مشاريع ابن سلمان بين الوهم والحقيقة…”قناة سلوى” أنموذجاً
متابعات| الوقت:
حاول الأمير السعودي محمد بن سلمان منذ وصوله إلى ولاية العهد تغيير صورة المملكة وإظهارها للعالم بوجه شبابي منفتح يسعى للتغيير والتحديث والتطوير وإدخال روح جديدة للسعودية وإظهارها بشكل حضاري ومحاولة تغيير النظرة العامة عنها بأنها رمز للتشدد والوهابية ودعم الجماعات المتطرفة وتصديرها للعالم.
ولتحقيق ذلك بدأ ولي العهد ابن سلمان بطرح عدة مشاريع واعدة في مجالات السياحة والاقتصاد والترفيه، وأحدث ابن سلمان هيئة عامة للترفيه يتم من خلالها الإشراف على كل وسائل الترفيه التي سيتم إحضارها للمملكة من عروض سينمائية وصالات سينما وحفلات غنائية وغيرها، ولكي يتم ذلك كان لا بدّ من مواجهة دعاة السعودية ورجال الدين فيها، لذلك وضع ابن سلمان كل من يقف في طريقه بالسجن وأقصى البقية لكي لا يقفوا في وجه مخططاته.
هذه المخططات لا ننكر بأنها تحقق شعبية كبيرة للأمير الشاب خاصة بين فئة الشباب التي تسعى بأغلبيتها لهذا النوع من الانفتاح، ولكن لا تزال هناك عقبات كبيرة في وجه هذه المشاريع بسبب طبيعة المجتمع السعودي المحافظة ورفض رجال الدين لأغلب هذه المشاريع، ومع ذلك استطاع ابن سلمان البدء بتحقيق جزء منها ويسعى لإكمال ذلك، وما زيارته إلى الولايات المتحدة الأمريكية والتي استمرت لثلاثة أسابيع متواصلة إلا دليل على سعيه الدؤوب لتحقيق أحلامه بالعرش والانفتاح.
لكن مشاريع بن سلمان في أغلبيتها تحمل أفكاراً غير منطقية وبعضها فشل وارتد سلباً على ولي العهد، ونذكر من هذه المخططات “عزل قطر” والذي لم يحقق أي نتيجة إيجابية للسعودية بل على العكس قدمت السعودية خدمة مجانية وعلى طبق من ذهب لمنافسيها في المنطقة، ويمكن أن نذكر أيضاً الحرب على اليمن التي دخلت عامها الرابع دون إحراز أي نصر أو هدف على عكس ما يهلل له الملك والحاشية بأنهم انتصروا على اليمن، فالأوضاع هناك معقدة والسعودية أصبحت في ورطة ليس من السهولة الخروج منها، وكل ما فعلته المملكة خلال السنوات الثلاث الماضية في اليمن يمكن اختصاره بتدمير البنى التحتية للجارة اليمن وتشريد الملايين من الشعب وتجويع الأطفال وتدمير مدارسهم ومستشفياتهم وتهديد حياة الملايين جراء انتشار مرض الكوليرا.
ولكن يحسب للسعودية بأنها استطاعت غزو إيران وتدميرها وإرضاخها وقتل أبرز القيادات العسكرية فيها ورفع صورة الملك السعودي في الساحات العامة الإيرانية، من خلال فيلم “انيميشن” سعودي تم نشره منذ عدة أشهر على موقع “يوتيوب”، ويمكن أن يصبّ ذلك في صناعة “الوهم”، حيث دخلت هذه الصناعة حيز التنفيذ مع وصول ابن سلمان إلى موقعه الحالي.
الوهم لا يختصر على غزو إيران بل بطرح مشاريع وهمية لا يمكن أن تتحقق وليس فيها أي منطق، مثل مشروع “قناة سلوى” والذي تم طرحه مؤخراً، والذي يبرز الخيال الواسع للمخططين في المملكة.
المشروع الجديد يقترح حفر قناة على طول الحدود السعودية-القطرية، وبذلك تتحول قطر من شبه جزيرة إلى جزيرة كاملة، قالت عنها صحيفة “سبق” الإلكترونية السعودية؛ -التي توصف بأنها مقربة من سلطات المملكة-، إنها تمتد على طول 60 كيلومتراً مائياً بالكامل، من منطقة سلوى الحدودية إلى خور العديد، وسينفذ المشروع تحالفاً استثمارياً سعودياً يضم 9 شركات، وفي حال الموافقة الرسمية سيتم الانتهاء منه خلال 12 شهراً فقط، بقناة عرضها 200م وعمقها 15-20 متراً، ما يجعلها قادرة على استقبال جميع أنواع السفن من حاويات وسفن ركاب، في حين قُدِّرت التكلفة بـ2.8 مليار دولار، وتضم فنادق ومنتجعات سياحية.
المشروع الحالي الخيالي ينتظر فقط الموافقة الرسمية من السلطات السعودية، وقد تعرض هذا المشروع لموجة انتقادات وسخرية غير مسبوقة على موقع “تويتر” من داخل السعودية وخارجها، واعتبره الباحث الأكاديمي عبد الخالق عبد الله، المقرب من السلطات الإماراتية، “شطحة خيال” لا يستحق ذكرها.
ونشر تغريدة على “تويتر” كتب فيها: “مشروع استثماري وسياحي من وحي خيال شاطح ليس له أي بعد استراتيجي ولا يستحق أن ينفق عليه دولاراً واحداً وأرجو ألّا يحصل على دعم رسمي. استثمروا فيما يفيد الناس ويقارب بينهم. نحن في خلاف وعداء مع نهج قطري عبثي متهور وليس في سياق عزل أهلنا وأشقائنا في قطر”.
ومن الناحية المنطقية لن يكون لهذا المشروع أي مستقبل حقيقي أو إمكانية لتنفيذه لعدة اعتبارات، نذكر منها، أن المنطقة التي سيتم فيها المشروع غير مأهولة بالسكان وبالتالي لن تغري أحداً لكي يأتي ويستجم فيها، ولن يكون مغرياً لأي سائح أن يتجه إلى منطقة توتر بين دولتين جارتين للاستجمام، كما ذكرت مجلة Forbes، كما أنه من غير المنطقي أيضاً، أن تغيِّر السفن التجارية طريقها وتتجه من وسط الخليج الفارسي في الشمال للمرور بقناة سلوى البحرية في الجنوب، نكايةً بقطر فقط.
إذاً يمكن اعتبار هذا المشروع وهمياً مثل الكثير من المشاريع الوهمية التي يطرحها ابن سلمان، ولن تجدي نفعاً للملكة ولا حتى يمكن لها أن تؤثر على قطر ولا بأي شكل، وبالتالي هي لا تعدو كونها مجرد دعاية إعلامية لتغييرات ابن سلمان في المملكة والتي تظهره بأنه الرجل القوي القادر على إيصال بلاده إلى ذروة التطور خلال عدة أشهر تمهيداً للوصول إلى العرش.