بعد مقتل عشرات الجنود السودانيين في مصيدة للحوثيين والغضب العارم للشعب اليمني على جريمة إغتصاب إمرأة يمنية.. هل يقرر البشير سحب قواته من اليمن؟
متابعات| رأي اليوم:
تحتل القوات السودانية المشاركة في التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة الذي يخوض الحرب في اليمن منذ ثلاث سنوات، العناوين الرئيسية هذه الأيام، ولكن للأسباب الخطأ، وبما قد ينعكس سلبا على سمعة البلاد، ويشكل احراجا للسلطات السودانية التي اتخذت القرار بإرسالها الى اليمن، وقتل اليمنيين المحاصرين المجوعين.
حادثتان رئيسيتان كان الجنود السودانيون طرفا رئيسيا فيها، واثارتا اهتماما واسعا داخل السودان وخارجه:
ـ الأولى: عندما جرى توجيه الاتهام لجندي سوداني يقاتل الى جانب قوات التحالف السعودي بالأقدام على اغتصاب فتاة يمنية في بلدة خوخة الساحلية تحت تهديد السلاح مطلع الأسبوع الماضي، واثارة الجريمة حالة غضب عارمة في اليمن، ووصلت الى حد المطالبة بإعدام الجندي وتعزيره، وصلبه في ساحة عامة، ومحاكمة مسؤوليه، ولم تعلق قيادة قوات التحالف رسميا على هذه الجريمة، ولم يتم تشكيل لجنة تحقيق فيها، وجلب المتهمين الى العدالة والقصاص في حالة ثبوت الاتهام.
ـ الثانية: تأكيد وكالات انباء عالمية من بينها وكالة الصحافة الفرنسية مقتل عشرات من الجنود السودانيين ليل الخميس الجمعة اثر سقوطهم في كمين نصبته قوات تابعة لحركة “انصار الله” الحوثية قرب مدينة ميدي في شمال غرب اليمن، وعززت محطة تلفزيون “المسيرة” هذا النبأ ببث شريط “فيديو” لجثامين الضحايا ودباباتهم وعرباتهم المدمرة، وهذه هي الخسارة الأكبر للقوات السودانية منذ وصولها الى اليمن عام 2015.
مشاركة قوات سودانية في حرب اليمن وبأعداد كبيرة، تقدرها بعض المصادر بأكثر من ثلاثة آلاف جندي، كانت موضع جدل بين أبناء الشعب السوداني، بين مؤيد ومعارض، ولكن نسبة المعارضين الذين رفضوا هذه المشاركة لأنها تسيء للجيش السوداني وتورطه في حروب ضد اشقاء من اجل المساعدات المالية، كانت هي الأكبر لان المبررات التي تقدمها الحكومة لم تكن مقنعة أولا، ولتزايد اعداد القتلى في صفوف هذه القوات، وبلوغها اكثر من 1000 جندي، حسب بعض التقديرات غير الرسمية.
دول عربية عديدة رفضت ارسال قوات الى اليمن للمشاركة في “عاصفة الحزم” على رأسها مصر والأردن، بينما اكتفت أخرى بمشاركة رمزية مثل المغرب، لتبصر قياداتها بصعوبة الانتصار في هذه الحرب أولا، ولعدم الاقتناع بدوافعها، والتورط في حرب أهلية ثانيا، وتحسبا لردات فعل الرأي العام فيها لانقسامه تجاهها ثالثا، الامر الذي اثار العديد من علامات الاستفهام عندما قررت القيادة السودانية ارسال الآلاف من قواتها الخاصة للمشاركة في هذه الحرب التي ليس لها فيها ناقة او جمل، والقتال في الصفوف الامامية في حرب دموية توقع عشرات الآلاف من القتلى والجرحى وتدمر البنى التحتية الهشة في واحدة من افقر دول العالم ماليا.
ومن المفارقة ان الرئيس السوداني عمر البشير الذي اتخذ قرار المشاركة في الحرب تقديرا للسعودية لدورها البارز في رفع الحصار عن السودان بحكم علاقاتها القوية مع الولايات المتحدة الامريكية، على امل الحصول على مساعدات مالية ضخمة تخرج السودان من ازماته الاقتصادية، تدهورت علاقاته معها في الأشهر الأخيرة، وعاد الى حاضنته التركية الاخوانية، واقام استقبالا حارا للرئيس التركي رجب طيب اردوغان اثناء زيارته الأخيرة للخرطوم، وسمح له بالاستثمار في جزيرة “سواكن” السودانية على البحر الأحمر، وإقامة قاعدة عسكرية تركية فيها، الامر الذي اثار غضب الرياض ومصر وأبو ظبي، التي تعتبر اردوغان خصما لدودا بسبب علاقاته القوية مع دولة قطر، وانحيازه الى صفها في الازمة الخليجية، وإقامة قاعدة عسكرية فيها تضم اكثر من ثلاثين الف جندي تركي لعبوا دورا كبيرا في منع أي تدخل عسكري لقوى التحالف الأربع لتغيير النظام القطري.
تقارير إخبارية عديدة تكهنت باحتمال اقدام الرئيس البشير على سحب قواته من اليمن، بعد تدهور علاقاته مع الامارات والمملكة العربية السعودية في الأشهر الأخيرة، ولكن الرئيس السوداني لم يؤكد صحتها عمليا، كما انه تجنب في الفترة الأخيرة الحديث عن هذه المسألة الشائكة، لكن من غير المستبعد ان تؤدي الحادثتان المذكورتان آنفا، أي مقتل اعداد كبيرة من الجنود السودانيين في مصيدة حوثية، واتهام جندي سوداني باغتصاب سيدة يمنية، الى تشكيل ضغوط كبيرة على الرئيس البشير يصعب عليه مقاومتها، ولذلك يتوقع كثيرون، ونحن من بينهم، اصدار قرار سحب القوات السودانية من اليمن في الأيام والاسابيع المقبلة.. والله اعلم.