ما لا يعرفه ابن سلمان عن هتلر.. صديق أعمامه وأجداده الذين شبّهوه بـ«الرسول»
متابعات| شفقنا:
لا يكفّ ولي العهد السعوديّ محمد بن سلمان في أحاديثه التلفزيونية لمحطات إعلامية أمريكية، عن التذكير بسيرة الزعيم النازي الألماني هتلر، باستدعائه دومًا لتشبيه سياسات إيران ومرشدها بما فعله الرجل الألماني، في محاولة للتحريض ضد إيران. كانت المرة الأولى في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي حين وصف الشاب الثلاثيني المرشد الأعلى لإيران بأنَّه «هتلر جديد في منطقة الشرق الأوسط»، لافتًا بالقول: «لا نريد أن يكرر هتلر الجديد في إيران ما حدث في أوروبا»، قبل أن يعاود من جديد قبل أيّام في حوار مع مجلة «ذي أتلانتك» الأمريكية استدعاء سيرته: «علي خامنئي المرشد الإيراني، يعتبر أسوأ من الزعيم النازي الألماني هتلر، الذي حاول غزو أوروبا فقط، بينما خامنئي يريد غزو العالم كله».
يبدو الأمير الشاب غير مُطّلع على محطّات العلاقة التي جمعت أعمامه وأجداده مع هتلر؛ فقد تفاخرت أسرة آل سعود الحاكمة من قبل بالعلاقة مع الزعيم الألماني، حتَّى وصل بالملك السعودي عبد الله بن عبدالعزيز بالتفاخر أمام ضيوفه بخنجر يحتفظ به في قصره، تعود ملكيّته في الأصل لأدولف هتلر، وقد منحه لأبناء العائلة المالكة. يحاول التقرير إلقاء الضوء على تاريخ علاقة أسرة آل سعود مع الزعيم النازيّ الألمانيّ، ومراحل تطوّرها التي وصلت إلى درجة إمداد هتلر للسعودية بشحنة أسلحة ألمانية، وتباهي السعوديين بين أقرانهم العرب بهذه العلاقة.
كيف نشأت علاقة آل سعود مع هتلر؟
فى أوائل عام 1939، كان التحالف بين الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية يمر بتوترات كبيرة، على خلفية عدم توافق سعودي مع الرغبة الأمريكية آنذاك في سياساتها الإقليمية، حتى اضطرت المملكة للمناورة سياسيًا بالتقرب من الزعيم النازي هتلر، عبر ترتيب زيارة وفد سعودي إلى ألمانيا النازية، ولقاء أدولف هتلر في مقرّه أعلى الجبال في بركتسجادين.
كان الهدف الأساسي من الزيارة هو التفاوض على اتفاق لشراء الأسلحة، والتي كان سيتمّ تحويل جزء منها إلى العرب الفلسطينيين الذين يحاربون المحتلّين اليهود في فلسطين أثناء الانتداب البريطاني، لينتهي اللّقاء بموافقة هتلر على إرسال شحنة أسلحة إلى السعوديّة وإنشاء معمل ذخيرة بها.
أحد مُحددات توطيد هذه العلاقة بين هتلر والسعودية، الإشارات الدائمة المستميلة من جانب هتلر ورموز نظامه نحو العرب والمسلمين، كزعم القائد الألمانيّ في أحد الاجتماعات أن «المسيحية ليست ملائمة للمزاج الجرماني على عكس الإسلام»، وفقًا لما كتبه ألبرت شبير، وزير التسليح والذخيرة النازي في كتابه «داخل الرايخ الثالث».
كما ذكر البروفيسور والمؤرخ الفرنسي جيل أردينا أن هنريش هيملر، وزير الداخلية وقائد الغيستابو والقوات النازية الخاصة، قال: «ليس لدي ما آخذه على الإسلام، بل بالعكس، هو دين مفيد وملائم للجندي».
لم تقف العلاقات بين آل سعود وهتلر عند هذه الاتصالات؛ بل أخذت منحدرًا جديدًا حين التقى مندوب الملك عبد العزيز آل سعود، خالد الهود مع هتلر، وشكّل هذا اللقاء نقطة تحوُّل نوعية في العلاقة بينهما، حتى بلغ بمندوب آل سعود بتشبيه هتلر بالرسول، حين قال «إن معارك هتلر ضد اليهود ليست إلاّ تكرارًا لمعارك الرسول ضد اليهود في المدينة» وذلك وفقًا لما هو موثق في كتاب جلبير الأشقر «العرب والمحرقة النازيّة»، وفي أطروحة دكتوراه لفهد بن عبدالله السماري عن جامعة كاليفورنيا، ريفرسايد، عن «الملك عبد العزيز وألمانيا».
وفقًا لمحضر الاجتماع الذي أبقته وزارة الخارجية الألمانية، فقد أكَّد هتلر لمندوب السعودية أنَّ: «هناك مصالح مُشتركة تجمعنا معكم ومع العرب؛ لأننا نحارب اليهود» كما تضمَّن اتفاقية تنفيذ صفقة سلاح تتضمن 8 آلاف بندقية و8 ملايين طلقة وذخيرة مضادة للطائرات، قبل أن تفشل فيها السعودية لأسباب مالية.
سعى هتلر، لاحقًا، لاستمالة السعوديين نحو حلفه عبر عدّة وسائل، كان من بينها إهدائه مندوب الملك خنجرًا، والتصريحات الودودة التي يعبر فيها عن تقديره للعرب دومًا والمسلمين. لاحقًا؛ توارث ملوك آل سعود واحدًا تلو الآخر هذا الخنجر، حتى وصل لعهدة الملك الراحل عبدالله، الذي اعتاد التباهي به دومًا أمام الوفود الأمريكية في أوقات الخلافات السياسية كشكلٍ من أشكال المكايدة السياسية.
كانت الأمور كُلها تتجه نحو تمتين العلاقات بين السعودية وهتلر؛ ودخول المملكة والعراق وسطاء لصفقات السلاح بين ألمانيا والعرب، قبل أن يقف هذا التعاون لأسبابٍ متعددة؛ من بينها خوف الملك عبد العزيز من البريطانيّين وحلفائهم من وقوفهم أمام رغبته في تنصيب أحد أبنائه في خلافة الأردن، جنبًا لعمل مساعد وزير الخارجيّة السعودي، فؤاد حمزة، عميلًا سريًا لصالح البريطانيّين حسبما كشفت الوثائق البريطانيّة المنشورة.
ما الذي قصده وليّ العهد ابن سلمان من توصيف سياسات إيران بالزعيم النازي؟
إقحام وليّ العهد السعودي اسم هتلر وسيلة للمقاربة بين ما كان يفعله وما تفعله إيران؛ هي محاولة من الأمير الشاب للربط بين مآلات سياسات هتلر على أوروبا وأمريكا، وما ستؤول إليه سياسات إيران مستقبليًا على هذه الدول؛ مؤسّسًا بهذا الحديث كتالوجًا جديدًا لسياسات المملكة مع أمريكا وأوروبا.
فاستدعاء هتلر من جانب وليّ العهد السعودي في خطابه الذي توجَّه به للغرب وأمريكا عبر وسيلة إعلام أمريكية جاء في سياق ترهيب لهم من سياسات إيران التيي قد تفعل بسياساتها بهم ما فعله هتلر من قبل؛ وهو أمر يؤسس به لمقاربة جديدة تجاه الغرب وأمريكا على خلاف سياسات أعمامه التي سعت للمناورة بأوراق ضغط مغايرة بحثًا عن أكبر قدر من المكاسب.
لكن ما الذي يقصده ابن سلمان بالضبط من تشبيه المرشد الإيراني بالزعيم النازي؟ ما أوجه التشابه بينهما تحديدًا؟ وفقًا لمقالة رأي للكاتب ممدوح المهيمني بموقع قناة العربية، المملوكة للحكومة السعودية، فإن توصيف ولى العهد السعودي للمرشد الإيراني بهتلر يعود «إلى التشابه بينهم» حسبه، إذ يشير كاتب المقال أنّ «كلاهما يعتمدان على سياسة التقسيم داخل الدول العربية والإسلامية بالادعاء أنه يدافع عن شرائح مضطهدة داخلها ومن خلالها يتغلغل ويمد نفوذه وكذلك يستخدم الدعاية وماكينة البروباغاندا الإعلامية على طريقة الأنظمة الشمولية لبث الأكاذيب التي يروج لها التابعون له أو المتعاطفون. وكذلك هو نظام مستبد يعتمد على أيديولوجية فكرية متطرفة ويتبنى عقيدة التجنيد والطاعة العمياء».
«مواجهة هتلر الجديدة».. سياقات تاريخيّة مختلفة
لم يكن وليّ العهد السعودي قد أطلق تصريحاته لوسائل الإعلام الأمريكية حول تشبيه سياسات إيران بالزعيم النازي هتلر، حتى انطلقت وسائل الإعلام السعودية المملوكة له، وكُتاب رأي موالون له في امتداح هذا التشبيه، لدرجة وصفه بـ«المعركة الجديدة».
واحد من هذه العناوين الاحتفائية بولى العهد السعودي كانت «مواجهة هتلر الجديدة» للكاتب السعودي سلمان الدوسري، رئيس التحرير السابق لصحيفة «الشرق الأوسط»، الذي يمتدح التشبيه، ويبرره: «الرسالة كانت واضحة وصريحة وبلا أي مواربة، فخطر إيران على المنطقة كما كان خطر أدولف هتلر على أوروبا منذ تعيينه في منصب المستشار من قبل الرئيس الألماني آنذاك فون هندنبورغ في يناير (كانون الثاني) 1933، حيث بدأ هتلر بوضع أساس الدولة النازية التي غزت أوروبا، وتسببت في أعظم كارثة للبشرية في الحرب العالمية الثانية».
ويسعى ولى العهد السعودي للحضور في الأوساط الأمريكية، وتسويق مسعاه الدؤوب نحو إفشال الاتفاق النووي الإيراني عبر استدعاء التشبيه الذي ابتدعه بين هتلر والمرشد الأعلى بإيران، محاولةً منه لتذكير أوروبا بما فعله الزعيم النازي خلال ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي.
يوضح ذلك كُل التصريحات الرسمية الاحتفائية، والأصوات السعودية الإعلامية الموالية له، والتي تربط بين حتمية القضاء على إيران، وإفشال اتفاقية النووي الإيراني، كما فعلت أوروبا مع هتلر، في مقاربة تتجاهل اختلاف السياق التاريخي والسياسي لكلتا الواقعتين.
ويقارب بين خطر هتلر عندما احتلت ألمانيا معظم قارة أوروبا (عدا بريطانيا) وثلث مساحة الاتحاد السوفييتي، وبين ما تحاوله إيران من سقوط للعواصم العربية. يتناسى زُمرة ولى العهد السعودي وهم يشبهون تصريحاته بما قاله جدّه الملك المؤسس عبد العزيز: «كان هدفنا قبل أن نوحِّد الأرض، أن نوحد النفوس، وأن نوحد الأفكار، ولن تنجح هذه الأمة على امتداد رقعتها الجغرافية ما بقيت ممزقة» عمّا فعلته سياساته في عدد من قضايا الشرق الأوسط، وخصمت من نفوذ بلاده التي كان يُرمز لها باعتبارها مركز ثقل في الشرق الأوسط؛ واضطراره للمناورة في سياساته عبر الأموال.