إلى شركاء الصمود: البطولة الحقيقية لا تكون في الشعارات أَو الصور التذكارية!
محمد الوريث
قال قياديٌّ إعلاميٌّ مرموقٌ ورئيسُ تحرير صحيفة تتبعُ حزباً مناهضاً للعدوان بأن رفْعَ شعار البراءة من أمريكا وإسرائيل في عروض تخرُّج الدفعات القتالية يثيرُ مخاوفَ لديه، في حين يُثني ذاتُ الكاتِب المرموق على شعار (بالروح بالدم نفديك يا يمن)، والذي يُفترَضُ به أن يكونَ حاضراً في المناوَرات والغزوات والعروض العسكرية؛ كونه شعاراً جمهورياً بعكس شعار البراءة من أمريكا وإسرائيل، حسب توصيف الكاتب.
وقد يتفقُ البعضُ أَوْ يختلفُ مع هذا الطرح أَوْ ذاك، كُلٌّ حسبَ فهمه وتوجُّهه، وليس هذا موضوعنا الآن، إلا أن حقيقةً واحدةً ثابتة لن يختلفَ عليها اثنان اليوم هي أن الشعارَ الذي كان حاضراً في كُلّ بطولات وتضحيات أبناء الشعب اليمني وأفراد مُؤَسّسته العسكرية البطلة طوالَ ثلاثة أعوام من التصَـدِّي للعدوان الغاشم هو شعارُ البراءة من أمريكا وإسرائيل، فقد رافق هذا الشعارُ كُلَّ لحظات العِزّة والفداء لهذا الشعب وواكب انتصاراتِ اليمنيين من على متن الدبّابة الابرايمز إلى إطلاق الصواريخ الباليستية إلى عمليات القنص وكسر الزحوفات والتنكيل بالعدو حتى استهداف البوارج وغيرها من البطولات التي وثّقتها الكاميرا بالصوت والصورة جنباً إلى جنب مع ذلك الشعار.
ومن المؤكَّد أنه لا يوجدُ أحدٌ يُجبِرُ المقاتلين قبل أية عملية قتالية أن يهتفوا بهذا الشعار أَوْ ذاك أَوْ يملي عليهم ما يقولونه وإنما ينطلقُ كُلُّ مقاتل في الميدان من وعيه وثقافته لترديد الشعار الذي يعبِّرُ عنه، ولم ولن يكونَ ثمة مانعٌ من أن يقول مقاتلٌ يمني (بالروح بالدم نفديك يا يمن) على العكس تماماً الأهمُّ حالياً أن يتمَّ تجسيدُ هذا الشعار قولاً وعملاً من على متن دبّابة للعدو أَوْ أثناء استهداف رتل من قواته العسكرية، وهو شعارٌ وطني يشرِّفُ كُلَّ يمني مثلُه مثلُ شعار الصرخة والبراءة من قادة هذا العدوان على البلد، أمريكا وإسرائيل.
غيرُ المفهوم حتى هذه اللحظة لماذا لم نسمعْ شعارَ (بالروح بالدم نفديك يا يمن) إلّا من داخل مقرّات المناسبات الحزبية والفعاليات الانتخابية ومن المقايل والمنازل والفلل الفاخرة والمسوّرة، ولم نرَ طوالَ ثلاثة أعوام من الصمود الأسطوري أحداً يردِّدُ هذا الشعارَ في جبهات العزة والشرف، مجسداً حقيقة الفداء للوطن بالروح والدم، وبالطبع لا يوجد ما يمنعُهم من ذلك، والمعلوم أنه لا يوجدُ ما تفدي وطنَك به من دمك الغالي في فعالية حزبية أَوْ ديوان وثير في فلل عالية الأسوار، وإنما كُلّ الفداء للوطن من جبهات الدفاع عنه، وسيرحّب كُلُّ يمني ما يهتفُ به المقاتلُ من على دبّابة العدو أَوْ من عُمق مواقعه كيفما كان هذا الشعار، في حين لن يقبلَ يمنيٌّ باستخدام شعارات سياسية للمزايدات على حساب قضية الدفاع عن الأرض والعِرْض كما يحاول البعض اليوم.
وإذا كان كما يدّعي بعضُ إخواننا الأعزاء في مشروع التصَـدِّي للعدوان أن لديهم من المقاتلين ما يرفدون به الجبهاتِ هنا أَوْ هناك، فلماذا لم نشاهد أَوْ نسمعْ إلا شعارَ البراءة من أمريكا وإسرائيل في الميادين؟!، وَما هو المانعُ أَمَــام أولئك الأبطال الأشاوس الذين تخرّجوا من معسكرات الشركاء من ترديد شعارهم إذَا كانوا حقاً في الميدان؟ مع تأكيدنا بأن التجسيدَ الحقيقيَّ اليومَ لفداء الوطن بالروح والدم هو من جبهات العزة والشرف، كما يفعل أبطالُنا من كُلّ القبائل والمُدُن والمحافظات والمكونات السياسية مع أبناء القوات المسلحة والأمن، ويمثل تصدِّيهم للعدو أسمى مراتب التضحية والفداء قولاً وعملاً.
ورغم ضخامة هجمة التحالف العدواني على اليمن وأولوية التحَـرّك الجماعي المسؤول من كُلّ أبناء اليمن لمواجهة هذا العدوان، لم نرَ للأسف طوال الفترة الماضية قافلة غذائية واحدة دعماً للجبهات قدّمها حزب المؤتمر الشعبي العام الشريك الرئيسي في السلطة، كما لم نشاهِدْ صورَ خريّجي معسكراته في التحام مع العدو، وكل ما شاهدناه حتى الآن هي صور أشبه ما تكونُ بمشاهد مقاتلين داعش وهم ملثمون في مناطقَ خاليةٍ من أيّ عدو، ولا يقومون فيها إلا بأخذ اللقطات التذكارية للمزايدة في وقت لاحق، مع تأكيدنا على ضرورة رفد الجبهات اليوم من قبَل الجميع فليست مسؤوليةَ طرف دون آخر.
والخطورة والاستهداف للمُؤَسّسة العسكرية والأمنية لا تكمن في مشروع الذين قدّموا المئات والآلاف من فلذات أكبادهم شهداء أعزاء؛ فداءً للوطن في معركة الاستقلال والحرية، فالجيش واللجان الشعبية وأبناء القبائل لطالما كانوا يداً واحدة، كُلّ عنصر يرفدُ الآخر ويقوّي شوكته، وإنما تكمُنُ الخطورةُ في تفريخ بؤر عسكرية تخرِّجُ الملثمين الذين لا يعرفُ أحدٌ أين ينتهي بهم المطافُ، ولا تعلمُ وزارة الدفاع أَوْ قادةُ المحاور والجبهات عنهم شيئاً، كما أن الخطورةَ تكمُنُ في حَرْفِ أولويات المجتمع وخلْق إشكالات داخلية وزرع بذور الفتن والشقاق بين القبائل والإساءة لأبطال الجيش واللجان الشعبية وتقديم مبادرات الذُّل والاستسلام واستدعاء الوصاية الخارجية على اليمن مرةً أُخْرَى، وتخذيل أبناء القوات المسلحة والأمن من الانخراط في جبهات العزة والشرف، والعبث بإيرادات الدولة، وتعطيل مُؤَسّسات الشعب، وتمثيل الغطاء للفاسدين والخونة والعملاء، والحيلولة دون محاكمتهم أَوْ حتى فصلهم من مواقعهم الحزبية.
كما نطرَحُ تساؤلاً للشركاء الأعزاء بدافع المسؤولية وليس من منطلق المناكفات والجدَل: أليس الأفضلَ لنا جميعاً أن تتمَّ عملياتُ تخريج المقاتلين جميعاً عبر القنوات الرسمية وبالتنسيق المباشر مع وزارة الدفاع والمختصّين في الجبهات؛ لضمان وصول مخرجات المعسكرات إلى مكانهم الطبيعي والسليم؟ وما الذي يزعج الآخرين من طرح فكرة غرضُها التنظيمُ والتنسيق وتوحيدُ الجهود، طالما أن هدفنا جميعاً رفدُ الجبهات ومواجهةُ العدوان؟ وما هو المغزى من وراء استحداث مسار خاص للتجنيد خارج سلطة المجلس السياسي الأعلى ووزارة الدفاع؟
ونصيحة أخيرة من محب للقيادي الإعلامي الذي أثار هذه القضية من البداية، أرجو منك تكريسَ قلمك وكتاباتك وجهودك لمصلحة تعزيز عوامل القوّة والانتصار والمواجهَة والتوقُّف عن استهداف أبطال الجيش واللجان الشعبية ومحاولة الإساءة لهم، فإن ذلك يضعفُ الجميعَ ويمثّل طعنةً في خاصرة أبطال اليمن.
بل إن الأولى أن تتوجَّهَ أقلامُكم صوْبَ العدو الخارجي وتعزيز حالة الصمود في البلد والدعوة لرفد الجبهات بالمال والرجال والسلاح، فمصيرُنا اليوم واحد والاستهدافُ يشملُ الجميعَ.
وتذكَّرْ بأن المخاوفَ اليوم على المُؤَسّسة العسكرية ليست من رجال الجيش الأبطال الذين يقدّمون يومياً أرواحَهم فداءً لهذا البلد ولا من اللجان الشعبية وأبناء القبائل، إنما تكمُنُ الخطورةُ على مُؤَسّستنا العسكرية والأمنية والبلد ككل في تقديم مبادرات الذل والاستسلام والدعوة لتسليم مطارات البلد وموانئه للوصاية الخارجية، أسوة بمبادرة سابقة جاءت من عاصمة العدو السعودي ووقّع عليها المؤتمر والمشترك، أوصلت خبراءَ أجانبَ إلى مخازِنِ الجيش بغَرَضِ هيكلته وتفكيك ترسانته والاطلاع على أسرارِه؛ بغية إضعافِه، وليس هذا الزمان ببعيدٍ لدرجة النسيان، فما زال الجميع يتذكّر مَن الذي قَبِلَ بالوصاية الخارجية ومكّن ألدَّ خصوم اليمن من الوصول إلى عُمق مُؤَسّسته العسكرية تحت ذريعة هيكلة المُؤَسّسة العسكرية.