كلام سياسي | أخلاق تموت وجثث تُحنّط
لن تكون الواقعة المأساوية للشاب اليمني المريض، مؤيد علي عثمان، الذي قضى في إحدى صالات مطار علياء الدولي بالعاصمة الأردنية عمّان قبل أيام، بعد منعه من قِبل أمن المطار من البقاء في المطار (ترانزيت)، ليواصل سفره صوب الهند، وتمزيق أوراقه ووثائقه الثبوتية والعلاجية، ومصادرة أدويته، ومن ثم تستخرج السلطات الأمنية على وجه السرعة، وبطريقة تثير الضحك حتى البكاء، شهادة تحنيط جثة، هي الواقعة الأخيرة للمرضى والجرحى – وعموم المسافرين اليمنيين – طالما بقي الحال يراوح مكانه من اللامبالاة واسترخاص أرواح الناس من قبل السلطات اليمنية، وبقي أسلوب معاملة المسافر اليمني إلى أو عبر الأردن وغير الأردن يتسم بالازدراء والتعالي وامتهان الإنسانية، لا لذنب اقترفه غير أنه ابتلي بسلطة من المرتزقة، وفقير لا يمتلك آبار نفط بالكم الذي يجعل جباه العرب والعجم تعنو له صاغرة حيثما حلّ ورحل.
هكذا باتت السلطات الأردنية تعامل هذا المواطن الهارب من جحيم الحرب في الداخل إلى سعير الإهانات في كل الأصقاع التي يستطيع أن يصلها بشق الأنفس، وفقاً لشكاوى المسافرين إلى الأردن وعبره إلى باقي دول العالم، من المعاملة السيئة سواء في المطارات أو المستشفيات أو الفنادق وغير ذلك، وكأنهم طحالب وزوائد دودية أو خرفان جرباء يخشون أوبئتها.
من المؤسف أن تطغى اهتماماتنا السياسية على القضايا الإنسانية والأخلاقية كقضية معاناة السفر ذهاباً أو إياباً، والناتجة من إغلاق جميع مطارات البلاد باستثناء واحد منها هو مطار عدن، الذي، هو الآخر، يُفتح شهراً ويُغلق أسبوعاً، وشح وفوضوية الرحلات، وأسعار التذاكر الملتهبة، والمعاملات المذلة التي يلاقيها المسافرون في كثير من مطارات العالم، بعدما أضحت جنسيتهم محل ريبة وازدراء، في تصرفات حكومة هي عبارة عن عصابة من اللصوص والمرتزقة.
ففي الوقت الذي لا يمكن لنا أن نعفي فيه هذه السلطات اليمنية (الشرعية) من المسؤولية القانونية والأخلاقية عن هذه المأساة، وهي السلطات الغارقة أصلاً في مستنقع الفساد ووحل الفوضى الإدارية والسياسية العارمة، فإننا نلقي بالمسئولية على دول «التحالف»، السعودية والإمارات تحديداً، والتي تواصل حربها في اليمن منذ أكثر من ثلاثين شهراً دون طائل. نتحدث عن المسؤولية الأخلاقية على الأقل، فضلاً عن القانونية والسياسية التي تحتم عليها القيام بواجبها حيال مواطني هذا القطر المنكوب، بصفتها سلطة الأمر الواقع المسيطرة على الأرض، وما السلطة اليمينة المسماة بـ«الشرعية» إلا أحد ملحقاتها وأدواتها.
من المعيب الصمت حيال تصرفات هذا التحالف، والناس يموتون كالبهائم في الداخل والخارج، في المطارات والفنادق والمستشفيات، علاوة على الآلاف من الضحايا في الداخل، ممن لم يتمكنوا من السفر إلى الخارج للأسباب آنفة الذكر. فدول التحالف، وفي ظاهرة فريدة من نوعها في التاريخ وخصوصاً تاريخ الحروب العسكرية، أوصدت بقوة الحديد والنار منافذها البرية والبحرية والجوية بوجه بسطاء الناس النازحين إليها من سعير هذه الحرب، وفتحتها بوجه كل المسؤولين الحكوميين من رئيس الدولة ووزراء حكومته ومحافظي المحافظات وقادته العسكريين والأمنيين وحتى أصغر مسؤول أو قريب مسؤول فيها – وما أكثرهم -. فهذه الدول، وبرغم سوء الوضع الإنساني، رفصت أن تنصب ولو خيمة واحدة لأسرة فقدت كل عوامل التمسك بالحياة في الداخل.
ولم تكتف هذه الدول بمنع النزوح للمواطن الشارد، بل رفضت أن تسمح له بالعبور عبر مطاراتها للوصول إلى دول أخرى، ناهيك عن رفضها استقبال ذوي المعاملات القنصلية الباحثين عن سفارات من مرضى وجرحى ودارسين ومغتربين. وأصبح الوصول إلى أقرب عاصمة يُسمح بالدخول إليها يعني رحلة عذاب لا تنتهي. فمثلاً، ولكي تصل من عدن إلى جيبوتي التي لا تبعد عنها غير نصف ساعة طيران، وهي من العواصم القليلة التي فتحت فيها دول غربية سفاراتها هناك ومنها أمريكا لمعاملات الهجرة، عليك أن تسافر أولاً عبر القاهرة أو السودان أو عمّان أو كينيا، وتتحمل ما ستلاقيه في مطارات هذه العواصم من مهانة وإذلال وعناء، قبل أن تبلغ وجهتك إلى الجارة جيبوتي؛ حيث أن السفر مباشرة إليها من عدن أضحى غير مسموح به من قبل السلطات الجيبوتية نفسها التي تشترط أن يمر المسافر اليمني القادم إليها أولاً عبر مطارات أخرى لعمل فحوصات طبية مطلوبة.
وهذا الإجراء الجيبوتي أتى بعد إعلان الحكومية اليمنية، قبل أشهر، حالة الطوارئ الصحية بسبب مرضى الكوليرا، دون أن تكترث لتبعات ذلك. وهي واستهدفت منه، بدرجة أساسية، الظفر بمزيد من الدعم المالي والمادي من المنظمات الصحية الدولية، ليضحي المواطن اليمني، الذي حالفه الحظ في النفاذ إلى الخارج، في عين سلطات الدول الواصل إليها، عبارة عن كائن أجرب منبوذ يتم تسليمه إلى أقرب محجر من المطار.
هكذا باتت السلطات الأردنية تعامل هذا المواطن الهارب من جحيم الحرب في الداخل إلى سعير الإهانات في كل الأصقاع التي يستطيع أن يصلها بشق الأنفس، وفقاً لشكاوى المسافرين إلى الأردن وعبره إلى باقي دول العالم، من المعاملة السيئة سواء في المطارات أو المستشفيات أو الفنادق وغير ذلك، وكأنهم طحالب وزوائد دودية أو خرفان جرباء يخشون أوبئتها.
من المؤسف أن تطغى اهتماماتنا السياسية على القضايا الإنسانية والأخلاقية كقضية معاناة السفر ذهاباً أو إياباً، والناتجة من إغلاق جميع مطارات البلاد باستثناء واحد منها هو مطار عدن، الذي، هو الآخر، يُفتح شهراً ويُغلق أسبوعاً، وشح وفوضوية الرحلات، وأسعار التذاكر الملتهبة، والمعاملات المذلة التي يلاقيها المسافرون في كثير من مطارات العالم، بعدما أضحت جنسيتهم محل ريبة وازدراء، في تصرفات حكومة هي عبارة عن عصابة من اللصوص والمرتزقة.
ففي الوقت الذي لا يمكن لنا أن نعفي فيه هذه السلطات اليمنية (الشرعية) من المسؤولية القانونية والأخلاقية عن هذه المأساة، وهي السلطات الغارقة أصلاً في مستنقع الفساد ووحل الفوضى الإدارية والسياسية العارمة، فإننا نلقي بالمسئولية على دول «التحالف»، السعودية والإمارات تحديداً، والتي تواصل حربها في اليمن منذ أكثر من ثلاثين شهراً دون طائل. نتحدث عن المسؤولية الأخلاقية على الأقل، فضلاً عن القانونية والسياسية التي تحتم عليها القيام بواجبها حيال مواطني هذا القطر المنكوب، بصفتها سلطة الأمر الواقع المسيطرة على الأرض، وما السلطة اليمينة المسماة بـ«الشرعية» إلا أحد ملحقاتها وأدواتها.
من المعيب الصمت حيال تصرفات هذا التحالف، والناس يموتون كالبهائم في الداخل والخارج، في المطارات والفنادق والمستشفيات، علاوة على الآلاف من الضحايا في الداخل، ممن لم يتمكنوا من السفر إلى الخارج للأسباب آنفة الذكر. فدول التحالف، وفي ظاهرة فريدة من نوعها في التاريخ وخصوصاً تاريخ الحروب العسكرية، أوصدت بقوة الحديد والنار منافذها البرية والبحرية والجوية بوجه بسطاء الناس النازحين إليها من سعير هذه الحرب، وفتحتها بوجه كل المسؤولين الحكوميين من رئيس الدولة ووزراء حكومته ومحافظي المحافظات وقادته العسكريين والأمنيين وحتى أصغر مسؤول أو قريب مسؤول فيها – وما أكثرهم -. فهذه الدول، وبرغم سوء الوضع الإنساني، رفصت أن تنصب ولو خيمة واحدة لأسرة فقدت كل عوامل التمسك بالحياة في الداخل.
ولم تكتف هذه الدول بمنع النزوح للمواطن الشارد، بل رفضت أن تسمح له بالعبور عبر مطاراتها للوصول إلى دول أخرى، ناهيك عن رفضها استقبال ذوي المعاملات القنصلية الباحثين عن سفارات من مرضى وجرحى ودارسين ومغتربين. وأصبح الوصول إلى أقرب عاصمة يُسمح بالدخول إليها يعني رحلة عذاب لا تنتهي. فمثلاً، ولكي تصل من عدن إلى جيبوتي التي لا تبعد عنها غير نصف ساعة طيران، وهي من العواصم القليلة التي فتحت فيها دول غربية سفاراتها هناك ومنها أمريكا لمعاملات الهجرة، عليك أن تسافر أولاً عبر القاهرة أو السودان أو عمّان أو كينيا، وتتحمل ما ستلاقيه في مطارات هذه العواصم من مهانة وإذلال وعناء، قبل أن تبلغ وجهتك إلى الجارة جيبوتي؛ حيث أن السفر مباشرة إليها من عدن أضحى غير مسموح به من قبل السلطات الجيبوتية نفسها التي تشترط أن يمر المسافر اليمني القادم إليها أولاً عبر مطارات أخرى لعمل فحوصات طبية مطلوبة.
وهذا الإجراء الجيبوتي أتى بعد إعلان الحكومية اليمنية، قبل أشهر، حالة الطوارئ الصحية بسبب مرضى الكوليرا، دون أن تكترث لتبعات ذلك. وهي واستهدفت منه، بدرجة أساسية، الظفر بمزيد من الدعم المالي والمادي من المنظمات الصحية الدولية، ليضحي المواطن اليمني، الذي حالفه الحظ في النفاذ إلى الخارج، في عين سلطات الدول الواصل إليها، عبارة عن كائن أجرب منبوذ يتم تسليمه إلى أقرب محجر من المطار.