فرنسا المحطة قبل الأخيرة.. هل ينجح ابن سلمان في إذابة الجليد؟
متابعات| البديل:
يبدو أن العدوان السعودي على اليمن أصبح وصمة عار تلاحق الأمراك والملوك السعوديين في كافة زياراتهم الدولية، وتجعلهم أشخاصًا منبوذين وغير مرغوب في استقبالهم، فبعد المظاهرات التي اندلعت في بريطانيا وأمريكا قبل أن تطأ قدما ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” عاصمتي البلدين، ها هي فرنسا تضج بالاحتجاجات على خلفية زيارة مرتقبة بعد أيام للأمير الشاب صاحب السياسات العنجهية المتهورة، والتي دفعت بالشرق الأوسط إلى حافة الهاوية.
المزيد من الخطوات نحو العرش
يستكمل ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” جولته الخارجية التي تُعد الأولى من نوعها كولي للعهد، والأهم والأطول على الإطلاق، حيث يستعد الأمير الشاب لتولي عرش المملكة بعد أن بات على بُعد خطوات قليلة منه، حتى إن بعض المراقبين رأوا في هذه الجولة محاولة من الملك المستقبلي لحشد التأييدات الغربية لتنصيبه، وسعيًا من الأمير الشاب لتصوير نفسه باعتباره إصلاحيًّا في الداخل والخارج، وصاحب رؤية مختلفة تمامًا عن والده وأجداده.
افتتح “ابن سلمان” جولته الخارجية بزيارة القاهرة في 4 مارس الماضي، ليطير منها إلى بريطانيا في السادس من الشهر نفسه، ثم أمريكا في 19 مارس أيضًا التي لا يزال يمكث فيها حتى الآن، ومن المقرر أن يطير منها باتجاه العاصمة الفرنسية باريس في 9 إبريل الجاري، ليختتم جولته بزيارة إسبانيا في 12 من الشهر الجاري، قبل أن يعود إلى بلاده للمشاركة في القمة العربية المقررة في 15 إبريل.
“ابن سلمان” إلى فرنسا
بعد زيارتين لبريطانيا والولايات المتحدة شهدتا توقيع عقود ضخمة معظمها تسليحية، أكدت مصادر في قصر الإليزيه الفرنسي أن ولي العهد السعودي سيقوم بزيارة رسمية لفرنسا يومي الاثنين والثلاثاء المقبلين، وذكر مصدر أن فرنسا والسعودية تخططان لـ “شراكة استراتيجية جديدة”، فيما يواصل ولي العهد برنامجه بشأن رؤية 2030؛ لفصل اقتصاد المملكة عن صادرات النفط، وقال مصدر في الإليزيه إن فرنسا تأمل في الاستثمار مع السعودية في مجالات مثل التكنولوجيا الحديثة والطاقة المتجددة، بدلًا من الاكتفاء بدخول مناقصات لعقود على فترات متباعدة في المملكة، كما كان الحال في الماضي.
ومن المقرر أن يلتقي ولي العهد السعودي خلال زيارته بالرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، ورئيس الحكومة الفرنسية، إدوار فيليب، إضافة إلى عدد من الوزراء الفرنسيين، وسيقيم “ماكرون” مأدبة عشاء لولي العهد السعودي مساء الثلاثاء القادم، كما سيزور ولي العهد محطة “ستاسيون أف”، ويبحث الاستثمار في الطاقة المتجددة، وترغب فرنسا في المساهمة في تطوير هذه القطاعات بالمملكة، وكشفت مصادر فرنسية أن الرياض ترغب في مشاركة فرنسا في مشروع كبير لتطوير منطقة “العلي” بالسعودية، والتي تحوي موقعًا مسجلًا في منظمة “يونيسكو” للتراث العالمي، ومعروفة باسم “مدائن صالح”، والواقعة في شمال غرب المملكة، وتعمل فرنسا منذ أشهر على مشروع تطوير هذه المنطقة سياحيًّا.
في شتى بقاع الأرض.. “ابن سلمان” منبوذ
تحضيرات كثيرة وإجراءات أمنية غير مسبوقة اتخذتها بريطانيا وأمريكا قبيل زيارة ولي العهد السعودي إلى عاصمتي الدولتين، خاصة في ظل اندلاع مظاهرات حاشدة في العديد من المدن البريطانية والأمريكية؛ اعتراضًا على استقبال “مجرم حرب” مثلما وصفه نشطاء وشعب الطرفين، الأمر الذي أظهر “بن سلمان” بمظهر المسئول غير المرغوب في زيارته، وهو عكس ما تظهره سلطات الدولتين، حيث يعتبرون أن السعودية هي الدجاجة التي تبيض ذهبًا، وهو ما يدفعهم إلى الضرب بالاحتجاجات عرض الحائط.
بالتزامن مع الزيارة تنامت الضغوط على “ماكرون” في الداخل من مشرعين وجماعات حقوقية بشأن مبيعات الأسلحة الفرنسية للتحالف الذي تقوده السعودية، حيث استبق المُشرّع “سيباستيان نادو” من حزب “الجمهورية إلى الأمام” التابع للرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون”، زيارة ولي العهد السعودي إلى بلاده، بتقديم طلب رسمي لفتح تحقيق برلماني في مدى قانونية مبيعات الأسلحة الفرنسية للتحالف الذي تقوده السعودية للقتال في اليمن، وذلك قبل 3 أيام من زيارة ولي عهد المملكة لفرنسا، وقال “نادو” إنه و15 نائبًا آخرين تقدموا رسميًّا بطلب لإنشاء لجنة تحقيق، ويطالب هؤلاء بتشكيل لجنة من 30 عضوًا لدراسة التزام فرنسا بالمعايير الدولية فيما يخص تراخيص تصدير الأسلحة والذخيرة، وكذلك التدريب والخدمات والمساعدة التي منحتها باريس خلال السنوات الثلاثة تلك إلى الأطراف المتحاربة في الصراع اليمني.
في ذات الإطار أظهر مسح أجرته مؤسسة “يوجوف” أن 75 في المائة من الشعب الفرنسي يريدون أن يعلق ماكرون مبيعات الأسلحة للسعودية والإمارات، كما حذرت جماعات حقوقية من إجراءات قانونية محتملة إذا لم توقف الحكومة المبيعات، فيما تدافع الرئاسة الفرنسية عن إجراءاتها الخاصة بصادرات الأسلحة، وزعمت في وقت سابق أنه “توجد رقابة صارمة للغاية على صادرات الأسلحة التي تلتزم بمعايير بالغة الدقة، بما في ذلك مخاوف بشأن الأوضاع التي ربما يتعرض فيها السكان المدنيون للخطر”، وتعتبر فرنسا ثالث أكبر مصدر للأسلحة في العالم، وتعد السعودية والإمارات من بين أكبر مشتري العتاد منها، ولا تخضع إجراءات الترخيص الخاصة بصادرات الأسلحة لضوابط برلمانية في فرنسا خلافًا للعديد من حلفائها، إذ تقرها لجنة يشرف عليها رئيس الوزراء، وتشمل وزراء الخارجية والدفاع والاقتصاد.
على جانب آخر دعت عشر جماعات حقوقية الرئيس الفرنسي لاستغلال زيارة ولي العهد للضغط عليه من أجل إنهاء حصار الموانئ اليمنية والعمل على حل دبلوماسي للصراع هناك، وقالت المتحدثة باسم منظمة “هانديكاب إنترناشونال” الدولية المعنية بالمعاقين إن قصف المدنيين في اليمن يجب أن يتوقف، وندعو كل أطراف الصراع لوقف ذلك على الفور، وأضافت “على ماكرون أن يختار: إما حماية المدنيين أو بيع الأسلحة”، فيما قال مدير عمليات الشرق الأوسط في منظمة “أكشن أجينست هانجر” المعنية بمكافحة الجوع، جوناثان كونليف: على فرنسا أن تدخل في نقاش أوسع ليس فقط فيما يتعلق ببيع الأسلحة، لكن أيضًا حصار هذا البلد، هذه الاستراتيجية لم تنجح.
توتر العلاقات الفرنسية السعودية
أكد الكثير من المتابعين أن لقاء القمة المقرر عقده بين الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، وولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، سيتركز البحث فيه على تعديل مسار العلاقات بين الرياض وباريس إلى نصابها الصحيح، حيث توترت العلاقات بين الطرفين خلال الأشهر القليلة الماضية، وذلك على خلفية السياسة الجديدة التي تتبعها المملكة في تعاملها مع القضايا الإقليمية والدولية، وتورطها في الكثير من أزمات الشرق الأوسط، الأمر الذي دفع الساسة الفرنسيين إلى وصف السياسة السعودية بأنها “طائشة واندفاعية”، فيما حمّل البعض منهم المملكة مسئولية تدهور الأوضاع في الشرق الأوسط.
لم تعد العلاقات السعودية الفرنسية مثلما كانت عليه في عهد الرئيس الفرنسي السابق، فرانسوا أولوند، حيث كان الأخير حريصًا على إقامة علاقات وثيقة مع دول الخليج وخاصة السعودية، في الوقت الذي اتخذت فيه باريس موقفًا صارمًا تجاه إيران أثناء المفاوضات النووية، وحينها منح “أولوند” ولي العهد السعودي السابق، الأمير محمد بن نايف، وسام جوقة الشرف، وهو أعلى وسام فرنسي عام 2016، ووصلت العلاقات بين الطرفين حينها إلى سقف غير مسبوق، لكن “ماكرون” ابتعد قليلًا عن التمسح بالمملكة، بل وانتقد سياساتها في أكثر من مناسبة، وذهب إلى أبعد من ذلك من خلال السعي لتحسين العلاقات مع إيران، العدو اللدود للسعودية وأمريكا في المنطقة.
ظهر جليًّا توتر العلاقات بين الرياض وباريس في نوفمبر الماضي، عندما اندلعت أزمة احتجاز المملكة لرئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، وإجباره على تقديم استقالته من أراضيها، حيث قام الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، حينها بزيارة مقتضبة وعاجلة لرياض استمرت ساعتين فقط، لإجراء محادثات مع ولي عهد السعودية، وأكد العديد من المقربين من الطرفين أن أجواء الزيارة لم تكن ودية إطلاقًا، بل كانت مشحونة، خاصة عندما تناول اللقاء ما يخص رغبة فرنسا في التقارب مع إيران.
وقال مسئولون إن الاجتماع بين الطرفين هيمن عليه حينها تهديد الأمير بتقليص العلاقات مع فرنسا ما لم يكبح ماكرون رغبته في الحوار مع إيران، وسعيه لتعزيز المصالح التجارية هناك، واقترح “ابن سلمان” على الرئيس الفرنسي منح الشركات الفرنسية عقودًا سعودية ضخمة بشرط أن تتوقف فرنسا عن إبرام أي صفقات تجارية مع إيران، لكن ماكرون حينها رد عليه قائلًا إنه “لا يجب التكلم هكذا مع فرنسا”، فيما ذكّر الرئيس الفرنسي الأمير السعودي بمكانة فرنسا في العالم كقوة نووية وعضو دائم في مجلس الأمن بالأمم المتحدة، مشددًا على أن “فرنسا حرة فيما تفعل”، فيما قال الرئيس الفرنسي عقب اللقاء مع ولي العهد السعودي: “سمعت مواقف متشددة جدًّا، عبرت عنها السعودية حيال إيران، لا تنسجم مع رأيي”.
بقلم/ هدير محمود