كل ما يجري من حولك

ليس نفوذًا سياسيًّا فقط.. الإمارات تحول اليمن إلى مختبر «تعذيب وحشي» كبير

312

متابعات| شفقنا:

في يونيو (حزيران) من عام 2017؛ نشرت وكالة «أسوشيتد برس» الأمريكية  تحقيقًا مصورًا وثّقت من خلاله وجود 18 سجنًا على الأقل في جنوب اليمن، تديرها قوات إماراتية بشكل مباشر أو قوات يمنية بتدريب إماراتي، وتقع هذه السجون في قواعد عسكرية وموانئ وبعض المطارات والفيلات، وحتى في ملهى ليلي، ممّا يعطي نظرة على تمدد النفوذ الإماراتي داخل اليمن إلى ما هو أكثر من مُجرد نفوذ سياسي وعسكري.

يرسم التقرير التالي صورة كاملة عن أحد أوجه هذا النفوذ الإماراتي داخل اليمن، والذي يتمثل في تصميم برامج تعذيب وإنشاء شبكة سجون سرية سعت من خلالها الإمارات لاستخدام خبرتها في هذا المجال، ونقلها إلى اليمن الذي يعيش حربًا منذ عدّة سنوات.

شهادات من داخل سجون الإمارات السرية في اليمن.. التعذيب في شاحنات معدنية

حسب روايات محتجزين سابقين وأسر سجناء، ومحامين في مجال الحقوق المدنية، ومسؤولين عسكريين، فالسجناء يتواجدون داخل مقار الاحتجاز والسجون السرية التي أسّستها الإمارات في جنوب اليمن، وهُم معصوبو العينين، بأعداد مكتظة، ويُدفع بهم في حاويات شحن تم تلطيخ جدرانها بالبراز على مدى أسابيع، قبل أن يتم نقلهم لهذه السجون، وتبدأ مرحلة جديدة من التعذيب مثل تعرضهم للاعتداء الجنسي، وتعرضهم للضرب، وربطهم على آلة للشواء.

 

صورة لآثار الحرب في اليمن

يتذكر أحد هؤلاء الذين تعرّضوا للتعذيب قيام عناصر الأمن التي تتبع الإمارات بإضرام النيران داخل حاوية شحن معدنية، تواجد فيها مع بعض النزلاء لملئها بالدخان، والضرب بالأسلاك على الجلد. سجين آخر روى للشبكة الأمريكية ملمحًا من الحياة داخل مقر احتجازه السابق في مطار ريان لفترة زمنية امتدت لستة أشهر، قائلًا: «كنّا نسمع الصراخ. المكان كله يخيّم عليه الخوف، الجميع تقريبًا مريض، والباقي أقرب إلى الموت، أي فرد يشتكي يتم سوقه مباشرة إلى غرفة التعذيب».

أمام هذه الشهادات التي خرجت في أكثر من تقرير لجهات صحافية أجنبية؛ تبرأت الإمارات بدورها من سلسلة التُهم التي لحقت بها، إذ صدر عن وزارة الخارجية بيان رسمي توضح فيه أن: «ما ورد في التقرير عارٍ عن الصحة، ولا يعدو كونه مزايدات سياسية تسعى من خلالها المليشيات الانقلابية وأطراف متضررة من جهود التحالف العربي الرامية إلى محاربة التنظيمات الإرهابية، وتشويه سمعة التحالف الذي تدخل أصلًا في اليمن من أجل إنقاذ الشعب اليمني».

وتتواجد عدّة أماكن احتجاز غير الرسمية والسجون السرية التي تتبع الإمارات في عدن وحضرموت، والتي يُدير بعضها قوات إماراتية بشكل مُباشر، والأخرى قوات أمنية يمنية مدعومة من الإمارات. ولم تغب أمريكا عما تفعله الإمارات؛ فالقوات الأمريكية كانت الدليل للعناصر الإماراتية في استرشاد بعض الطرق لانتزاع الاعترافات من المُتهمين عبر إرسالها لعدد من الأسئلة إلى القوات الإماراتية من أجل مواجهة المعتقلين بها، وبعد ذلك ترسل هذه العناصر الإماراتية ملفات ومقاطع الفيديو مرفقة بإجابات للمسئولين الأمريكيين لفحصها.

 

ولا ينفصل هذا التنسيق بين الجانبين عن استعانة الإمارات بضباط سابقين في جهاز CIA لتزويد الضباط الإماراتيين بدورات تدريبية عسكرية، ومهارات خاصة في انتزاع الاعترافات من المتهمين في الأعوام السابقة نظير مبالغ مالية طائلة لتهيئة هذه الكوادر الإماراتية تهيئة متكاملة، وإطلاعهم على أدوات  انتزاع الاعترافات من المُتهمين، وإنشاء هويات التمويه، كما ذكرت تقارير صحافية كثيرة، من ضمنها تقرير شهير لفورين بوليسي.

 

يُعزز هذا التنسيق بين الجانبين كذلك الخبرة الأمريكية الواسعة التي تمتعت بها في تأسيس سجون سرية لها بعدد من العواصم العربية وأبرزها بغداد، خصوصًا أيام الغزو الأمريكي للعراق، ومن ثم استجواب المُتهمين داخل هذه الأماكن في ظروف قاسية؛ إذ عادة  ما يتعرض هؤلاء النزلاء في هذه السجون الأمريكية للصدم الكهربائي، وتغطية وجوههم باستمرار أثناء انتزاع الاعترافات منهم، وابتكار أساليب تعذيب جسدية.

 

تداعيات التنسيق الأمريكي الرسمي مع نظيره الإماراتي في الإشراف على ملفات التعذيب انكشفت بعدما صوت مجلس النواب الأمريكي (أحد مجلسي الكونغرس)، الأسبوع الماضي، على التحقيق والمحاسبة العامة للدور الأمريكي الحالي في سجون التعذيب.

 

«الحزام الأمني» و«النخبة الحضرمية».. أذرع الإمارات للتعذيب في اليمن

نجحت الإمارات في تنفيذ المهام السابقة التي تضمنت التوسع في حملات الاعتقال وتأسيس شبكة من السجون السرية في المناطق التي تخضع لسيطرتها في اليمن عبر قوات عسكرية أسستها ودعمتها عسكريًا في جنوب اليمن وهما قوات الحزم الأمني وقوات النخبة الحضرمية.

 

 

وتوجد قوات «الحزام الأمني» والمرابطة في عدن ولحج وأبين ومحافظات جنوبية أخرى، بينما تتمركز قوات النخبة الحضرمية في حضرموت، وتتألف قوات الحزم الأمني التي تأسست عام 2016، من جمع متنوع من الضباط والعسكريين اليمنيين ونشطاء الحراك الجنوبي وبعض المحسوبين على «التيار السلفي»، وتنشط عملياتها العسكرية في الجنوب، ويصل عددها إلى أكثر من 10 آلاف جندي.

 

 

وأوكل لقوات الحزم الأمني التي تدرب نحو ثلاثة آلاف مقاتل منها في الإمارات، مهام الاعتقال والتوقيف والتعذيب التي تعرض لها العديد من العلماء والشيوخ والأئمة وبعض القيادات العسكرية في الجنوب، كما تضمنت أدوارها إدارة سجون سرية تابعة للإمارات في جنوبي اليمن، والتصفية الجسدية للخصوم السياسيين والعسكريين تحت مبررات مثل مكافحة الإرهاب في جنوب اليمن، والتخلص من العناصر التي تهدد استقرار المدن.

 

 

الجناح الآخر للإمارات في تنفيذ مهامها داخل اليمن يتمثل في القوة الأخرى المعروفة «بالنخبة الحضرمية»، والتي تتكون من جنود وعناصر مسلحة تنتمي لمحافظة حضرموت، فقط، وتخضع لإشراف وتدريب عسكري إماراتي، وأشار تقرير صادر عن هيئة الأمم المتحدة إلى خضوع هذه القوات المتواجدة في حضر موت، والتي أعلنت تشكلها لمواجهة عناصرة القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، إلى قيادة عمليات الإمارات العربية المتحدة بشكل فعلي على الرغم من حديث قادتها أنها تتبع الحكومة الشرعية.

 

وتضمنت مهام هذه القوات المتواجدة في حضر موت تنفيذ حملات اعتقال موسعة بحق الكثير من المدنيين دون اتهام واضح سوي انتقام لمواقفهم السياسية، فضلًا عن التوسع في اختطاف أقارب مشتبه بهم للضغط على ذويهم المطلوبين لتسليم نفسهم، وإدارة أكثر من سجن سري يُحتجز فيه المعتقلون والمخطوفون قسريًا، والتعرض لهم بأشكال متنوعة من التعذيب الجسدي والنفسي.

 

ولا تكف وسائل الإعلام الموالية للإمارات والسعودية عن امتداح هذه العناصر الأمنية، والإشارة في تقاريرها إلى دورها الفاعل في إعادة الاستقرار للداخل اليمني، والقضاء على العناصر التخريبية. واحد من هذه التقارير الذي حمل عنوان «قوات الحزام الأمني.. قاهرة الانقلاب والإرهاب»، بجريدة الشرق الأوسط السعودية، والذي يثني خلاله على دور هذه العناصر الأمنية في إعادة الحياة من جديد إلى الجنوب اليمني، وامتداح أدوار هذه القوات عبر التأكيد على كونها «أول جهاز أمني منظم تشهده العاصمة المؤقتة، كما أنه يعتبر نموذجًا لعملية بناء القوات المسلحة والأمن في عدن».

 

ووجدت تأسيس هذه القوات رفضًا من جانب قيادات أمنية وعسكرية لاعتبارات تتعلق بـ«توسع أدوار ومهام هذه القوات على حساب تفتيت الجيش»، كما قالت أحد المصادر لجريدة الأخبار اللبنانية، «باعتبارها مرحلة أولى كي  تصير فيها المحافظة تحت سيطرة قوات معينة بالتزامن مع حراك سياسي يطالب بكيان مستقل».

 

يُعزز هذه المعلومات ما نشره المغرّد السعودي مجتهد، على «تويتر»، أنّ «قوات كانت متمركزة في الجنوب، رفضت ضغوطًا إماراتية بمغادرة حضرموت ومناطق ساحلية لتفريغ المنطقة تمامًا للنخبة الحضرمية التابعة للإمارات»، مضيفًا أنّ ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد «هدّد بأنه سيقصفها جوًا ويدّعي أمام أمريكا أنه يقصف تجمعات القاعدة».

 

 

«أبناؤكم ليسوا عندنا أبناؤكم في دبي»، كانت هذه الجملة التي ينطق بها مدير أمن عدن ومسئولو الأجهزة الأمنية لذوي المختفين قسريًا عند سؤالهم عن مصائر أولادهم، في دلالة موحية على المشهد الدرامي لأدوار الإمارات في انتهاك حقوق هؤلاء المختطفين قسريًا والتي تمتد لنقلهم خارج أقطارهم محاولة لمحو هويتهم، وقطع كُل الطرق المُحتملة أمام ذويهم للعثور عليهم.

 

 

أحد هذه الحالات ممن تعرض زوجها ونجلها للاختطاف بمحافظة عدن، التي تخضع للسيطرة من جانب القوات الموالية للإمارات بعدما تعرضوا للاعتقال من جانب القوات الموالية للإمارات، تقول في مقابلة مع أحد باحثي هيومان رايتس ووتش: «لم أرَ زوجي ونجلي منذ عام ونصف تقريبًا. نجلي طالب جامعي محتجز في المعسكر نفسه، خسر مستقبله وتعليمه».

 

ووثّقت هيومن رايتس ووتش حالات 49 شخصًا، من بينهم أربعة أطفال، تعرضوا للاحتجاز التعسفي أو الإخفاء القسري في محافظتي عدن وحضرموت العام الماضي.

 

«بئر أحمد»، هو أحد أشهر المعسكرات التي تسيطر عليها قوات «الحزم الأمني»، التي تدعمها دولة الإمارات العربية المتحدة، وتحتجز فيه القوات أغلب المخطوفين قسريًا، بينما تنقل من يخالف التعليمات داخل هذه المعسكرات إلى إحدى قواعدها في إريتريا.

 

وتشمل مواقع الاحتجاز للقوات التي تتبع الإمارات بمحافظة عدن كُل من السجن المركزي في مدينة المنصورة، ومعسكر في مديرية خورمكسر، ومرافق الاحتجاز في مديرية بير التواهي، بينما تتضمن في حضر موت كُل من مطار الريان والقصر الرئاسي في المكلا.

 

كما وثَّقت منظمة العفو الدولية 13 حالة احتجاز تعسفي على مدار العام، واحتُجز بعض هؤلاء المعتقلين بمعزل عن العالم الخارجي، وتعرض بعضهم للاختفاء القسري، كما احتُجز أفراد من البهائيين بشكل تعسفي في مطار عدن الدولي على أيدي قوات محلية موالية لدولة الإمارات، واحتُجزوا بدون تهمة لمدة تسعة أشهر.

 

امتد النفوذ الإماراتي في محافظات الجنوب التي تخضع لقواتها تجاه من يخضع في معسكراتها للاحتجاز إلى تعطيل أي قرار قضائي صادر من القضاة وأعضاء النيابة الجزائية المختصة في محكمة المكلا بالإفراج عن أي محتجز لدى السلطات الإماراتية؛ وهو ما وقع في حالة خمسة معتقلين من بينهم القيادي في حزب الإصلاح بحضرموت، عوض الدقيل، وذلك لعدم اكتمال الأدلة لإدانتهم؛ قبل أن ترفض الإمارات الإفراج عنهم في تحد واضح للسلطات القضائية، وهو الأمر الذي تطور بعد ذلك بإضراب القاضي على خلفية عدم تنفيذ قراره.

 

أحد هذه الحالات هو محمد عبده سلام، وهو إمام مسجد في عدن، تعرض لعملية إخفاء قسري، قبل أن تودعه القوات المدعومة من الإمارات في سجن «بئر أحمد»الذي تشرف عليه الإمارات، ويقبع في السجن لشهور معدودة؛ حتى صدر قرار من النيابة الجزائية بالإفراج عنه، قبل أن تعرقل السلطات الإماراتية هذا القرار، وتضرب به عرض الحائط، ويظل المعتقل محتجزًا.

You might also like