الحرم الإبراهيمي.. كيف تحول رابع الأماكن المقدسة للمسلمين إلى مَرقص للإسرائيليين؟
متابعات| شفقنا:
هناك شيء يقهر الفلسطينيين باستمرار، في البلدة القديمة بالخليل وتحديدًا في ساحات الحرم الإبراهيمي الشريف، حيث يرقص المستوطنون اليهود، وبعضهم يغني، وآخرون يمسكون بمزاميرهم مبتهجين بأعيادهم، أمام مقامات الأنبياء، وزوجاتهم المدفونين أسفل الحرم.
ففي الحرم الإبراهيمي تفعل إسرائيل ما يحلو لها ولمستوطنيها، تمنع الآذان 90 مرة في الشهر، وتغلق كل المسجد عشرة أيام في العام، وتحظر الخروج والدخول يوميًا من الساعة الرابعة حتى التاسعة مساء على سكان الحرم، تحقق ذلك بعدما تمكنت على دماء المصلين من تقسيمه والسيطرة على 60% منه.
رحلة إفساح الحرم الإبراهيمي للراقصين اليهود
مضت الأيام القليلة الماضية مثقلة على نفوس سكان الخليل، كانوا مجبرين على مواصلة شؤون حياتهم، وهناك قرابة 40 ألف مستوطن يهودي يقتحمون الحرم الإبراهيمي للاحتفال بـ«عيد العرش»، وهم أيضًا ينصاعون لمنع رفع الآذان التي قد تصل حالاته في أوقات الأعياد اليهودية إلى 90 مرة شهريًا.
لم يكن ليحدث ذلك إلا على دمائهم، فبعد مجزرة الحرم الإبراهيمي في عام 1994 وقتل 29 مصليًا داخل المسجد، سيطرت إسرائيل على60% من مساحة الحرم، وأغلق طرق البلدة إلا طريق واحد لا يُدخل منه إلا عبر البوابات الإلكترونية التي تغلق منذ الساعة التاسعة مساء وحتى الرابعة صباحًا، الأمر الذي قيد حركة خروجهم ودخولهم إلى منازلهم، أما في داخل الحرم نفسه، فـ26 كاميرا، والإضاءات الكاشفة ومجسات صوت وصورة، تقيد الحركة لأبعد الحدود.
أما عن رحلة الصلاة فتختلف عن الذهاب لأي من المساجد الأخرى، فما أن يقصد المصلى الحرم حتى يطالبه الجيش الإسرائيلي بإخراج ما بحوزته من معادن قبل الانتقال لدخول الحواجز الحديدية التي يعرفها أهل الخليل بـ«المعاطات» أو «القفص»، وعند باب الحرم يكون الحاجز الأول الذي يدخله المصلى لينتقل إلى «المعاطة» الثانية التي يتحكم بفتحها أو إغلاقها مزاج الجندي الإسرائيلي، ثم ينتقل المصلى بعدها للتفتيش الذاتي ثم المرور عبر آلات الفحص الإلكتروني.
يقول منسق تجمع شباب ضد الاستيطان في الخليل، عيسى إسماعيل عمرو أنه: «في الأعياد اليهودية يتم إغلاق المسجد الإبراهيمي والمنطقة المحيطة تمامًا، ولا يسمح للمواطنين بالدخول أو الخروج، كما يمنع المواطنين من الخروج من منازلهم والذهاب إلى مدارسهم أو أعمالهم»، ويضيف لـ«ساسة بوست»: «الاستفزازات المستمرة من قبل الجيش والمستوطنين هدفها تهجير المنطقة وتهويدها بالكامل، وهي مستمرة منذ مجزرة المسجد الإبراهيمي التي قررت إسرائيل بعدها التقسيم المكاني والزماني، لتزيد إجراءات التهويد مع الوقت».
وتذكر ورقة بحثية صدرت مؤخرًا عن مركز «عبدالله الحوراني للدراسات والتوثيق» أنه: «لا يسمح لغير السكان الفلسطينيين بالدخول إلى داخل البلدة القديمة إلا بإذن خاص أو بتنسيق مسبق، والتي وضع على جميع مداخلها المتصلة بالأحياء الأخرى حواجز (21 حاجزًا) شبيهه بالمعابر الحدودية من أجل التفتيش والتدقيق بالأسماء والتنكيل في المواطنين، بالإضافة إلى إغلاق بعض الممرات الضيقة بالأسلاك الشائكة ووضع البوابات الحديدة قرب التجمعات الفلسطينية داخل البلدة من أجل الفصل بينهم وبين البؤر الاستيطانية»، ويضيف التقرير المعنون بـ«سرطان أسود يلتهم قلب الخليل»: «هناك أيضًا اعتداءات المستوطنين المستمرة ضد السكان الفلسطينيين بشكل متواصل، من عمليات دهس وإلقاء حجارة وشتائم وغيرها، بالإضافة إلى إلقاء الحجارة والأوساخ على بيوت السكان ومحاولتهم الدائمة إلى السيطرة على بيوت أخرى كما حدث مؤخرًا مع عائلة الرجبي».
زيادة تهويد الحرم بعد المجزرة
احتلت مدينة «خليل الرحمن» كغيرها من مدن الضفة الغربية في العام 1967، ومنذ هذا الوقت سعت إسرائيل لتهويد الحرم الإبراهيمي، متدرجةً في إجراءات السيطرة عليه،فخصص أماكن لصلاة اليهود فيه، ومنع دخول المسلمين كليًا إليه في أيام الأعياد والاحتفالات اليهودية.
لكن ما حدث بعد وقوع مجزرة الحرم الإبراهيمي التي ارتكبها المتطرف «باروخ غولدشتاين» عام 1994 في صلاة الفجر، وإغلاق الحرم لمدة تسعة أشهر، هو خروج لجنة سميت بـ«لجنة شمغار»، بعدة توصيات تفرض واقعًا صعبًا على الحرم وأهله، منها تقسيم الحرم الإبراهيمي إلى قسمين، بحيث سيطر الاحتلال على الجزء الأكبر من الحرم (حوالي 60% من مساحته)، وتخصيصه لدخول اليهود دون سواهم بعد، ويضم القسم الذي سيطر عليه من الحرم: مقامات وقبور أنبياء، وشخصيات تاريخية، إضافة إلى صحن الحرم، وهي المنطقة المكشوفة فيه.
بذلك اعتبرت المجزرة بداية مخطط لتنفيذ تطهير عرقي ينال من سكان البلدة القديمة بالخليل التي أغلقت أغلب وأهم منافذها وفصلت عن الخليل المدينة، فأغلق الشريان الرئيسي «شارع الشهداء»، وأغلق 1800 محل تجاري بالبلدة القديمة، وبدأ مسلسل منع رفع الأذان عشرات المرات شهريًا، كما وضعت السلطات الإسرائيلية بعدها كاميرات وبوابات إلكترونية على كافة المداخل.
قدسية المسجد عن المسلمين واليهود
أقدم بناء مقدّس تتم فيه العبادة حتى اليوم، يشبه في بنائه المسجد الأقصى، إذ يحيط به سور ضخم بنيٌّ من حجارة يصل طول بعضها لسبعة أمتار.
يعد الحرم الإبراهيمي بالنسبة للمسلمين، هو رابع الأماكن المقدسة، أقامه نبي الله إبراهيم عليه السلام، بعد أن اشترى مغارة «المكفيلا» من عفرون بن صوحر، وهو الآن يضم أضرحة الأنبياء إبراهيم ويعقوب وإسحاق عليهم السلام وزوجاتهم سارة ولائقة ورفقة، كما تؤكد الروايات أن رفات يوسف عليه السلام نقل من نابلس إلى الخليل ليكون بجانب آبائه، بينما يقول يروي البعض أن الحرم الإبراهيمي يضم أيضًا أضرحة آدم وسام ونوح.
ويعود تاريخ بناء الحرم الإبراهيمي بالخليل، إلى 1900 سنة قبل الميلاد، فقد أسس خلال حكم «هيرودس الأدومي» لمدينة الخليل (37ق.م – 7 ق.م)، ثم قام الرومان ببناء كنيسة مكان الحرم، إلى أن هُدمت هذه الكنسية على يد الفرس بعد أقل من 100 عام، ثم تحولت الكنسية إلى مسجد في العصور الإسلامية الأولى، لكن أعاد الصليبيين بناء كنيسة كاتدرائية، وبقيت حتى عاد المسجد بعد تحرير صلاح الدين لفلسطين عام 1187.
ويسمى اليهود الحرم الإبراهيميّ باسم كهف البطاركة أو مغارة (المكفيلة)، وهو ثاني الأماكن المقدّسة عندهم بعد جبل الهيكل،يقدسونه لأن النبي إبراهيم وزوجته دفنا فيه، وكذلك نسله إسحق ويعقوب وزوجتاهما رفقة وليئة، بل يَعتبر بعض اليهود الخليل أكثر قدسية حتى من مدينة القدس، لأنها تضم أضرحة النبي إبراهيم وسلالته.
«اليونيسكو» يؤكد: لا حق لليهود في الحرم الإبراهيمي
«هذا قرار سخيف آخر اعتمدته منظمة اليونيسكو، وهذه المرة قررت اليونيسكو أن مغارة (المخبيلا) في مدينة حبرون (الخليل) عبارة عن موقع فلسطيني، أي أنه غير يهودي، وأن هذا المكان يتعرض للخطر»، هكذا رد رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامن نتنياهو» غاضبًا على قرار«يونيسكو» في يوليو (تموز) الماضي اعتبار البلدة القديمة التي يقع فيها الحرم الإبراهيمي «منطقة محمية» بصفتها موقعًا «يتمتع بقيمة عالمية استثنائية»، مضيفًا: «أليس هذا موقعًا يهوديًا؟! فمن هو الذي دفن هناك؟ أبراهام ويتسحاق ويعقوب وسارا وريفكا وليئا. هؤلاء هم آباؤنا وأمهاتنا. هذا الموقع يتعرض للخطر».
ينفي رئيس سدنة الحرم الإبراهيمي «حجازي أبو سنينة» أن يكون لليهود حق في الحرم الإبراهيمي، ويوضح لـ«الجزيرة نت»: «كل الحقائق التاريخية تثبت أن هذا المسجد إسلامي بالكامل، فالمسجد يعتبر معلمًا إسلاميًا خالصًا للمسلمين ولا يجوز لأتباع الديانات الأخرى التواجد فيه، خصوصًا أن اليهود أنفسهم لا يعترفون بحرية العبادات للآخرين».
من جانبه، يؤكد مدير المسجد الإبراهيمي في دائرة أوقاف الخليل «منذر أبو الفيلات» على أن: «سلطات الاحتلال تسعى دومًا إلى تغيير الوقائع والمعالم في منطقة المسجد الإبراهيمي لتؤكد أنها سيدة المكان وأنها صاحبة الحق، وأن الفلسطينيين لا دور لهم، وأن المسجد كنيس وليس مسجدًا».
ويضيف في حديث خاص لـ«المركز الفلسطيني للإعلام» : «إن تغيير الحواجز من معدنية وخشبية إلى إسمنتية وبناء غرف مغلقة بجوار الحواجز كل ذلك من أجل بسط نفوذ الاحتلال على كامل مداخل المسجد والتحكم بدخول المصلين والتنكيل بهم داخل الغرف الإسمنتية المغلقة بعيدا عن كاميرات الصحفيين والإعلاميين التي فضحت ممارسات الاحتلال بالقرب من المسجد الإبراهيمي».