متابعات| العربي| محمد المحفلي:

كانت السلطة في اليمن شكلياً في يد الرئيس، وفعلياً بأيدي متنفذين غالباً ما يتحالف معهم هذا الرئيس من أجل أن تمر مصالحه مع مصالحهم، ويتقاسموا المناصب والفوائد بعد ذلك، وقد تتفاوت نسبة هامش الحريات والأوضاع الإقتصادية من فترة إلى أخرى، ومن رئيس إلى الآخر، بيد أن الثابت والأكيد، أن هذا الرئيس أو ذاك، كان له موقعاً مؤثراً في هذه السلطة، بغض النظر عن تقييمنا لأدائه من حيث معايير الديمقراطية والشفافية والعدالة، لا يمكن أن نفوت أي شخصية من الشخصيات السياسية التي حكمت اليمن سواء اليمن الموحد، أو اليمن بشطريه قبل العام 90، لا يمكن أن نتجاوز أي من الذين حكموا اليمن، من دون أن يكون هناك دور أو أدوار واضحة لهذه الشخصية، في صنع الأحداث والتفاعل معها. فكما هناك دور إيجابي مثلاً للحمدي وسالمين، هناك دور سلبي لعلي صالح، وهناك رؤساء وزعماء أثاروا جدلاً في أداءهم في السلطة، مثل علي سالم البيض أو علي ناصر محمد أو حتى الغشمي وعبدالفتاح إسماعيل، تقريباً، كل الشخصيات التي وصلت إلى السلطة في اليمن، يسجل لها التاريخ أدوراً في كتابته بشكل رئيس ومركزي.
عبدربه منصور هادي، في تاريخه السياسي، منطلق من فكرة التنفيذ الحرفية التي تعلمها من الجانب العسكري، وهو في الأصل، وصل إلى السلطة من طريق بوابته العسكرية، إذ ترقى من قائد لمنطقة إلى وزير للدفاع إلى نائب رئيس في أقل من سنتين. وكان ذلك نتيجة مباشرة لتنفيذه الأوامر كما ينبغي. أن يتقن التنفيذ الحرفي لما هو مطلوب منه، في حرب 94، قاد الجيوش بمهاره لغزو الجنوب ومساعدة علي صالح، ثم بعد الحرب مباشرة وحين جاء وقت تقاسم المصالح، كان عليه أن يؤدي دور المحلل، ويكون نائباً للرئيس ممثلاً للجنوب، وظل صامتاً عن كل الإنتهاكات التي تحصل، ليس ذلك فحسب، ولكن يدخل في الكثير من اللجان التي كانت مهمتها الأساسية التعامل مع مستجدات المشكلات الطارئة في الجنوب بغية التخلص منها وإخمادها.
صمته وهدوءه أوصله إلى نائب الرئيس، وهذه الميزة هي التي جعلت الفرقاء يتفقون عليه، فكل طرف ظن أنه الأقدر على جعله يواصل صمته وينفذ رغباته، وهكذا، وصل إلى منصب الرئاسة بتراضي كل الأطراف تقريباً، ثم تحمل مسؤولية اليمن في أحلك الظروف، والصراع السياسي، وخلال كل هذه الفترة ظل صامتاً كعادته، وكأنه ليس مواطناً في هذه البلاد، ناهيك أن يكون رئيساً، لم يخرج في يوم من الأيام ليخاطب الأمة ويصارحها بما يحصل أو حتى ليشعر الناس أنه يشعر بهم.
إن الأمر الذي جعله يغادر صنعاء هو أن «الحوثيين» ارتكبوا حماقة حصاره، واستعجلوا الوصول إلى السلطة، في حين أنه كان بإمكانه مواصلة الصمت، وهم يواصلون العبث كما يريدون، ثم جاءت الحرب التي قيل إنه طلب التدخل في الوقت الذي يصرح بأنه تفاجأ بها ولم يكن على علم مطلقاً بأنها ستحصل، بل كان مستعداً للهروب كأي لاجئ من اللاجئين الذين سبقوه في التصفيات السياسية السابقة. ثم بعد هذه الحرب يواصل صمته المعهود والمريب، في حين يطالب الكثير من اليمنيين بأن يعود إلى اليمن وإلى المناطق المحررة ويدير منه بقية المناطق، يواصل هادي صمته المعهود، واستكانته التي ألفها وتآلف معها، ومن خلال مراجعة كل مسيرة حياته السابقة والحالية، يتبين أنه يتقن الصمت والتنفيذ، ولا يمكنه أبداً أن يتحول إلى موقع القائد أو حتى الشريك في القيادة، لذلك فإن مواصلة الرهان عليه عبث بالأمل، يصعب أن نستهلك كمية كبيرة من الحلم عند رئيس فاقد لكل السلطات حتى لسلطة الكلام.