حملة لاستعراض القوة والعضلات وإثبات الحضور على حساب المواطن البسيط فقط، بدأت تشنها المؤسسة العامة للكهرباء في ساحل حضرموت منذ قرابة أسبوع، بدعم وغطاء رسمي من السلطة المحلية في المحافظة، شملت فصل إمدادات الكهرباء عن المنازل في الأحياء السكنية، بذريعة أن أصحابها لم يلتزموا بتسديد فواتيرهم المتراكمة، أو أنهم متورّطون بالتوصيل العشوائي للتيار بطرق ملتوية وغير مشروعة.
توقيت الحملة ربطه الكثيرون في مدينة المكلا بزيارة أحمد عبيد بن دغر، رئيس الوزراء في حكومة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي. وعلى الرغم من احتفاء السلطة على نحو مبالغ فيه بقدوم بن دغر إلى عاصمة المحافظة في التاسع من سبتمبر، إلا أنه لم يقم بتقديم حتى «وعود معسولة» للإيفاء بمتطلباتها الأساسية كتوريد مبالغ تسهم في التخفيف من مديونتها الضخمة للشركات الأهلية والخاصة التي تبيع الكهرباء للمحافظة بعقود أقل ما يقال عنها بأنها «مجحفة»، هذا بالإضافة إلى رفضه حتى النقاش في «تعديل» حصة حضرموت من بيع صفقات النفط المتكدسة في آبار المسيلة.

ويبدو أن عجز السلطة المحلية في كسب رضا ودغدغة عاطفة بن دغر، جعلها تفرّغ حمم غضبها على سكان المدينة، بإجراءات يصفها البعض بأنها «تصعيدية وغير مقبولة»، بدأت تتكشف للعيان من خلالها شنّها حملة «نزع الفيوز» الكهربائي من المنازل التي ضبطت مخالِفة للعقد مع المؤسسة العامة للكهرباء بالساحل الذي ينص على ضرورة التزام ملاكها بدفع ما عليهم من مستحقات مالية شهرياً من دون أي تأخير، وعدم ربط التيار عشوائياً والاحتيال بسرقته والإسهام في رفع مستوى الفاقد في الشبكة.
معارضو سلوك المؤسسة، حتى من أولئك الذين لم يفصل عنهم التيار لإيفائهم بما عليهم من واجبات، انتقدوها علناً، لأنهم يرون أن «توقيت إطلاقها كان خطأ، فدرجات الحرارة عادت للارتفاع على نحو غير طبيعي، والرطوبة العالية مازالت مسيطرة على أجواء مديريات الساحل كافة».
وهناك من استغرب إصرار المؤسسة ومِن خلفها السلطة على «إجبار» المواطنين على الدفع، والموظفين في القطاع العام يشكون من «تأخر صرف رواتبهم»، وعمّال القطاع الخاص «يصرخون من تدنيها»، في الوقت الذي يجمع فيه الكل تقريباً، على أن «استمرار صعود أسعار المواد الاستهلاكية يعد مرآة لفشل السلطة في كبح جماح التجّار الجشعين».
من بين المآخذ الأخرى التي سُجّلت على المؤسسة في حملتها القائمة، أنها أطلقت العنان لعمّالها الميدانيين للاجتهاد بفصل التيار عن أكبر عدد من المنازل، مقابل حصولهم على مكافأة مالية، بمعنى إدخالهم في صدام مباشر مع أخوانهم المواطنين، يدفع ثمنه من لا حول لهم ولا قوة ولا حظوة ولا جاه، أما من يسكنون في المناطق التي ترفض مثل هذه الإجراءات وتتصدى لها أحياناً بطرق قد لا تخلو من الخشونة والعدائية، فدخول عمّال الكهرباء إليها عادة ما يكون «محرّماً» و«خط أحمر».
مهاجمو الحملة طرحوا سؤالاً مشروعاً حول جدواها، إذا لم تطال روؤس مسؤولين كبار، عرف عنهم منذ سنوات توصيل الكهرباء لمنازلهم «خلسة»، أو عدم تسديد فواتيرهم التي تجاوزت تراتبياتها مئات الألوف، إن لم يكن ملايين الريالات.
وعلى الرغم من إثارة الحملة لجدل لم يتطوّر بعد لمستوى الضغط الشعبي لإيقافها، تمضي السلطة المحلية في سياساتها العقابية ضد المواطنين، من دون أن تضع أمامهم بدائل منطقية لحل أزمة الكهرباء كلية، بعيداً عن محاولات إلقاء مسؤولية استفحالها على سابقاتها، وهي التي كانت تشكل جزءً منها في الأمس القريب.