم يعد يعنيه الملف الإنساني في المحافظة المنكوبة.
الكارثة بالأرقام
يبلغ عدد سكان الحديدة، وفق آخر الإحصائيات حوالي 3 ملايين و71 الف و883 نسمة، منهم 80% يعيشون تحت خط الفقر، كما تتصدر الحديدة قائمة أكثر المحافظات تعرضاً لمعدلات سوء التغذية الحاد.
وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن معدلات سوء التغذية في المناطق التهامية بلغ مؤخراً 72%، وعلى الرغم من تدخل منظمة «يونيسيف» للحد من سوء التغذية بعد أن تناقل ناشطون صوراً للعشرات من السكان في منطقة البقعة في التحيتا وهم في حالات إعياء شديدة، وقد تحولوا إلى ما يشبه الهياكل العظمية، إلا أن الحرب الطاحنة التي تشهدها عدد من مناطق مديرية التحيتا الساحلية طغت على الجانب الإنساني مؤخراً.
فقر مدقع
مصدر حقوقي في محافظة الحديدة، أكد لـ«العربي» أن مديرية التحيتا التي تشهد مواجهات عنيفة منذ أسبوعين «تعد الأولى من بين 26 مديرية تابعة لمحافظة الحديدة من حيث شدة الفقر والبطالة»، لافتاً إلى أن «أربع عزل من أصل ست عزل تابعة لمديرية التحيتا يبلغ سكانها 67 الف نسمة، تعاني من فقر مدقع».
وأشار إلى أن السلطات المحلية في المحافظة بالتعاون مع منظمات دولية، «حصرت الآلاف من الأسر المعدمة التي لا تستطيع توفير أدنى متطلبات الحياة الأساسية»، مرجعاً انتشار ظاهرة المجاعة وتصاعد سوء التغذية الحاد، وخصوصاً في المناطق القريبة من الساحل في التحيتا، إلى «حرمان الآلاف من الصيادين من ممارسة أعمالهم في الصيد التقليدي في البحر، من قبل بوارج وطيران التحالف، وهو ما ضاعف معاناة الآلاف من الأسر التي تعتمد على الصيد التقليدي كمصدر دخل رئيسي».
في يوليو من العام 2017م، بلغ إجمالي المحتاجين للمساعدة الطارئة في عدد من المديريات التي تدور فيها حالياً مواجهات شرسة بين قوات الجيش واللجان الشعبية التابعة لحكومة «الإنقاذ» من جهة، والقوات الجنوبية الموالية للإمارات من جهة ثانية أكثر من 300 ألف نسمة، كما بلغت إجمالي الأسر الأشد احتياجاً للمساعدات الطارئة في زبيد والتحيا التي انتشرت فيها ظاهرة المجاعة العام الماضي، أكثر من 65% من الأسر الساكنة في تلك المديريات.
أهداف عسكرية
لا تعايش بين الحرب والمجاعة في تهامة، إلا أن تجاهل المنظمات الإنسانية لتداعيات المواجهات المسلحة التي تدور في مديريات التحيتا، ويستخدم فيها مختلف أنواع الأسلحة بمساندة طيران الأباتشي والطيران الحربي الذي يستهدف المزارع والمساكن والطرقات بشراسة، ويعتبر أي وجود بشري في تلك المناطق هدف عسكري، حتى وإن كانوا من سكان المنطقة، أمر حوَّل حياة الآلاف من سكان التحيتا وحيس الذين يقطنون القرى والأودية ويسكنون أطراف المزارع والأسواق الكثيفة والمنتشرة في الساحل التهامي إلى حجيم.
قبل أن تتحول الفازة والجاح في مديرية التحيتا المتاخمة لمديرية زبيد، ومعظم مناطق وقرى الساحل بدءً من منطقة الفازة بمنطقة السويق وحتى ميناء الحيمة بمديرية الخوخة إلى ساحة حرب، كان الجوع يتهدد سكان تلك المناطق والقرى، نتيجة توقف كافة مصادر دخل سكانها عقب توقف حركة الصيد ومصادر الدخل لدى معظم تلك الأسر، وتصاعدت التحذيرات مطلع العام الجاري من تفشي المجاعة في تلك المناطق، بعد أن صعد «التحالف» من استهداف زوارق الصيادين في الساحل الغربي، تحت ذريعة حماية خطوط الملاحة الدولية.
موجة نزوح
وحالياً تسببت المواجهات العنيفة التي تدور في تلك المناطق بموجة نزوح إجباري للآلاف من الأسر الفقيرة والمعدمة إلى مناطق متفرقة هرباً من الموت، وتفيد مصادر محلية أن أغلب سكان التجمعات الريفية في وادي المدمن بعزلة القراشية بمديرية التحيتا، اضطروا للنزوح باتجاه التجمعات الريفية في مديرتي الحسينية وبيت الفقيه.
كما نزحت المئات من الأسر التي تسكن مناطق القبيع ووادي الدية والجاح للنزح إلى مناطق أمنة، ووفقاً لمصادر محلية، فإن عدداً من مدارس مديرية بيت الفقيه تكتظ بعشرات الأسر النازحة، التي تفتقر لأدنى الاحتياجات، مشيرة إلى أن الكثير من الأسر فرت من منازلها بملابسها فقط، وتركت كل ما تملك خلفها.
وذكرت المصادر أن العشرات من مزارع النخيل والمانجو التي كان يقصدها السكان في حال اشتداد المواجهات في تلك المناطق، لم تسلم هي الأخرى من الغارات الهستيرية التي تطلقها بوارج «التحالف» وطيران الأباتشي، تحت مبرر استهداف «أنصار الله».
لا نريد حرباً أخرى
الناشط الحقوقي في الحديدة مجاهد القب، أكد أن الآلاف من المواطنين تركوا بيوتهم ومزارعهم التي كانوا ينتظرون جني ثمارها، وخصوصاً النخيل، وتركوا كل شيء ورائهم هرباً من الموت، مشيراً إلى أن سكان 12 قرية نزحوا خلال الأسبوعين الماضيين بسب الحرب.
القب الذي طالب بعدم تحويل الحديدة إلى حلب أخرى في اليمن، قدر، عدد الأسر النازحة من مناطق المواجهات بأكثر من ثلاثة الآلاف أسرة.
وأكد أن «اشتداد المواجهات على امتداد الساحل الغربي تسبب بمأساة ستتحول إلى كارثة إنسانية كبرى».
المجاعة قادمة
تشير الأمم المتحدة إلى أن معركة الحديدة وإغلاق مينائها قد يكلف 250 ألف شخص كل شيء بما فيها حياتهم، إلا أن ناشطين محليين يرون بأن الفاتورة الإنسانية في الحديدة قد تفوق أي تقديرات. ويرى الناشط بشير زندال بأنه في حال اندلعت الحرب في شوارع الحديدة، فإن «المجاعة ستعم معظم السكان»، مؤكداً أن المواطنين في الحديدة «لا يستطيعون تخزين القمح أوالمنتجات الغذائية في المنازل، لأنها تتعرض للتلف بسرعة بسبب ارتفاع درجات الحرارة».
وأضاف زندال أن الإنسان في الحديدة «يحتاج إلى أربعة أو خمسة أضعاف المياه التي يحتاجها الإنسان في صنعاء وذمار وغيرها، ومعظم الكهرباء التي يعتمد عليها السكان تجارية، ولو انقطعت الكهرباء بسبب انعدام الديزل فإن المكيفات والمراوح ستتوقف، وتوقف الكهرباء سيحول حياة الناس إلى جحيم».