لطخة سوداء في سجل منظمة العفو الدولية
محمد عايش :
تقرير منظمة العفو الذي يتحدث، بثقةٍ مفزعة، عن كون ضحايا قصف الطيران السعودي أقل بكثير من ضحايا المضادات الجوية؛ سيتحول مع الأيام إلى مزحة، تُذكر على سبيل التندر، لكنه سيشكل لطخة سوداء في سجل المنظمة الدولية ذات التاريخ الاحترافي والصارم.
التقرير ليس حقوقيا، ويبدو أقرب إلى كونه بيانا سياسيا وبصيغة تعبوية شديدة السفور.
بالتأكيد أن للمضادات الجوية ضحايا، ولكن الكارثة في التقرير ليس مجرد المبالغة في تقدير أعداد الضحايا، بل في كونه يورد ذلك في سياق المقارنة مع ضحايا القصف السعودي، بما يخرج معه القارئ بنتيجة مباشرة ومن أول فقرتين فيه، وهي أن القصف لا يشكل أية مشكلة قياسا بالمضادات، بما يعنيه ذلك من تبرير استمرار القصف وجرائمه.
……………..
اللغة التبريرية للقصف السعودي وجرائمه تصل إلى مستوى الفضيحة..
ومثلا، يقول التقرير:
“تحدث مندوبو المنظمة مع السكان وأفراد الطواقم الطبية العاملة في تسعةٍ من مستشفيات المدينة، والذين أكدوا بدورهم أن المدافع المضادة للطائرات هي السبب الأول لوقوع خسائر في الأرواح داخل صنعاء. كما أدى القصف الجوي لقوات التحالف الذي تقوده السعودية على مخازن الأسلحة إلى التسبب بحدوث انفجارات ثانوية متسببةً بمقتل مدنيين آخرين وإصابتهم”…
تأملوا المفردات:
مضادات الطائرات هي “السبب الأول” لخسائر الأرواح
بينما القصف الجوي أدى فقط إلى انفجارات “ثانوية” متسببة بمقتل مدنيين “آخرين”..!!
المضادات إذاً هي “السبب الأول”
بينما القصف والطائرات ليس لها ضحايا إلا بشكل “ثانوي”!!!!
ليس ذلك فحسب تأملوا الصيغة أكثر:
“كما” أدى القصف
على “مخازن الأسلحة”
“إلى التسبب”
بحدوث انفجارات
“ثانوية”
“متسببة”
بمقتل مدنيين “آخرين”.
أدى إلى التسبب.. ثانوية…متسببا..!!!
تشعر أن التقرير لم يقلها إلا مجبرا وبعد ان جرب استخدام كل المزلقات الممكنة لتبدو الجملة لطيفة في النهاية وما تزعلش احد… بدءا من مفردة “كما” التي تجعل من آثار القصف مجرد لحقة، وصولا إلى “آخرين” التي تجعل من ضحايا القصف مجرد لحقة أيضا.
وكان بالإمكان أن يقول ببساطة: “ان استهداف السعودية لمخازن اسلحة في مدينة مكتظة بالسكان أدى إلى سقوط ضحايا”
لكن هذه الصيغة تحمل إدانة للسعودية وليس المطلوب إدانة السعودية.. في هذا التقرير تحديدا الا في سياق اضطراري وبهدف التقليل من حجم جرائمها.
…………………………………..
لو كتب هذا التقرير أحمد عسيري لكان مفهوما جدا.
لكن دعونا لا نقول ذلك، ونقول: بما أنه لايستطيع أحد أن ينكر أن لمضادات الطيران ضحايا، كان بإمكان المنطمة إفراد تقرير خاص لضحايا المضادات دون هذه المقارنة التي ترتقي إلى مرتبة الجريمة.
حينها سيقتصر النقاش فقط حول: هل تقديرات المنظمة لعدد قتلى المضادات دقيق أم لا.. فقط.
ولكن التقرير تبدو مهمته هي الترويج للقصف عبر التخفيف من حجم نتائجه، بل وعبر ازدراء ضحاياه، حيث، ومن ناحية الترتيب، يبدأ التقرير ومن أول فقرة بالمضادات ثم وفي تفاصيل التقرير يبدأ بضحايا المضادات… ثم يصل إلى ضحايا القصف في ذيله فقط.
شغل ما يعملهش ولا حتى عز الدين الأصبحي.
…………………..
انصافا لضحايا المضادات فإن منظمة العفو مطالبة بنشر أسماء من قتلوا بها.. بدلا من نشر اسم واحد فقط كنموذج.
هكذا ستحسم كل الجدل حول القضية.
ثانيا: كم عدد ضحايا القصف؟
فالمنظمة حين تقول إن المضادات ضحاياها أكثر فهذا يعني أنها تعرف أرقاما ولو تقديرية؛ أرقام ضحايا القصف، وأرقام ضحايا المضادات. وإلا كيف استطاعت الحكم بأن هذا أكثر من ذلك؟!!!
………..
أعود وأكرر: المضادات خطيرة ولها ضحايا لا يجب التقليل في حقهم حتى لو كانوا شخصا واحدا..
لكن هذا موضوع مختلف عن المضمون البذيء لتقرير المنظمة الذي يبالغ في الأرقام، ثم يضلل ويبرر لجرائم أخرى.
على أن المضادات نفسها هي نتيجة ورد فعل على القصف الذي لو لم يكن لما كان المضاد.
…………
كثيرون بإمكانهم سرد أسماء عشرات القتلى بقصف الطيران، وبينهم أناس نعرفهم
لكن من يستطيع أن يمنحنا الآن أسماء عشرة من ضحايا المضادات؟!!!!
……..
على منظمة العفو دعم ادعاءاتها بالأدلة أو أنها تكون قد ضربت مصداقيتها في مقتل.
على أن القضية لا تعني الحوثيين كما يراد تصويرها، بل تعني الضحايا الذين يموتون بشكل شبه يومي تحت القصف .. وتعني كل يمني يعيش رعبا مهولا بفعل القصف وهو داخل بيته في مناطق في الغالب لا مضادات فيها.
……………
من يهاجمون مندوبي المنطمة في اليمن؛ أفضل لهم أن يعدوا ردودا محترمة وتفصيلية و يبعثوا بها إلى إدارة المنظمة والتخاطب معها بشأن التضليل الذي وقعت فيه.
فذلك أفضل من الإرهاب اللفظي والكلام الفاضي.
من حائط الكاتب على الفيسبوك