كل ما يجري من حولك

الرغاليون الجدد

588

بقلم : عبدالرحمن مراد 

< ليس بمستغربٍ على أولئك الذين ذهبوا الى الرياض وباركوا العدوان السعودي على اليمن وإن كنا ننكر عليهم ذلك أخلاقياً إذ ليس معهوداً في البناءات الايديولوجية لبعض القوى كالحركة اليسارية والحركة القومية أن تجدا نفسيهما في حالة تماهي مع الرجعية العربية بكل أشكالها وتجلياتها بعد أن كان موقفها التاريخي جلياً بل وصل الى حد الصدام المسلح وحد التفكيك النظري والثقافي وكانا في خطين متوازيين لا يلتقيان عند نقطة بعينها، ووصول رموز الحركة القومية واليسارية الى حالة التماهي مع الرجعية العربية, والرجعية مصطلح يساري قومي – يحمل دلالة النكوص والثبات في المشروع السياسي وفي البعد النظري للحركتين ذلك أنهما كانا ضرورة اجتماعية وسياسية إبان عصر النهضة العربية كما يروق للكثير تسميته ويروق لي القول بعصر التحرر- وظل الثبات في الموقف والنظرية معيقاً للحالة التفاعلية لهما ثم جاءت أحداث 2011م لتسقط آخر معاقلهم بعد أن ظلاّ ردحاً من الزمن في حالة تفاعلية وجودية في المشهد السياسي العربي..

وفي اليمن يمكن أن يقال إن البراجماتية كانت هي الملاذ الأخير لرموز الحركة اليسارية والقومية وكان مؤتمر الرياض هو خيمة العزاء ولحظة الوداع الأخيرة وقد قرأنا قسمات الحزن وحالة الانكسار في شخص الدكتور ياسين سعيد نعمان.

وحين قلت ليس بمستغرب في المستهل فقد كنت انظر الى بُعدٍ تاريخيٍ وبعد فطري وكنت أنظر الى سنن الله في كونه، فالاكتمال بلغ ذروته وسنن الله تقوم على مبدأ «لكل شيء إذا ما تمّ نقصان» فالحالة الانكسارية دالة العودة الى الجذر، وجذر أولئك يمتد عميقاً في التاريخ، وقد سبق لي بيان المسارين التاريخيين اللذين يتنازعان اليمن وقلت إن المسارين يأخذان بعداً صراعياً أزلياً ولهما امتداداتهما الثقافية وهما المسار السبئي وخصائصه الاستسلام لثنائية الخضوع والهيمنة والمسار الآخر هو المسار الحميري وخصائصه الأنفة والشموخ في ثنائية الانتصار أو الموت وبروز المسارين في تجليات المرحلة ومناخها العام بكل الخصائص ذات العمق التاريخي لا تجعلنا نستغرب وجود مثل أولئك النفر الذين تهافتوا على موائد آل سعود بدون قيمة أو معنى وبدون كرامة وطنية أو كرامة إنسانية تحفظ لهم حضورهم التاريخي في مجريات الحدث وتموجاته، فالذين ذهبوا إلى الرياض لن يكتبهم التاريخ إلا كما كتب عن «أبي رغال» وعن «ابن العلقم» وكل الأشباه والنظائر في التاريخ الإنساني أجمعه.

هؤلاء الرغاليون الجدد في التاريخ اليمني المعاصر كتبوا النهايات لأنفسهم وكان مؤتمرهم في الرياض هو قصيدة الرثاء الأخيرة إذ أن الذائقة اليمنية الوطنية لن تستسيغ «رغاليتهم» أو خيانتهم وستظل اللعنات تلاحقهم، فاليمن الحميري هو الغالب على أمره وهو المسيطر على مفردات المستقبل ولا أظن قراءتهم لمعادلة القوة كان صائباً لأنهم غفلوا كل الغفلة عن قانون التاريخ وعن طبيعة الأشياء وعن سنن الله، فذهب بهم الوهم الى قدرة الرياض على تمكينهم من السلطة في اليمن بالطائرات وبالمظاهر المادية وبالقنابل الفراغية والصواريخ والأسلحة المحرمة دولياً وقد ظنوا وظنت الرياض معهم أن الأمر لن يتجاوز الأيام العشرة الأولى وها هو يدخل في شهره الثالث دون أن يرجع المرسلون وقد كشفوا عن سيقانهم في الصروح الممردة وكانت الفضائح هي حظهم وكان الفساد في التعامل مع العالقين والمساعدات الانسانية في جيبوتي هي ديدنهم ولن تكون الخاتمة إلا كما هي عند النماذج التاريخية، فالوطن الذي خانوه لن يقبلهم والوطن الذي اتخذوه بديلاً وعملوا لحسابه وساندوه في التدمير والقتل والإبادة لن يقبلهم في قابل أيامهم بعد أن يجد نفسه فقد كل شيء، فقد اليمن بعدوانه عليها وفقد استقراره الداخلي من خلال التباشير الأولى ليقظة النسق التاريخي، فآل الرشيد في نجد والأشراف في الحجاز والمنطقة الشرقية والزيدية في عسير أصبحت في مهب الحدث وتعاني اللحظات الأولى لولادة الهويات المحلية المتسقة مع البعد الحضاري والتاريخي والثقافي، فحالة الاغتراب التي تعيشها تجعل متنفس البركان أكثر دوياً.

لا أظن حكام المملكة درسوا الأثر المترتب لعدوانهم على اليمن على مجتمعهم والبناءات المختلفة وعلى القانون الطبيعي وهو يشهد انهياراً متسارعاً ومثل ذلك سيكون أثره على مستقبل الدولة الأسرية السعودية أثراً مدمراً، فالدولة السعودية، وهي دولة طارئة وغير متناغمة وتجد تضاداً مع المكونات البنائية لها- لن يطول بها الأمد في المستقبل فقد بلغت كمالها وهي في طور النقصان.

ولا عزاء للعملاء من ساسة اليمن فقد تمايزوا واختاروا طريقهم ونهايتهم وفي ذلك الخير كله لمستقبل اليمن.

” الميثاق نت”

You might also like