كل ما يجري من حولك

ثمن بقاء السودانيين في اليمن: جنائزُ ومساعدات

359

متابعات:

أنبأ الإعلان الرئاسي الأخير عن استمرار المشاركة السودانية في حرب اليمن بأن نظام عمر البشير قد نال ما كان يتطلع إليه من وراء تلويحه بسحب قواته من «التحالف»: مساعدات اقتصادية تسعف الخرطوم في أزمتها المتصاعدة في وقت لا يتوقف عدّاد القتلى السودانيين على الأراضي اليمنية عن التصاعد

لم يتمكن الجندي السوداني، عمر طه (30 سنة)، من تحقيق حلمه بالزواج وتكوين أسرة؛ فقد وافاه الأجل في آب / أغسطس الماضي أثناء مشاركته في القتال على الحدود السعودية – اليمنية. يروي ابن خالته شريف كيف كان وقع خبر وفاة طه موجعاً على جميع أفراد أسرته خصوصاً والدته المسنّة سارِداً تفاصيل آخر محادثة مع طه قبل أربعة أيام من وفاته والتي أخبره خلالها أن بدلاءهم قد وصلوا من السودان وأنهم سيعودون إلى الوطن خلال أسبوع لكنه قُتل بعد يومين من تلك المحادثة.

طه الذي كان ضمن الدفعة الأولى من القوات السودانية التي بعثت بها الخرطوم للمشاركة في «التحالف» الذي تقوده السعودية في اليمن منذ عام 2015 هو واحد من عشرات الجنود السودانيين الذي قضوا في هذه الحرب. يؤكد شريف أن الهدف الذي دفع بابن خالته إلى المشاركة هو تحسين وضعه المادي فقط وليس لأي أهداف سياسية أو دينية.

لكن الحكومة السودانية لا تفتأ تعمل على استنفار الإحساس الديني الجمعي لدى السودانيين للتسويق لدفعها بالجنود إلى القتال خارج حدود أراضيهم. وها هو الرئيس السوداني عمر حسن البشير يعود لاستخدام المنطق ذاته لدى حسمه الجدل في شأن الاستمرار في المشاركة من عدمه حيث قال إن «موقف السودان المبدئي والمعلن هو الدفاع عن أرض الحرمين» وذلك في أعقاب زيارة خاطفة لمساعد وزير الدفاع السعودي محمد بن عبد الله العايش إلى الخرطوم خلال الشهر الماضي.

ولم يفوت الرئيس السوداني الفرصة لتذكير مبعوث الملك بأنه وعلى رغم الظروف الاقتصادية الخانقة التي تمر بها البلاد إلا أن ذلك لن يثني السودان عن لعب دوره في «استرداد الشرعية في اليمن». ومن هنا يتأكد للعديد من المراقبين أن السبب الرئيس وراء التلويح أخيراً بسحب القوات السودانية من اليمن إنما كان إحجام دول «التحالف» عن انتشال الخرطوم من الضائقة الاقتصادية التي تمر بها والمتمثلة في شح الوقود والانخفاض المريع في سعر الجنيه أمام الدولار وبالتالي الارتفاع غير المسبوق في مؤشر التضخم، والذي بلغ خلال شهر نيسان/ أبريل الفائت 57.56 في المئة.

وما يعزّز تلك الرؤية أنه لم تكد تمرّ 48 ساعة على إعلان مؤسسة الرئاسة الاستمرار في المشاركة في حرب اليمن حتى علت أصوات من داخل الحزب الحاكم بتأييد القرار والتشجيع عليه وهو ما فعله رئيس القطاع السياسي لـ«حزب المؤتمر الوطني» عبد الرحمن الخضر الذي شدد على أن «المنطلق الرئيسي (في المشاركة) منطلق استراتيجي في المقام الأول، لذا لا بد أن تكون الرؤية الاستراتيجية سابقة ومتقدمة على أي رؤية عاطفية». لكن في المقابل، ظلّت القوى المعارِضة على موقفها المطالِب بسحب الجنود السودانيين من اليمن، والرافض لأي تنازل في هذا الإطار. في مقدم تلك القوى تأتي كتلة «التغيير» البرلمانية التي يرأسها أبو القاسم برطم. ويؤكد برطم «(أننا) لن نيأس وسنظلّ نطالب بإعادة القوات السودانية إلى أرض الوطن»، مضيفاً: «(أننا) سنطالب باستدعاء وزير الدفاع في البرلمان على رغم علمنا بأن الغالبية الميكانيكية يسطر عليها الحزب الحاكم – المؤتمر الوطني – وبعض الأحزاب الصغيرة التابعة، إلا أننا سنطالب بإلغاء القرار الرئاسي لمخالفته الدستور» مُذكِّراً بأن «استمرار بقاء القوات السودانية في اليمن هو تأكيد لعدم احترام القانون وخرق للدستور».

من جهته يرى المحلل السياسي حاج حمد أن «ملف المشاركة في حرب اليمن لم تتم إدارته بصورة صحيحة تحفظ للجندي السوداني كرامته وحقوقه». ويوضح حمد أنه «كان من الأجدى التفاوض مع دول التحالف قبل اتخاذ قرار فردي بالمشاركة في الحرب وأن يتم طرح الأمر بصورة علنية أمام البرلمان وأمام الشعب وبالتالي تكون الحكومة قد احترمت سيادتها الوطنية وحفظت للجنود حقوقهم» لافتاً  إلى أن «السودان وجد نفسه متورطاً في حرب مع دول تفتقر للإرادة السياسية وتدار من الخارج» مضيفاً أن «حرب اليمن استغلتها الولايات المتحدة الأميركية للسيطرة على الممرات المائية الدولية» وأن «دول الخليج تنظر لمشاركة السودان على أنها جزء من محاولة النظام تسويق نفسه لتعزيز مواقفه التفاوضية مع واشنطن».

ويرى حمد كذلك أن تلويح النظام بتعليق المشاركة نتيجة عدم إيفاء دول الخليج بالتزاماتها المادية هو «قصر نظر آخر؛ إذ كان من الأوفق للنظام أن يتواصل مع الولايات المتحدة مباشرة، لتضغط على حلفائها في دول الخليج للإيفاء بالتزاماتهم تجاه الخرطوم فوجود القوات السودانية مؤثر جداً في الحرب السعودية في اليمن».

(لمي علي – الأخبار)

You might also like