قبيل دخول الأحزاب والقوى اليمنية في مرحلة تحالفات جديدة، استدعتها ضرورات رحيل الرئيس علي عبدالله صالح، جاءت قرارت الرئيس عبدربه منصور هادي، الأخيرة، كتصفية نهائية لـ«المجلس الانتقالي» من شراكته في الحكومة والسلطة المحلية في المحافظات الجنوبية. القرارات أثارت جملة من التساؤلات عمّا إذا كان هادي قد انفرد باتخاذ تلك القرارات، أم أنها جاءت بمباركة الشركاء في اللجنة الثلاثية، السعودية والإمارات، خصوصاً وأن التعيينات طالت الداخلية، والنقل والنفط، وهي حقائب وزارية سيادية.
ويطرح مراقبون فرضية انفراد هادي بتلك القرارات على غرار إقالته لنائبه ورئيس حكومته الموالي للإمارات، خالد بحاح، الذي أطاح به دون الرجوع إلى «التحالف». ويعزز من تلك الفرضية الأسماء، التي أوكل هادي إليها المناصب السيادية، وهي المعروفة برفضها سياسات الإمارات في الجنوب، وبمهاجمة مَن تسمّيهم «أدواتها» كـ«المجلس الانتقالي» و«الحزام الأمني».

فهذا صالح الجبواني، الذي عينه هادي وزيراً للنقل، لا يفوّت أي ظهور إعلامي دون مهاجمة دولة الإمارات، ويصفها بـ«المحتلة للجزر والموانىء الجنوبية»، فيما برز أحمد الميسري، أكثر تطرفاً ضد «الانتقالي»، معتبراً أن قيادته أشبه بـ«العبيد للإمارات».
وبحسب مراقبين، فإن قرارات هادي تحمل في طياتها مؤشرات رضى إماراتي بعد انفتاحها على حزب «الإصلاح»، تماشياً مع رغبة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وتوحي بـ«اتفاق ثلاثي» يمني سعودي إماراتي، على بدء لجم تطلعات «المجلس الانتقالي الجنوبي»، وإلزامه بحدود لا يتعداها، تحت سقف «الوحدة اليمنية» و«شرعية» هادي، وممارسة ضغوطات على «المجلس» للتحوّل إلى حزب سياسي مثله مثل غيره من الأحزاب «الكومبارس» على الساحة اليمينة.
ويذهب محللون سياسيون إلى القول إن القرارات جاءت بإجماع اللجنة الثلاثية وبمشاركة الأحزاب اليمنية الكبرى (المؤتمر والإصلاح)، وإن «الانتقالي» سقط بين صفقات الكبار. وعلى الرغم من مغازلته هادي، في الفترة الأخيرة، وتراجعه عن خطابه السياسي التصعيدي ضد حكومة، أحمد عبيد بن دغر، لكن كل ذلك لم يشفع له في أن يبقى لاعباً أساسياً وشريكاً في السلطة.
لكن هناك من يخالف هذا الطرح، بشدة، ويرى بأن هادي، وبضوء أخضر سعودي، تعمّد توجيه صفعة لأبوظبي، التي تبدو في أضعف حالاتها بعد فشل مشروع رهانها على الرئيس اليمني الراحل صالح، في قلب المعادلة في صنعاء لصالح «التحالف». وفي حال رجحت صوابية هذا الطرح، فإن الجنوب سيكون على موعد مع موجة صراع دموي، في حال أقدم وزير الداخلية الجديد على بدء مشروع تنسيق الوحدات الأمنية تحت قيادة وزارته. عندها، من المتوقع أن تعمد الإمارات إلى إفشال خطواته للحفاظ على ما تمتلكه من وحدات أمنية خاضعة لها. في موازاة ذلك، فإن أي مسعى لوزير النقل، صالح الجبواني، تتعلق برفع الوصاية على الموانئ والمطارات، ستواجهها الإمارات بقوة مماثلة أيضاً، لأن المساس بمصالحها الاقتصادية يعد مساساً بأمنها القومي.
ويبدو موقف الإمارات من قرارات هادي الأخيرة، غامضاَ. وعلى الرغم من تعليقها على قرارات مماثلة اتخذها في أبريل الماضي، أزاح بموجبها محافظ عدن عيدروس الزبيدي، ووزير الدولة هاني بن بريك، وهما أبرز رجالاتها في الجنوب، لكن أبوظبي هذه المرة آثرت الالتزام بالصمت إزاء قرار الإطاحة بثلاثة قيادات موالية لها من مناصبهم في السلطة المحلية وفي الحكومة، واكتفت بحملة إعلامية ضد القرارات.
قيادات «الانتقالي» اعتبرت قرارات هادي، بمثابة ردة فعل غير مبررة، ورأت أن «الجنوب دخل مرحلة جديدة وأخيرة من المواجهة».
بدوره، قيادي في «الحراك الجنوبي» طلب عدم الكشف عن هويته، أكد لـ«العربي»، أن «القرارات تثبت أن الإمارات والسعودية ليستا مع قضية الجنوب، وأن دعم الإمارات للانتقالي ضرورة تقتضيها المرحلة».
ولفت إلى أن «الإمارات ستستمر في دعمها للانتقالي على اعتباره أحد أدواتها في الجنوب»، ولكن من دون أن تسمح له في «تجاوز الحدود المرسومة»، و«الإبقاء عليه رهينة مشروعاتها»، والأهم «تجنّب الاصصدام المباشر بالشرعية، ومِن خلفها السعودية».