صفعة تلقتها الإمارات.. الأمر الخفي وراء قرار جيبوتي فسخ تعاقدها مع “موانئ دبي”
متابعات| شفقنا| أحمد عمارة:
ألغت جيبوتي الخميس الماضي عقدًا مع مجموعة «موانئ دبي» الإماراتية لـ«انتهاك سيادة الدولة» في قرار «لا رجعة فيه»، أثار انتقاد الإمارات التي اتهمتها بـ«الاستيلاء على محطة حاويات دوراليه»، ولجأت للتحكيم الدولي ضد جيبوتي، تلك الدولة الصغيرة في أفريقيا، والتي تتمتع بموقع استراتيجي أصبح محل أنظار واهتمام الكثير من القوى الشرقية والغربية.
جيبوتي تلغي الاتفاقية «التي تنتهك سيادتها»
في عام 2006 وقعت الحكومة الجيبوتية عقد امتياز مع شركة موانئ دبي، لاستخدام محطة حاويات ميناء دوراليه لمدة 50 عامًا، ذلك الميناء الذي تبلغ طاقته الاستيعابية 1.25 مليون حاوية، وتمتلك موانئ دبي 33% من حصته.
ولكن تفاصيل وبنود وظروف أحاطت بتوقيع عقد الامتياز ذلك، أثارت حفيظة الجانب الجيبوتي، الذي ضغط داخليًا خلال شهور قليلة؛ لإقرار قانون يتيح إعادة التفاوض بشأن العقود المبرمة لإدارة البنى التحتية الاستراتيجية في البلاد بما يتضمن ميناء جيبوتي، وهو قانون أقرّته الحكومة الجيبوتية في ديسمبر (كانون الأول) 2017، وما هي إلا أشهر قليلة من إقرار القانون حتى أعلنت جيبوتي إلغاء اتفاقية.
وجاء الإعلان يوم الخميس الماضي الموافق يوم 22 فبراير (شباط) على لسان أكثر من مسؤول إماراتي، بينهم حسن عيسى، المفتش العام في حكومة جيبوتي ومسؤول ملف المفاوضات مع موانئ دبي، الذي قال: إن قرار إلغاء الإتفاقية جاء بعدما استنفدت جيبوتي كل الطرق القانونية، وجاء لـ«استرداد حقوق جيبوتي التي أخذت بالتحايل من خلال اتفاقيات غير قانونية» مؤكدًا أن «القرار نهائي لا رجعة فيه» .
ميناء جيبوتي
فيما أشار نجيب علي طاهري، المستشار الإعلامي لرئيس الجمهورية الجيبوتية، إلى أن الاتفاقية «تنتهك السيادة الجيبوتية» معتبرًا رفض الإمارات تعديلها « تعسفًا»، ولفت أيضًا إلى قدرة بلاده على إدارة الميناء «بجدارة» بعيدًا عن شركة دبي، مُضيفًا «مساعينا منصبة فقط على استعادة حقوقنا الوطنية بعد الكشف عن أن الاتفاقية تنتقص هذه الحقوق».
وفصّل طاهري أكثر في أسباب قرار إلغاء الإتفاقية، ولفت إلى ما يمكن تسميته بـ«تضارب مصالح»، عندما قال: «إن عبد الرحمن البوري، المدير السابق للموانئ الجيبوتية، والمقيم حاليًا في الإمارات، كان هو المفاوض الرئيس للصفقة عن جيبوتي، وفي نفس الوقت كان يتلقى مليون دولار سنويًا من مجموعة موانئ دبي بصفته مُستشارًا فيها».
وذكر طاهري أن العقد تضمن «بنودًا مجحفة»، وأشار إلى أنه عند التطرق مع الإمارتيين لتوسيع الميناء، وإمكانية بناء موانئ جديدة، «قيل لنا: ليس لنا الحق، وتبين أن هناك ملحقات سرية تعطي دبي الحق في تنفيذ ما تريد».
وفي السياق ذاته تطرق مسؤولون جيوتيون أكثر عن ماهية ما يعتبرونه بنودًا وشروطًا «مجحفة» تضمنها العقد، من ضمنها – بحسبهم – جعل الإدارة المالية في يد شركة «موانئ جبل علي» التابعة لمجموعة موانئ دبي، وأن حصص التملك المتفق عليها لم تتطابق مع توزيع الأرباح، وأفادوا بأن 20% من الأرباح كانت تذهب لبوري، وسلطان أحمد بن سليم، رئيس مجلس إدارة مجموعة موانئ دبي العالمية؛ مما دفع جيبوتي إلى رفع قضية لرد حقها عام 2012.
رد الإمارات: «سنقاضيكم»
وفي المقابل انتقدت الإمارات القرار الجيبوتي، وارتكز انتقادها على أربع نقاط أساسية، وهي: اعتبار أن القرار «غير قانوني وتعسفي»، واللجوء للتحكيم الدولي، وأن جيبوتي هي «الخاسر الأكبر» من القرار، وأن بنود العقد «عادلة»، دون أن تنفي الإمارات بشكل صريح الاتهامات الجيبوتية المرتبطة بـ«تضارب المصالح» بشأن بوري، والأرباح الذي يتلقاها بوري مع ابن سليم، ورفضها تعديل بعض بنود الإتفاقية.
وأعرب أنور قرقاش، وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، الجمعة الماضية عن أسفه؛ مما اعتبره «استيلاء للحكومة الجيوتية على ميناء دوراليه»، واصفًا القرار بـ«التعسفي»، وتسبب في «صدمة قوية» البيئة الاستثمارية الجيبوتية والعربية، وقال في سلسلة تدوينات له على «تويتر» تعقيبًا على القرار: إن ضرر القرار «أكبر على جيبوتي منه على موانئ دبي»، وقال: إن جيبيوتي سقطت في امتحان «احترام القوانين والاتفاقات».
بدورها، أصدرت شركة موانئ دبي العالمية بيانًا يوم الخميس الماضي، انتقدت فيه قرار الحكومة الجيبوتية في لغة اقتربت من «لغة قرقاش»، واعتبرت أن بنود العقد «عادلة ومعقولة» بحكم المحكمة البريطانية في 2016، وأن قرار جيبوتي «استيلاء غير قانوني» ومناهض للقانون الدولي، وطالبت جيبوتي: «بأن تكف عن سلوكها غير القانوني، وأن تواصل العمل كشركاء معنا بنفس روح التعاون التي كانت قائمة منذ 18 عامًا، والتي أسفرت عن مئات الملايين من الدولارات من الفوائد المباشرة وغير المباشرة لجمهورية جيبوتي، وعززت جاذبيتها كوجهة استثمارية رائدة في شرق أفريقيا».
ولفتت الشركة في بيانها إلى أنه «لحماية مصالحنا، اضطررنا إلى بدء تحكيم جديد في 20 فبراير 2018 ضد الحكومة (الجيبوتية) في لندن، سعيًا لتبيان صحة العقود، وأنها ملزمة للحكومة والحصول على تعويض مؤقت عاجل»، مؤكدةً أن الإجراء لن يكون له أي تأثير مالي يذكر على المجموعة.
خلفيات الأزمة وأبعادها
هكذا قال سلطان أحمد بن سليم، رئيس مجلس إدارة مجموعة موانئ دبي العالمية، في خضم الأزمة، بحسب ما أفاد مسؤولون جيبوتيون، وهي أزمة لم تكن وليدة اللحظة ولا الأيام أو الشهور الأخيرة، وإنما أزمة شهدت شدًا وجذبًا خلال عدة سنوات مضت، تضمنت نزاعًا بدءًا من عام 2012، ووصل ساحات القضاء الدولي في لندن بين البلدين منذ منتصف عام 2014؛ لترفع دبي تحكيمًا جديدًا في 20 فبراير ضد الحكمة الجيبوتية، بعد قرارها بإلغاء الاتفاقية.
ويبدو أن أسباب الخلاف وخلفياته لا تتوقف فقط على أمور اقتصادية، وإنما امتزجت أيضًا بقضايا سياسية وعسكرية؛ إذ تفيد مصادر جيبوتية بأن توتر العلاقات بين البلدين تفاقم بعدما رفضت جيبوتي في 2013 طلبًا إماراتيًا بإنشاء الإمارات قاعدة عسكرية لها لمتابعة الأوضاع بمدينة عدن اليمنية، تلك المدينة التي تشكل بها العام الماضي مجلس انتقالي جنوبي مدعوم من الإمارات.
هذا الرفض دفع الإماراتيين الذين كانوا يستخدمون موانئ جيبوتي لاستخدام موانئ أرض الصومال برسوم منخفضة، وذكر مسؤولون جيبوتيون بأن شركة موانئ دبي عرضت على إثيوبيا نسبة تملك في ميناء عصب وميناء أرض الصومال شريطة التخلي عن التعاون مع ميناء جيبوتي؛ مما يضر بمصالح موانئ جيبوتي، واستمرارًا للأزمة المتصاعدة، هدد ابن سليم بتحويل ميناء جيبوتي كما كان عام 2005 «مجرد مرسى بدائي» خلال لقاء جرى بدبي يوم 15 فبراير 2018، جمع بين وزراء جيبوتيين ومسؤلين إماراتيين.
جيبوتي وجهة القواعد العسكرية
نرحب بقاعدة عسكرية لهم في جيبوتي التي هي جزء من تعاون شامل بين البلدين
هكذا قال علي باهدون، وزير الدفاع الجيبوتي، في تصريحات صحافية تعود لنهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، وهذا حديث لم يكن عن القاعدة العسكرية الإماراتية المرفوضة من السلطات الجيبوتية، وإنما عن قاعدة عسكرية سعودية طلبتها الرياض بترحيب جيبوتي في خضم الأزمة التي جمعت بين جيبوتي والإمارات.
وليست السعودية أو الإمارات فقط هي من سعت لامتلاك قاعدة عسكرية لها في جيبوتي، وإنما أصبحت تلك الدولة العربية الصغيرة وجهة الشرق والغرب لإنشاء قواعد عسكرية بها تُدر على الخزينة الجيبوتية ملايين الدولارات، ويستفيد أصحابها من أغراض الملاحة، ومحاربة القراصنة الصوماليين، وبعض الجماعات المسلحة في أفريقيا واليمن.
ومع صغر مساحة جيبوتي التي تبلغ 23 ألف متر مربع، وصغر عدد سكانها الذي يبلغ نحو مليون نسمة، إلا أنها تتمتع بموقع جغرافي مميز بوقوعها في منطقة القرن الأفريقي، ويحدها شرقًا مضيق باب المندب الذي يمر عليه 20% من التجارة العالمية، وبفضل موانئها تُعد جيبوتي بابًا للتجارة على دول شرق أفريقيا، كما أن موقعها الاستراتيجي يُتيح فرصة أكبر للتدخل في المناطق الشائكة حولها، سواء في الصومال أو اليمن.
لذلك أصبحت جيبوتي وجهةً لعدد من دول العالم من شرقه وغربه لبناء قواعد عسكرية فيها تخص دولًا، من أبرزها: فرنسا، وأمريكا، واليابان، وإيطاليا، والصين، بالإضافة إلى السعودية التي اقتربت من مسعاها بإنشاء قاعدة عسكرية بجيبوتي، وتقدر المكاسب المالية التي تجنيها الحكومة الجيبوتية نتيجة تأجير تلك القواعد العسكرية على أراضيها بـ226 مليون دولار سنويًّا.