موقع انترسبت الأمريكي يفضح دور سفير واشنطن في عرقلة الحل في اليمن ونقل البنك المركزي وشن حرب اقتصادية
ولفت «ذي إنترسبت» إلى أن تولر، الذي خدم كضابط في عدد من بلدان الشرق الأوسط كمصر والعراق والكويت، وتدرج في المناصب الديبلوماسية قبل أن يعين سفيراً لدى اليمن في مارس من العام 2014، أخذ جانب «التحالف السعودي» هناك، لجهة رفض تركيب أربع رافعات جديدة في ميناء الحديدة، عوض تلك التي دمرها طيران «التحالف» منتصف أغسطس من العام 2015، واعتبر أن خطوة كهذه تعد «بلا جدوى»، بزعم احتمال تدميرها مجدداً إما من قبل دول «التحالف»، أو من جانب المعارضين الحوثيين. وفي إشارة إلى مقاربة تولر شديدة الانحياز إلى مقاربة الرياض للأزمة اليمنية، قال الموقع إن السفير الأمريكي في اليمن «كان وما يزال شخصية محورية» في ملف المفاوضات «الفاشلة» هناك، والتي لم تسفر حتى اللحظة عن اتفاق سلام، أو وقف دائم للأعمال العدائية بين أفرقاء النزاع اليمني، في وقت أفضت فيه ظروف الحرب في ذلك البلد إلى تدمير البنية التحتية، وتفاقم الأوضاع الإنسانية، وتفشي مرض الكوليرا، والمجاعة.
وبالاستناد إلى روايات مسؤولين أمريكيين حاليين وسابقين في وزارة الخارجية ووكالة الأمن القومي، ممن عملوا مع تولر عن قرب، فإن السفير الأمريكي في اليمن استفاد من انشغال وزير الخارجية جون كيري في العام 2015 بملفات إقليمية أخرى «أكثر إلحاحاً»، مثل الأزمة السورية، حتى يعمل بحرية إزاء ملف المفاوضات اليمنية، إذ جهد في دعم «خطة سلام» تتبنى وجهة نظر الرياض وحكومة هادي، بالاستناد إلى مرجعية القرار الدولي 2216 ، تنص بشكل أساسي على انسحاب جماعة الحوثيين من العاصمة، وتسليم أسلحتهم والاعتراف بشرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي، على أن يؤجل البحث في مصير الجماعة وموقعها ضمن أي حكومة يمنية مستقبلية إلى جولة أخرى من المفاوضات، فيما لم يمارس تولر أي ضغوط على الرياض وحكومة هادي من أجل حثهما على تقديم «شروط (تفاوضية) أفضل» يقبل بها الحوثيون.
وبحسب ما نقله الموقع عن مصادر أمريكية، فإن السفير تولر الذي كان يواجه أزمة انعدام الثقة بينه وبين الحوثيين، لم يؤيد إعطاء الأخيرين أي دور في الحكومة اليمنية المقبلة، بل دعاهم إلى «القبول بالخطة (المقترحة) قبل تفاقم الأوضاع الإنسانية» في البلاد، مهدداً بـ«حرب اقتصادية» حال عدم موافقتهم، تشمل إغلاق مطار صنعاء، ونقل مقر المصرف المركزي منها، إلى جانب تشديد تدابير الحصار، ووقف حركة الواردات.
وزاد «ذي إنترسبت» أنه، وبحلول ربيع العام 2016، بدأت إدارة البيت الأبيض ووزارة الخارجية بالمطالبة بإيضاحات من السفير تولر حول المغزى من الدفع بخطة «منحازة» على هذا النحو لمعالجة الوضع في اليمن، مشيراً إلى «اختلافات في وجهات النظر» داخل الخارجية الأمريكية، دفعت مدير مكتب وزير الخارجية حينذاك، جون فاينر، إلى توجيه كتاب عبر البريد الإلكتروني إلى تولر، طالبه فيه بتقديم تفسيرات لموقفه الرافض لتشكيل حكومة وحدة وطنية يمنية بمشاركة جماعة الحوثيين.
وأردف الموقع أن إيريك بيلوفسكي، المدير المسؤول عن الملف اليمني ضمن مجلس الأمن القومي في إدارة أوباما، وجه بدوره كتاباً مباشراً إلى تولر وقتذاك، وحثه على «تجاوز أطر ومندرجات القرار الدولي 2216، وتقديم شيء قد يقبله الحوثيون بالفعل»، فما كان من السفير إلا أن تذرع بـ«عدم صدق نوايا» الجماعة في المفاوضات، ملمحاً إلى أن انقلاب الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، على التفاهمات الدولية التي أوصلت نائبه إلى الحكم، لا يمنع الجماعة من السير على المنوال نفسه، والانقلاب على التفاهمات المعقودة معها.
وتابع «ذي انترسبت» أنه مع اتساع أمد المفاوضات اليمنية، «بدأ مسؤولو الخارجية الأمريكية يشعرون بأنهم غير مطلعين على ما يقوم به تولر بالضبط»، ما دفعهم إلى مطالبة السفير الأمريكي لدى اليمن بوضعهم في جو المفاوضات بشكل دوري، وعلى نحو أكبر، إضافة إلى تقديم إيضاحات بشأن موقفه الرافض لإشراك جماعة الحوثيين في حكومة وحدة وطنية في البلاد، وهو الأمر الذي عاد تولر وبرره بالقول إن إشراك الجماعة في حكومة وحدة وطنية أقل ملاءمة للمصالح الأمريكية في اليمن، ولحملتها ضد تنظيم «القاعدة» في ذلك البلد، فضلاً عن كونه لا يضمن تأمين الحدود السعودية مع اليمن.
كذلك، أشار الموقع إلى أن وزير الخارجية، جون كيري، في تلك الفترة، أصدر «سلسلة تعليمات جديدة» إلى سفير واشنطن في اليمن، ودعاه إلى «تغيير مقاربته ومنهجه»، مطالباً إياه بتقديم وعود للجماعة بأن يكون لها دور في الحكومة اليمنية المقبلة، وأن يشرح لها أنه سيصار إلى تنفيذ مطلب نزع سلاحها، وانسحاب عناصرها من العاصمة بشكل تدريجي (وليس فوري)، حتى يتبين لها أن المجتمع الدولي سوف يعلي من شأن الاتفاق معها، لاسيما وأن الوزير كيري كان ينظر إلى هادي باعتباره «زعيماً غير فاعل»، وكان يعتقد بأنه يتعين على واشنطن التوقف عن المطالبة بإعادته إلى الحكم.
وفي محاولته الإضاءة بشكل أكبر على الاختلاف في وجهات النظر بين وزير الخارجية الأمريكية وسفير واشنطن لدى اليمن، أكمل «ذي إنترسبت» أن كيري، وبدافع عدم ثقته بأن تولر سوف يلتزم، وسيعمل وفق التعليمات الجديدة الصادرة إليه، عمل، أواخر العام 2016، على المشاركة بشكل مباشر في جلسات المفاوضات مع الحوثيين، الذين كانوا يعربون عن إحباطهم من تولر، فيما كان الأخير يرى في مشاركة كيري في تلك الجلسات عامل «عدم نضج (ديبلوماسي)»، قد لا يفضي إلى النتائج المرجوة من وزارة الخارجية.
أما في ظل الإدارة الأمريكية الحالية، فقد لفت «ذي إنترسبت» إلى تضاؤل الدور الديبلوماسي لوزارة الخارجية في مقابل صعود دور صهر الرئيس الأمريكي، جاريد كوشنر، صاحب العلاقات الوثيقة مع الرياض وأبو ظبي، واضعاً الإبقاء على تولر كسفير أمريكي معتمد لدى اليمن بالرغم من كل إخفاقات المرحلة السابقة ضمن هذا الإطار، حيث ما زال المسار التفاوضي متوقفاً، مع إصرار الأخير على دور للمبعوث الأممي، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، في رعاية المحادثات المستقبلية، رغم تشكيك الحوثيين في مصداقية ولد الشيخ.
وعن أبرز المحطات التفاوضية التي لعب فيها سفير واشنطن لدى اليمن دوراً سلبياً، أشار «ذي انترسبت» إلى أن تولر هو من وقف خلف خطوة الدفع بنقل مقر المصرف المركزي من صنعاء، بعد انتهاء جولة المحادثات في الكويت في أغسطس من العام 2016، انطلاقاً من قناعته بأن الحوثيين لن يقبلوا على التفاوض إلا تحت الضغط والإكراه، رغم خلافه مع بعض مسؤولي الخارجية الأمريكية بشأن التبعات الإنسانية للخطوة المشار إليها. وبحسب الموقع، فإن مسؤولين في إدارة أوباما حاولوا الحصول على ضمانات من حكومة هادي بأن يعمل المصرف المركزي اليمني، من مقره الجديد، وفق المصلحة العامة اليمنية، دون أن يحصلوا على تلك الضمانات، ما يفسر بقاء تلك الخطوة دون تأييد إدارة أوباما «بشكل رسمي»، في ضوء «تدهور العلاقة» بين تولر ومسؤولي الخارجية الأمريكية، الذين كانوا يرون أنه تدارس خطوة نقل المصرف المركزي اليمني مع المسؤولين في الرياض، وأبدى دعمه لها بشكل خفي.
وعن علاقات السفير الأمريكي بالرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، كشف الموقع أن إدارة الرئيس أوباما، على مدى العام 2016، عقدت الرهان على محاولة عزل الحوثيين، عبر تأليب صالح ضدهم، من أجل كسر التحالف بين الجانبين، وتهيئة الأجواء لإنهاء الحرب في اليمن، لافتاً إلى أن المدير المسؤول عن ملف اليمن في مجلس الأمن القومي في عهد أوباما، إيريك بيلوفسكي، التقى سراً بعدد من أقارب صالح من أجل التباحث في شروط الاتفاق في هذا الخصوص، قبل أن تتعقد الأمور مع مطالبة صالح بإعادة تنصيبه رئيساً لليمن مقابل السير في مقترح واشنطن.
وبحسب الموقع، فإن السفير الأمريكي لدى اليمن كان ينظر إلى صالح بوصفه «فاسداً» و«انتهازياً»، إلا أنه أعاد النظر في فكرة كسر التحالف بين الرئيس اليمني السابق وبين الحوثيين بحلول سبتمبر من العام الجاري، بالنظر إلى كون ذلك يمثل «فرصة يمكن للولايات المتحدة الاستفادة منها»، مقدما أفكاراً لإدارته حول كيفية استغلال التوترات بين الحوثيين وصالح. وفي الإطار عينه، نقل الموقع عن مصادر في وزارة الخارجية الأمريكية أن تولر كان يعي أن الخلاف بين جماعة الحوثيين وصالح قادم، من خلال المعطيات التي توفرت لديه جراء المناقشات التي كان يعقدها مع المسؤولين السعوديين والإماراتيين. وتابعت تلك المصادر بقولها إن السفير تولر أعطى في الخفاء موافقته على مخطط إبعاد صالح عن الجماعة.