الساحل الغربي: «الرعد الأحمر» تتراجع… و«أنصار الله» تتوعد
على الرغم من اشتداد وتيرة المعارك خلال الأيام القليلة الماضية في الساحل الغربي، في إطار ما أطلق عليها عملية «الرعد الأحمر» لتحرير مدينة «الحديدة» من قبل قيادة «التحالف»، وبمشاركة قوات المقاومة «الجنوبية» و«التهامية»، مسنودة بقوات طارق صالح، وسيطرتها على ميناء الحيمة في التحيتا، فإن تراجع وتيرة العمليات العسكرية اليوم أفرزت العديد من الآراء المتقابلة.
مراقبون رأوا ان ما يجري «ليست سوى تكراراً لعمليات الكر والفر التي لن تغير شيئاً كبيراً في خارطة السيطرة»، فيما اعتبر آخرون أنها «معركة حسم حقيقية، تتيح التوجه نحو ترجيح كفة الحسم العسكري، بهدف اتخاذه ورقة ضغط في أي مشاورات سياسية قادمة»، في حين اعتبرها البعض عملية «جس نبض لممانعة الأمم المتحدة، ومن ثم الذهاب نحو معركة تحرير طويلة المدى». وبين هذا وذاك تؤكد حركة «أنصار الله» والقوات الموالية لها في حكومة «الإنقاذ» بصنعاء، أنها «مستعدة لكل الخيارات ولن تكون معركة الحديدة إلا مقبرة للعدوان».
ويعتقد الكثير من المراقبين أن ما يحدث في الساحل الغربي، مرتبط بالإتفاق السري بين حركة «أنصار الله» وحزب «الإصلاح» جناح تركيا، ذراع «الإخوان المسلمين» في اليمن، والذي تسرب مؤخراً، وهو ما نفته قيادات في الحزب هناك.
المصدر أكد في حديثه إلى «العربي»، أن «اللقاءات التي تتم بين قيادات الحزب في تركيا وقيادات حركة أنصار الله، بين الحين والآخر، إنما هي لقاءات ودية، كلقاء أي مغترب يمني بالخارج مع الآخر وليس لها أي برتوكلات سياسية»، مضيفاً أن «الحديث عن تفاهمات بين الطرفين يأتي في سياق نهج الشيطنة الذي يطال الإصلاح، ويهدف في الأساس إلى تبرير الدعم المقدم لبقايا النظام السابق، وما هذه المحاولات المستميتة لإعادة إحيائه إلا تعبيراً عن مدى الالتزام لدى دول التحالف بإتمام الثورة المضادة التي بدأت في 2013 ولا تزال حتى اليوم».
ميدانياً، تشير المعلومات المؤكدة أن عمليات «الرعد الأحمر» توقفت وبشكل شبه كامل، بعدما حققت تقدماً نوعياً في مديريتي موزع والوازعية، غرب محافظة تعز. ووفقاً لمصادر عسكرية لـ«العربي»، فإن «ألوية العمالقة، في المقاومة الجنوبية، والمدعومة من التحالف، سيطرت على مواقع استراتيجية في مديرية موزع، المحاذية لمدينة المخا، وتمكنت من قطع خطوط الإمداد في مديرية الوازعية، الأمر الذي أجبر الحوثيين على الإنسحاب، لتسقط نتيجة قطع خطوط الإمداد عنهم».
وتشير المصادر إلى أن «القوات التي يقودها العميد طارق صالح، كانت قد دشنت عملياتها باتجاه مدينة الحديدة، من مديريتي، زبيد والجراحي، جنوبي الحديدة، إلا أنها توقفت وبشكل مفاجئ في منطقة التحيتا».
وفي السياق، كشف مصدر عسكري مقرب من قوات طارق صالح، في حديث إلى «العربي»، أن «سبب التوقف ليس لعدم الإمكانيات أو ضعف التخطيط، وإن كانت الألغام المزروعة بكثافة تعد عائقا نسبياً، إلا أن سبب التوقف يرجع إلى أوامر قيادية عليا في قيادة التحالف العربي».
وفي المقابل، أوضحت مصادر عسكرية ميدانية في حركة «أنصار الله» لـ«العربي»، أنها «تعتمد في معركة الساحل الغربي على الكر والفر، والعمليات النوعية التي تستهدف أفراد وأليات مرتزقة العدوان، نظراً لطبيعة المعركة والغطاء الجوي الكثيف الذي يعتمد عليه العدوان بدرجة أساسية»، وتضيف أن «عدداً من المواقع التي كان قد سيطر عليها مرتزقة العدوان في الوزاعية والجراحي تمت استعادتها، في حين تم دحرهم من مدينة حيس وبشكل كامل».
وأكدت المصادر، أن «قوات الجيش اليمني مستعدة لكل الخيارات ولن تكون معركة الحديدة إلا مقبرة للعدوان»، مشيرة إلى أن «أي تقدم للمرتزقة نحو الحديدة سيقابل برد استراتيجي، يستخدم فيه صواريخ مندب وقاهر، وصواريخ بحرية، ولن تكون المواقع الحيوية في مأمن منها».
ولفتت المصادر، إلى أن «البارجات السعودية والإماراتية على وجه التحديد، ستكون في مرمى القوات الصاروخية، على امتداد الشريط الساحلي». وحول حقيقة الإنسحابات لقوات «أنصار الله» من منطقة القوز الواقعة عند الأطرف الغربية بجبهة الأشروح غربي تعز، كشفت المصادر، أن «الإنسحاب كان متفق عليه مع أهالي القرية وتم تسليمهم المواقع على أن لا تدخل قوات المرتزقة»، مؤكداً أن «أبطال الجيش واللجان عادوا إلى المنطقة السبت المنصرم».
في حين يذهب الخبير الاستراتيحي والمحلل العسكري علي الذهب، في حديثه لـ«العربي»، للقول، إن «ما يجري في الساحل الغربي من نشاط عسكري للتحالف والقوات الحكومية الموالية للرئيس هادي أو ما يمكن أن يوصف بهذا الوصف، تعد معركة من معارك الوصول إلى الحديدة»، معتبراً أن «المعركة الحقيقية للحديدة ستكون في حال تم شن هجوم بحري مركز على المدينة».
وأكد أن «هذه التطورات الأخيرة هي عبارة عن استدراج القوات الحوثية المدافعة عنها إلى خارجها، واستنزافها وتفكيك شبكة الدفاع عنها ما أمكن»، مشيراً إلى أنه «في اللحظة التي تكون فيها مدينة الحديدة تقل قدراتها الدفاعية عن قدرات الهجوم الذي قد يشنه التحالف من البحر، فإننا قد نشهد ما يوصف بالمعركة الحديثة المشتركة، معركة تشترك فيها جميع أصناف قوات التحالف، وتتعدد فيها محاور الهجوم، وتتنوع كذلك أشكال الدعم والإسناد».
ويلفت الذهب إلى أنه «لا تزال هناك إشكالية معقدة بين التحالف، تحديداً الإمارات، وبين السلطة الشرعية، وقد تلعب دورا كبيرا في تأخير هذه الخطوة»، متوقعاً أن «يتم التفاهم بشأنها بضغط سعودي على الرئيس هادي والقوى المحيطة به».
أما المحلل السياسي، ياسين التميمي، فيؤكد في حديثه إلى «العربي»، أن «المعركة لا تتم بوتيرة متواصلة، فهي تعتمد على أسلوب الهجمات المفاجئة والبطيئة وتحرز تقدمات محدودة على الرغم من توفر الإمكانيات الكبيرة لتحقيق انتصارات متسارعة في منطقة مفتوحة أصلاً».
ويضيف أن «الكتائب التي أنشأتها ودعمتها الإمارات للعملية ليست منسجمة ولا تعمل بروح الفريق الواحد، كما أنه ليس هناك تنسيقاً ميدانياً يعكس حقيقة أن هذه الوحدات تخوض معركة واحدةً»، مشيراً إلى أن «كتائب العميد طارق تعاني من اختراقات خطيرة، تسببت في تعثرها في المهام والعمليات العسكرية التي أوكلت إليها».\
وتابع «أما الكتائب التي تنتمي للمناطق الجنوبية، فتشعر بأنها تفقد العائد المعنوي الذي كانت تحصل عليه من كونها الوحيدة التي تقاتل في الساحل الغربي، وفي ساحة معركة تعتبر أنها تقاتل خارج حدودها الوطنية، بعدما عملت الإمارات على ترسيخ فكرة الانفصال». مؤكداً أن «معركة الحديدة ترتبط بقرار سياسي وبتعقيدات المشهد الإقليمي والدولي، وبانسجام القرار داخل التحالف نفسه».
وأرجع التميمي «البطء في التقدم المفترض على هذه الجبهة بسبب الضربة التي تلقتها الإمارات في محافظة أرخبيل سقطرى، التي زادت من حدة التوتر بين الإمارات والسلطة الشرعية»، متسائلاً «لا ندري هل لا يزال الحماس لدى الإمارات على حاله في ما يخص دعم طارق صالح للوصول إلى الحديدة وصنعاء، في ظل هذه المتغيرات أم لا؟».