أمريكا والسلوك المراوغ في مواجهة الإرهاب
متابعات
أقرت وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” في نهاية المطاف رسمياً بعد صمتها الذي استمر لبضعة أيام حول الضربات التي وجهتها قوات التحالف الجوية على الطريق التي كان يستخدمه عناصر داعش للتنقل من مرتفعات القلمون في لبنان إلى سوريا، بأنها قامت بتدمير الكثير من الجسور التي كان يعبر منها هؤلاء الإرهابيون من الحدود الغربية لسوريا إلى الحدود الشرقية.
ولكنها لم تقم بتوضيح ما هو الغرض والهدف من هذه العملية التي قامت بها. وبطبيعة الحال، فإننا هنا نتساءل لماذا اتخذت واشنطن هذه الخطوة وحالت دون انسحاب الإرهابيين من هذه النقطة؟ وللجواب على هذا السؤال، فإنه يجب علينا أن نأخذ في عين الاعتبار التحولات والتطورات الميدانية الأخيرة التي حدثت للإرهابيين وإخفاقاتهم المتعاقبة في سوريا والعراق ولبنان. فلقد حددت الولايات المتحدة وحلفاؤها استراتيجيتها الجديدة بناءً على العمليات التي يقوم بها هذا التنظيم الإرهابي في المنطقة ويبدو بأنها واثقة تماما من أن المنطقة سوف تستمر لعشرات السنيين في محاربة الإرهاب الذي وُجد ليُحقق أهداف غربية وعبرية وعربية. ومن هذا المنظور، فإن المحور الغربي – العبري – العربي يأمل في أن يسيطر تنظيم داعش الإرهابي والمليشيات الإرهابية على دمشق وبغداد وبيروت.
مراراً وتكراراً تدعي الولايات المتحدة بأنها تحارب الإرهاب وبأنها قدمت برنامجاً يتراوح ما بين 10 و 30 عاماً لمواجهة الإرهابيين في العراق وبأنها تُصر على القضاء كليا على هذه الجماعات الإرهابية وليس فقط قمعها. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو انه كيف لجماعة إرهابية صغيرة القدرة على البقاء لمدة ست سنوات بدون دعم أجنبي في وجه الجيوش العراقية والسورية، وكيف يمكنه القيام بالكثير من العمليات العدوانية. وللإجابة على هذا السؤال فإنه يجب الأخذ بعين الاعتبار الدعم العلني والخفي الذي يقدمه المحور الغربي – العبري – العربي لهذه الجماعات الإرهابية.
الجدير بالذكر هنا بأن الهدف الأساسي لقيام قوات التحالف الأمريكي بتوجيه ضربات جوية وقيامه بتدمير الجسور التي كان يستخدمها تنظيم داعش الإرهابي للتنقل، هو من اجل خلق عقبات أمام هذا التنظيم الإرهابي لكي يُقلل من سرعة تنقلهم وعودتهم إلى أوطانهم.
في الوقت الحاضر يوجد هنالك الكثير من التقارير والأخبار التي تؤكد بأن الداعمين للإرهاب قرروا نقل بعض هذه الجماعات الإرهابية إلى شمال أفريقيا وبناء ملاذات آمنة لهم في ليبيا وفي المناطق الصحراوية في نيجريا وفي شمال مالي. وسيساعد هذا القرار، اذا تم تنفيذه، في تعزيز الجناح الإرهابي لجماعة “بوكو حرام” في نيجيريا وكينيا والمناطق الأخرى التي سيتم فيها نشرهم، وسيخلق فرصاً جديدة لداعمي الإرهاب في أفريقيا.
وفي سياق متصل نشرت صحيفة القدس العربي المزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع وذكرت بأن تنظيم داعش يُحكم سيطرته على مناطق واسعة ولقد استطاع بناء ثلاثة ملاذات آمنه له في مدينة “بنغازي” و”سرت” و”درنة”. وعلى الرغم من أن الجيش وبعض قوات المقاومة الشعبية تعمل في ليبيا على محاربة هذا التنظيم الإرهابي، إلا أن ذلك التنظيم الإرهابي أقوى منهم بكثير نظراً للدعم المعلوماتي والعسكري الذي يحصل عليه من داعميه.
في الواقع أن الولايات المتحدة كانت خلال العقود الماضية هي “الراعي الأول للإرهاب”، فلقد كانت تقوم بتنظيم وتجهيز ومعالجة الإرهابيين وما تزال تلعب هذا الدور الفاضح إلى وقتنا هذا. وفي سياق متصل ترى حكومة الولايات المتحدة بأن التوصل إلى حل جديد وفوري لنقل الإرهابيين إلى شمال أفريقيا، أمر ذو أهمية كبيرة وذلك نظراً لسرعة ودقة العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش السوري والعراقي وقوات المقاومة الشعبية لمكافحة الإرهاب والجماعات الإرهابية في بلاد الشام.
وبهذا، فإن الإرهابيين ليس لديهم خيار سوى الموت أو الانتقال بسرعة من الجحيم الذي خلقوه، وتجدر الإشارة هنا بأن شعارهم ودعايتهم التي كانوا يخدعون بها ضعفاء النفوس بـ”الولاء بالموت” قد فقدت جاذبيتها الإعلانية في هذه الأيام ولم تعد ذو جدوى. ومن ناحية أُخرى، فإن الضغط المتزايد من جانب البلدان الأوروبية والرأي العام الأمريكي بشأن الآثار المترتبة على عودة هؤلاء الإرهابيين إلى أوطانهم، يضعان داعمي الإرهاب في مشاكل كثيرة ولا تتيح لهم فرصة للقيام بأي شيء. وحتى تلك الخطط السابقة التي كانت تهدف إلى نقل سريع لما تبقى من الإرهابيين إلى ميناء عدن في اليمن، فإنها تواجه عدداً من المشاكل الإجرائية والعملية وعلى الرغم من أن هذه الخطة لم تفشل بشكل كلي، إلا إنها لا تملك أي قدرة تقريباً على استيعاب جميع الإرهابيين المتبقيين.
أن ذلك الشيء الذي ما يزال مخفي عن الرأي العام في العالم، هو ذلك الدور المشترك للمحور الغربي -العبري – العربي الذي يعمل على استبدال الثورات العربية التي تحركت ضد الأنظمة الديكتاتورية والاستبدادية، بحركات كاذبة تهدف إلى إغراق المنطقة العربية في ظلام دامس والعمل على تثبيط هذه الشعوب العربية من الوصول إلى أهدافها التي خرجت من اجل تحقيقها في كلِ من مصر وليبيا وتونس.