كل ما يجري من حولك

لنقول لمن يشرعون الاختلاف والفُرقة: ليست هذه الروحية التي يخلقها الله في نفوس الأُمَّـة

564

الشهيد القائد: هدى الله استطاع أن يخلقَ روحيةً واحدةً لكافة أنبياء الله وأوليائه على اختلاف عصورهم

أوضح الشَّهِيْدُ القَائِــدُ في محاضرته [الهوية الإيْمَانية] الآثار الذي يتركها الإيْمَان بــ[الملائكة، والكتب، والرسل].. ثم انتقل ليبينَ واحديةَ الهُوية الإيْمَانية والمشروع الإلهي منذ آدم إلى رسول الله محمد خاتم الأنبياء تمثل شاهداً حياً على أن بإمكان دين الله وهديه أن يبني أمة متوحدة.

 

جميع الأنبياء كانوا على (روحية، ونفسية) واحدة:ــ

أكّد -سَلَامُ اللهِ عَلَـيْـهِ- أن أنبياءَ الله على اختلاف أزمانهم كانوا متحدين في الهدف والنفسية والروحية، حيث قال: [تجد في أنبياء الله – على الرغم من كمالهم، هم في أنفسهم, باعتبار الظروف، وباعتبار نوعيات الأُمَــم التي بعثوا إليها – تجد وحدة الأنبياء، روحية الأنبياء الواحدة على اختلاف الزمان والفارق الكبير بين كُلّ نبي ونبي، تشعر وكأنك أمام مجموعة من التلاميذ عاشوا في زمن واحد، وتلقوا تعليمهم على يد أستاذ واحد، هذا نفسه هو شاهد حي على أن بإمكان منهج الله سبحانه وتعالى، وهديه أن يبني أمة متوحدة.. من الذي يقرأ أخبار أولئك الأنبياء ثم لا يلمس أنه أمام روحية واحدة، ونَفََس واحدة؟ تقرأ عن نوح، عن إدريس، عن إبراهيم، وهكذا، وهكذا إلى أن تصل إلى نبينا محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) إذا بك ترى نفسك أمام مجموعة واحدة، كلها على قلب رجل واحد، نظرتها إلى الحياة واحدة، اهتمامها بعباد الله واحد، تفانيها في ميدان العمل من أجل الله واحد, علاقتها بالله سبحانه وتعالى، منطلقها واحد]..

 

معنى: {لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ}

وشرح -سَلَامُ اللهِ عَلَـيْـهِ- الآية السابقة كالآتي: [ولن تفرق، مسيرة واحدة، روحية واحدة، نفسية واحدة، وعمل واحد، لا بد أن تؤمن بهم، وإيْمَانك بهم هو إيْمَان أَيْضاً بعدل الله وحكمته ورحمته؛ لأن كُلّ رسل الله هم رحمة لعباده، وكل رسل الله هم بمقتضى حكمته؛ لأنه هو الملك، هو الرب، هو الإله، وكل البشر عبيد له فلا يمكن أن يتركهم دون أن يبين لهم ما يهديهم، دون أن يكون لسلطانه نفوذ فيهم عن طريق كتبه ورسله.

هكذا المؤمنون {لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ} (البقرة: 286).، والمسلمون هم الوحيدون الآن في إيْمَانهم على هذا النحو: {لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ} (البقرة: 286). لكن اليهود لا يؤمنون بعيسى ولا بمحمد، والنصارى لا يؤمنون بمحمد (صلوات الله عليه وعلى آله) فهم مفرقون بين رسل الله، أما نحن – والحمد لله – فنحن مؤمنون برسله جميعاً , موسى وعيسى ومحمد ومن سبقهم من أنبياء الله].

 

مفارقة غريبة:ــ

وتطرق -سَلَامُ اللهِ عَلَـيْـهِ- إلى مفارقة غريبة يعيشها المسلمون، حيث قال: [رسول الله محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) الإيْمَان برسالته، العمل وفق ما هدى إليه وأرشد إليه, هو يجسد الإيْمَان الذي لا تفريق فيه بين رسل الله.

ولكن لو عرضنا أنفسنا وواقعنا على ما كان لدى رسول الله من إيْمَان وعلى ما أراد رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وهذا القرآن الكريم أن نكون عليه لوجدنا أنفسنا بعيدين جداً وابتعادنا عن محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) في واقعنا ملموس، وهو ابتعاد أَيْضاً عن بقية الأنبياء.. بل سنرى أنفسنا – وهو الموضوع الذي نريد أن نتحدث عنه هذه الليلة – كيف أننا أَيْضاً بعيدون عن موسى ومتأثرون باليهود، عن روحية موسى، عن اهتمام موسى، عن جدية وحركة موسى، وأصبحنا نميل إلى المفسدين الذين تنكروا لشريعته، وتنكروا للتوراة، وتنكروا لمحمد، وتنكروا للقرآن، أليست هذه مفارقة لموسى؟.. ونحن أيضاً نفارق عيسى، ونلتجئ إلى النصارى، ونتولى النصارى الذين هم اليوم ليسوا على منهاج عيسى، اليهود اليوم وقبل اليوم الذين ليسوا على منهاج موسى ولا على طريقته ولا على كتابه، رأينا أنفسنا مباينين لمحمد (صلوات الله عليه وعلى آله)، ثمرأينا أنفسنا أمام موسى وعيسى في القرآن, وأمام اليهود والنصارى في واقع الحياة فإذا بنا وراء اليهود والنصارى وبعيدين عن موسى وعيسى ونحن من نقول في إيْمَاننا: {لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ} (البقرة: 286)؛ لأن كُلّ واحد من أنبياء الله, في حركته, في مسيرته ما أنت بحاجة إلى أن تهتدي به].

 

شُبهةٌ.. خبيثة:ــ

وأشار -سَلَامُ اللهِ عَلَـيْـهِ- إلى شبهة خبيثة يطلقها اليهود، وكيفية الرد عليها، حيث قال:

[أحياناً يقول اليهود: نحن وأنتم مختلفون في محمد ومتفقون على موسى، لماذا لا ننطلق جَميعاً على ما نحن متفقون عليه؟ وقد يقول النصارى: نحن وأنتم مؤمنون بعيسى ومختلفون في محمد، لماذا لا ننطلق جَميعاً على ما نحن متفقون عليه؟.

نقول لهم: إنما آمنا بموسى وعيسى عن طريق محمد فإذا لم تصح نبوته فلا صحة للنبوات السابقة قبلها لدينا].

وأضاف أيضاً: [{شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى} (الشورى:13) إلى آخر الآيات هذه. هذه شريعة الله الواحدة، ونحن عندما ننطلق في الإيْمَان بهذا، أَوْ بهذا بعد هذا الإيْمَان أَيْضاً بمجموعهم كرسل لله هو استجابة لله سبحانه وتعالى، وهذا هو ما كان يريده من اليهود ومن النصارى أن يقول لهم هو من يبعث الرسل. فالرسول الذي أنتم تؤمنون به موسى، والرسول الذي تؤمنون به عيسى الذي بعثه وأرسله هو الله الذي بعث محمد وأرسله، فلماذا لا تؤمنون به؟ له الأمر وحده، له الحكم وحده، له التدبير وحده، هو الذي يبعث من يشاء من رسله متى ما شاء ومن أي فئة شاء، فإيْمَانك بالله يفرض عليك أن تؤمن بهذا النبي كما آمنت بالنبي الذي قبله، أن تؤمن بهذا الكتاب كما آمنت بالكتاب الذي قبله، بل نحن في إيْمَاننا نحن المسلمين بموسى وعيسى وغيره منالأنبياء السابقين إنما كان عن طريق إيْمَاننا بمحمد وبالقرآن، فلولا محمد ولولا القرآن لما صح لنا إيْمَان بهم، ولما عرفناهم، ولما اعترفنا بهم].

 

ثقافة مغلوطة:ــ

تجويز وشرعنة (الاختلاف).. والرد على ذلك:ــ

واستنكر -سَلَامُ اللهِ عَلَـيْـهِ- من يبيحون ويجوزون (الاختلاف) في الأُمَّـة، على أساس مبدأ (الاجتهاد)، في محاضرات كثيرة، وكانت ردوده رائعة، وهنا في هذه المحاضرة تحدث عن هذا الموضوع، بجزئية صغيرة، من خلال ذكره لوحدة الأنبياء، وبأن وحدة الأنبياء -سَلَامُ اللهِ عَلَـيْـهِم- في كُلّ شيء، في المنهج، والطريقة، والأسلوب، يدلل على وجوب الاتحاد، وعدم التفرق، حيث قال عن ذكر الله لوحدة أنبيائه:

[لنقول لأنفسنا نحن في هذه الأُمَّـة التي تفرقت وتمزقت بعد أن حذرها الله في كتابه الكريم، ونهاها عن التفرق والاختلاف، وأن لا تقع فيما وقعت فيه الأُمَّـة السابقة، أَوْ جملة من الأُمَــم السابقة قبلها {وَلا تَكُوْنُوا كَالّذِيْنَ تَفَرَّقُوْا وَاخْتَلَفُوْا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيْمْ}(آل عمران105). نقول لأنفسنا: ما الذي فرقنا؟ هل هو دين الله؟ هل هو هدي الله؟ إن هدي الله استطاع أن يوحد ويخلق روحية واحدة لمجاميع من أنبيائه ورسله وأوليائه على اختلاف عصورهم، على اختلاف فئاتهم، على اختلاف مجتمعاتهم.. لنقول لأولئك الذين يشرّعون الاختلاف، ويؤصلون للفرقة: ليست هذه هي روحية الأنبياء، هذه ليست هي الروحية التي يمكن أن يخلقها هدي الله في نفوس الأُمَّـة، ليعرفوا هم جسامة الخطأ الذي ارتكبوه، وما زالوا يرتكبونه، أن ينطلقوا إلى أولئك الذين سيكونون هم الفئة التي تنطلق لإصلاح المجتمع، الفئة التي تحمل دين الله، ليقولوا لكل واحد منهم أن له صلاحية أن ينطلق معتمداً على نفسه فيدين بما أداه إليه نظره واجتهاده، مع علمهم ومع علمنا جَميعاً بالتباين الذي يحصل في وجهات النظر وفي النتائج التي تحدث بناء على اختلاف وتعدد وجهات النظر. هل هذا دين الله؟ ليس هذا دين الله. نرجع إلى هدي الله في كتابه الكريم الذي أبان لنا أمة واحدة، وليس فقط الأنبياء بل عرض علينا شخصيات أُخْرَى من أوليائه، ومجاميع أُخْرَى من أوليائه ليبين لنا نفسياتهم كيف هي وهم في ميدان الاهتداء بهدي الله والالتزام بدينه، والعمل في سبيله، تراهم كذلك نموذجا واحدا، تراهم كذلك نفسيات واحدة، ونظرة واحدة، ووعي واحد].

 

المجرمون.. بواعث تمردهم واحدة.. على اختلاف الأزمان:ــ

ونوه -سَلَامُ اللهِ عَلَـيْـهِ- أن الكفار في كُلّ زمان ومكان كانت بواعث وأسباب تمردهم على الأنبياء واحدة، حيث قال: [تجد في نفس الوقت الأُمَــم التي بعث إليها الأنبياء والرسل كيف كانت أساليبهم واحدة، كيف كانت بواعث تمردهم وعنادهم ودعاياتهم ضد الأنبياء واحدة، {تَشَابَهَتْ قُلُوْبُهُمْ} هكذا قال الله عنهم، إنما أحياناً – وهو الشيء الطبيعي – مع تعاقب الأُمَــم أن تكثر الدروس, وتتعدد المواقف التي تتجلى من خلالها الدروس والعبر في هذا الاتجاه, أَوْ في هذا الاتجاه، فإذا نحن نرى أنفسنا أن بين أيدينا تراثاً مهماً، رصيداً مهماً]..

 

ثقافة مغلوطة:ــ

النظرة لأنبياء الله بأنهم [أجواد، مساكين الله، دراويش]!!!

وحذّر -سَلَامُ اللهِ عَلَـيْـهِ- من المفهوم المغلوط عند الناس لصفات الأنبياء التي تصورهم لنا بصورة غير التي هم عليها، فتغفل كتب السيرة الكثير من الصفات الأُخْرَى لهم، حيث قال: [لكننا نحن ونحن كطلاب علم، نرجع إلى الأنبياء، أَوْ نرجع إلى نظرتنا إلى الأنبياء فنجد أنها نظرة غير واقعية ونظرة غير حقيقية؛ بسبب الأخطاء الثقافية التي تلقيناها فقدمت لنا الأنبياء مجموعة من المساكين الذين لا يعرفون كيف يتحركون، والذين لا يكادون يعرفون كيف يتكلمون، [أجواد أطياب مساكين الله]، فلم يكن هناك ما يمكن أن يجعلنا نستلهم من حياتهم، ومن أساليبهم، ومن حركتهم، ومن أعمالهم ومن مواقفهم الدروس المهمة.. فإذا بنا نعطل تلك الآيات الكثيرة، على الرغم من قول الله لنا في كتابه الكريم أن في قصص الأنبياء تثبيتا لفؤاد نبيه.. رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) الذي نؤمن بأنه سيد الرسل، كيف نظرتنا إليه؟ ومن أين يمكن أن نتعرف على شخصيته بالشكل الذي تملأ نفوسنا حبا له، وشعورا بعظمته، وكمال نفسيته، وكمال شخصيته، وقدرته الهائلة، وذكائه الكبير؟. متى ما جئنا إلى السّير التي تحمل عنوان سيرة النبي (صلوات الله عليه وعلى آله)، ثم نأتي فيتحدثون عن مولده ونبذة بسيطة من الإرهاصات التي حصلت عند مولده، ثم يبدأ المؤلف، غزوة بدر، بعدها، غزوة أحد، بعدها، غزوات، غزوات. يتحدث عن الغزوة كم عدد المسلمين, كم كان عدد الكافرين، ما الذي حدث أخيرا، متى كانت ومتى انتهت، ثم ينتقل إلى غزوة أُخْرَى، فنخرج من كتب السيرة ولدينا معرفة بتواريخ أحداث، غزوة بدر, غزوة أحد, غزوة حنين, غزوة كذا إلى آخره، ولكن أين هي شخصية محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) التي تعرفنا عليها من بين ذلك الركام من كتب السيرة؟!].

 

من يظن نفسه كامل الإيْمَان.. فهو ضال:ــ

وفي ذات السياق تحدث -سَلَامُ اللهِ عَلَـيْـهِ- عن ضرورة التواضع مع الله، وطلب المغفرة منه في كُلّ حال، حيث قال: [{غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} ما أَكْثَر ما يتكرر هذا الأسلوب في القرآن الكريم، ليقول لأولئك الذين يتمننون على الله بأنهم استجابوا، بأنهم اهتدوا، أن عليهم أن يفهموا أن هذه النظرة إلى أنفسهم نظرة مغلوطة، نظرة سيكون ضحيتها إيْمَانهم، سيكون ضحيتها مصيرهم، سيكون ضحيتها زكاء أنفسهم {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ} (الحجرات: 17) المنة لله على عباده، ونحن عندما نرجع إلى هدي الله الواسع، نحن المسلمين، نحن من في هذه القاعة، ألسنا نتعرف كثيرا عندما نرجع إلى كتاب الله سبحانه وتعالى عندما نسمع شيئا عنه ونتعرف على كثير من التقصير لدينا فيما يتعلق بهدي الله، حينئذ انطلق وقل لله: غفرانك ربنا عما بدر من تقصير].

وأضاف أيضاً: [الإيْمَان بالله الذي ينطلق الإنسان فيه من واقع الشعور بأنه عَبدٌ لله، بتواضع لله، بشعور بحاجته إلى هدي الله هو من ينطلق ليتلمّسه ويبحث عنه، ما هو الشيء الذي أنا لا بد أن أعرفه؟. ما هو العمل الذي أنا لا أزال مقصرا فيه؟. ينطلق ويعتذر إلى الله سبحانه وتعالى من كُلّ تقصير يكتشفه، لكن ذلك الذي يدخل بنفس المُتَمَنِّن على الله أَوْ على أوليائه الذين انضم إلى صفهم هو من لا يفكر بأن لديه تقصيرا ما، هو من لا يفكر بأنه ما يزال بحاجة إلى معرفة ما، أنه ما زال بحاجة إلى اهتداء كثير في مجالات كثيرة، يعيش نفسا تنظر إلى محيطها بنظرة اختيال وكبرياء وإعجاب وغرور فيعيش جاهلا، يعيش ضالا، يعيش قاصرا وناقصاً؛ لأن الإنسان الذي يمن على الله أن استجاب لهديه هو من ينظر إلى نفسه نظرة اختيال وإعجاب، هو من ينظر إلى نفسه نظرة إعجاب نظرة اختيال، هو من لا يفكر أَوْ من لا يشعر أَيْضاً بأن لديه قصوراً، أَوْ أن لديه نقصاً، أَوْ أنه بحاجة إلى أن يعرف منك أَوْ يعرف من هذا أَوْ يزداد معرفة حتى بكتاب الله الكريم].

You might also like