بعد أسبوع حافل بـ«الجنون».. كم رأسًا نوويةً في العالم وما الذي يمكنُها تدميرُه؟
متابعات| شفقنا:
يبدو أن حربًا بين دول اعتاد بعضها أن يحرك النزاعات دون أن يظهر في الصورة قد اقتربت في نظر الكثيرين، أطلقت كوريا الشمالية السبت الأخير من أغسطس (آب) 2017 ثلاثة صواريخ باليستية قصيرة المدى على أرض غوام الأمريكية، بعد أن أعلنت مساء الثلاثاء الثامن من أغسطس أنها تدرس بعناية خطة لضرب أرض غوام بصواريخ، وجاء الكشف عن قيامها بذلك في تقرير لوكالة الاستخبارات العسكرية الأمريكية تسرب إلى صحيفة واشنطن بوست، وها هي قد نفذت، وعلى جانب آخر أعلنت هيئة الإذاعة والتلفزيون اليابانية أمس؛ 28أغسطس (آب)، أن كوريا الشمالية قد أطلقت صاروخًا مر عبر أجواء اليابان، وقد أكدت الولايات المتحدة الأمريكية واليابان أنه اختبار لصاروخ باليستي.
وكان دونالد ترامب قد هدد كوريا الشمالية بعد إعلان نيتها، بأنها لو شكلت تهديدًا نوويًا سيقابله بنار وغضب لم يشهدهما العالم من قبل، بعد معلومات من المخابرات الأمريكية بأن كوريا أنتجت رأسًا نوويًا حربيًا مصغرًا، وقال على تويتر: «بعد سنوات عديدة من الفشل، تجتمع الدول لمواجهة الأخطار التي تشكلها كوريا الشمالية، ويجب أن نكون قساة وحاسمين. كل الخيارات مطروحة على الطاولة للتعامل مع التهديد الكوري الشمالي»، ومن الجانب الهادئ ترك وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون إمكانية فتح الحوار قائلًا إن واشنطن يمكن أن تتحدث إلى بيونج يانج إذا ما أوقفت الاختبارات الصاروخية.
اصطدام ثلاث قوى نووية.. أمريكا وروسيا وكوريا الشمالية
أشهرت روسيا هي أيضًا أسلحتها، وفي مرسوم رئاسي جمد بوتين اتفاقية إدارة البلوتونيوم، التي كانت بينه وبين أمريكا بسبب تغير جذري في الظروف، وظهور تهديد للاستقرار الاستراتيجي بسبب أعمال غير ودية من الولايات المتحدة تجاه روسيا، وقال بوتين في مرسومه إن واشنطن غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها بموجب بنود الاتفاق، وأن على موسكو اتخاذ إجراءات عاجلة للدفاع عن الأمن الروسي.
يأتي هذا التهديد وسط قلق متزايد بشأن القدرات العسكرية لكوريا الشمالية، وإدانة الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة دونالد ترامب لخطابات كوريا الشمالية، وبينما يزيد نظام بيونج يانج من توتر الوضع بإجراء تجارب صاروخية، حذر وزير الدفاع الأمريكي بحكومة ترامب جيمس ماتيس، كوريا الشمالية من رد فعل عنيف إذا استخدمت بيونج يانج قوتها النووية، ولكن – حتى الآن – يصرح الجيش الأمريكي بأن صواريخ كوريا الشمالية التي أطلقتها لا تشكل تهديدًا.
تشير البيانات إلى أماكن أخرى عاد فيها توسع الترسانات النووية، ففي ديسمبر (كانون الأول) 2016، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في اجتماع مسؤولي الجيش الروسي إن تعزيز القوة النووية يجب أن يكون هدفًا رئيسًا لعام 2017، ليتوجه له ترامب على تويتر، ويتعهد بدعم قوة أمريكا النووية، حتى يسترجع العالم رشده، بحسب تعبيره.
وتؤجج هذه الخطابات مخاوف بشأن تعاظم القوة النووية في العالم، وفقد القدرة على التنبؤ بتأثير هذه الرؤوس النووية، لطبيعة هذه المعلومات، من سرية وتكتم الحكومات عليها لما بينهم من معاهدات تحد من استخدامها، ولكن يبدو أن العالم فقد سيطرته على انتشار القوة النووية، وهناك ملايين الأطنان من مادة تي إن تي تحت تصرف الجيوش حول العالم.
بالعالم اليوم مجموعة تتكون من 14.900 سلاح نووي، تكفيهم قوتهم لقتل الملايين من البشر ودك عشرات المدن، ووفقًا لإحصاء أجرته صحيفة التليجراف، تقدر المؤشرات القوة التدميرية للترسانات الأمريكية والروسية مجتمعين بنحو 6.600 ميجا طن، ما يساوي جزءًا من عشرة من إجمالي الطاقة الشمسية التي تتلقاها الأرض في دقيقة واحدة، وحسب موقع نوك ماب فإن إسقاط أقوى قنبلة في ترسانة الولايات المتحدة الأمريكية من طائرة B-83 يمكنها قتل 1.4 مليون شخص في الـ24 ساعة الأولى لقذفها، كما ستصيب 3.7 ملايين شخص آخر، ويبلغ نصف قطر الإشعاع الحراري للقنبلة 13 كيلومترًا، وقوتها 1.2 ميجا طن، أي 75 ضعف قنبلة هيروشيما.
يقترب عدد الأسلحة النووية التي تمتلكها الدول حول العالم من 15 ألف رأس نووية، معظمها مملوك للولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، ويقدر عدد الرؤوس النووية الجاهز للاستخدام الفوري بعشرة آلاف رأس، بينما ينتظر البقية إعدادهم للاستخدام العسكري حسب تقرير أصدرته جمعية الحد من انتشار الأسلحة، ولصورة أوضح، يُعتقد أن كل رأس حربي يبلغ ثمانية أضعاف قوة القنبلة الذرية، التى أسفرت عن مصرع 140 ألف شخص في هيروشيما في عام 1945.
وغير أن روسيا والولايات المتحدة الأمريكية هما المسيطران على الحد الأكبر من الأسلحة النووية في العالم، فإنهما يتقاسمان مع باقي الدول 88% من الترسانات النووية بالعالم، وهي النسبة التي قد تصل إلى 93% إذا عددنا الخطط النووية قيد التنفيذ وغير المعلنة.
وتتبع كل من الترسانات الأمريكية والروسية معاهدات تنظم أعداد وأنواع الرؤوس النووية، وتكنولوجيا النقل بطرق آمنة.
أهمها معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، وتعترف المعاهدة للدول الموقعة بامتلاك الترسانات النووية، ولكن لا تسمح ببناء ترسانات جدد، أو صيانتها، والتزمت الدول بشرط القضاء على ما بحوزتها من أسلحة نووية بمرور الوقت، ولكن إذا وسعت أي من الدولتين قدراتها النووية أكثر مما تنص عليه المعاهدة – كما ألمح ترامب وبوتين – يمكن أن تنتهي صلاحية هذه المعاهدة، ويدخل العالم في نفق طويل من الحروب.
ويذكر أن روسيا والولايات المتحدة وقعتا في عام 2010 معاهدة تقليص الأسلحة الهجومية الاستراتيجية، التي دخلت حيز التنفيذ عام 2011، والتي تنص على تقليص عدد الشحنات النووية إلى 1550 شحنة، وتعتبر المعاهدة سارية المفعول لمدة عشر سنوات، ولكن أيًا منهما لم تلتزم بالمعاهدة.
هناك خمس دول تحوز القدر الأكبر من الأسلحة النووية في العالم، وهي (الصين، وفرنسا، وروسيا، وبريطانيا، والولايات المتحدة الأمريكية)، والتي هي نفسها الدول الموقعة على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، وهناك أيضًا أربع دول أخرى تمتلك أسلحة نووية هي (باكستان، والهند، وإسرائيل، وكوريا الشمالية)، وتلك الدول لم توقع على المعاهدة، وبحوزتها حتى اليوم ما يقرب من 340 سلاحًا نوويًا، وفقًا لمنظمة مراقبة الأسلحة، والتي وصفت إحصاءاتها على أنها تقديرات، نظرًا لتحفظ الحكومات على سرية المعلومات المتعلقة بترساناتها.
قوة أخرى تأتي متأخرة ولكنها متحفزة ومستعدة للهجوم لشعورها الدائم بالخطر وهي بريطانيا، التي صممت نظام الردع النووي (ترايدنت)، وستستخدمه إذا دُمرت جميع الدفاعات الأخرى في بريطانيا، ليصبح من الممكن تشغيل ترايدنت ضد المعتدين. وغالبًا ما يشار إليه بأنه رادع، لأن الحكومة تقول إن وجوده ذاته يمنع بريطانيا من التعرض لهجوم بالأسلحة النووية، وترايدنت محمل على غواصات تعمل فقط برسالة أخيرة من رئيس الوزراء تحدد ما يجب على مشغلي ترايدنت القيام به.
في الماضي لم نتخيل مستقبلًا بهذه البشاعة
تمنت الولايات المتحدة الأمريكية احتكار السلاح النووي، ولكن سر صناعتها سرعان ما انتشر، وقد أجرت الولايات المتحدة أول تجربة نووية في يوليو 1945 وأسقطت قنبلتين ذريتين في مدينتي هيروشيما وناجازاكي في أغسطس (آب) 1945، وأول تجارب بريطانيا النووية عام 1952، وفرنسا 1960 والصين 1964، وسعيًا للحد من انتشار السلاح النووي تفاوضت الولايات المتحدة مع غيرها من الدول على معاهدتي حظر انتشار الأسلحة النووية عام 1968، والحظر الشامل للتجارب النووية عام 1996.
بعد أربع سنوات من التجربة الأمريكية وعلى نفس الطريقة أجرى الاتحاد السوفيتي أول تجربة نووية له، فكانت قنبلة القيصر أقوى قنبلة اختبرها الاتحاد السوفيتي، والتي في حالة إسقاطها على نيويورك كان من المقدر أن تقتل 7.6 ملايين شخص، وتصيب أكثر من 4.2 ملايين شخص بالضرر، ويمكن أن تصل تداعياتها إلى مسافة تقارب 7.880 كيلومترًا بسرعة 15 ميلًا في الساعة، ما يصل لملايين أخرى من البشر.
لم توقع الهند واسرائيل وباكستان على أية معاهدة تخص انتشار الأسلحة النووية، رغم أنها تمتلك ترسانات نووية. وبدأ العراق برنامجًا نوويًا سريًا وهو تحت حكم صدام حسين قبل حرب الخليج عام 1991، وأعلنت كوريا الشمالية انسحابها من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية في يناير (كانون الثاني) 2003، ومنذ هذا الوقت وهي تجري تجارب نووية، وقد تابعت إيران وليبيا أنشطتهما النووية في سرية ما يعد انتهاكًا لشروط المعاهدة، ويشتبه في أن سوريا فعلت نفس الشيء، وفقًا لتقرير رابطة الحد من التسلح.
وفي الوقت نفسه الذي تمت فيه معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، كان المخزون النووي لأمريكا والاتحاد السوفيتي يقدر بعشرات الآلاف من الأسلحة. وبداية من السبعينيات اضطر قادة الطرفين للاتفاق على سلسلة من المبادرات الثنائية لتحديد عدد الأسلحة وتخفيضها لاحقًا. واليوم، تنشر كل من أمريكا وروسيا أكثر من 1500 رأس نووي على مئات المئات من القذائف، وتعمل على تحديث برامجها النووية، تحت ضغط الخوف والشعور بالخطر دائمًا.
مستقبل نووي أشد قتامة
تخفي التهديدات الدائرة توترات أعمق تهدد نظام عدم الانتشار النووي، ومن الممكن جدًا أن تسعى بلدان إضافية في الشرق الأوسط إلى الحصول على أسلحة نووية، أو على الأقل منشآت لإنتاج المواد الانشطارية حتى تتمكن من البدء بسرعة أكبر في صنع الأسلحة النووية في حالة اتخاذ قرار بذلك، كما يتخيل إيان ج. ستيوارت وهو باحث رفيع في قسم دراسات الحرب، كلية كينغز في لندن.
يضيف ستيوارت أنه ينبغي أن يوضع في الاعتبار أنه في وقت قريب من منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كانت سوريا تقوم بإنشاء مفاعل جرافيتي لم تعلنه للوكالة الدولية للطاقة الذرية، والآن يرى بعض السياسيين في كوريا الجنوبية أن الوقت قد حان لأن تحصل البلاد على أسلحة نووية لمواجهة التهديد الذي تشكله كوريا الشمالية.
وتتفاقم هذه المشاكل بالحالة الراهنة لنظام عدم الانتشار ذاته، ففي الوقت الراهن، رفضت أكثر من 12 دولة قبول أعلى معايير التفتيش الصارمة على منشآتها النووية، وفضًلا عن ذلك، لم يحرز أي تقدم في المفاوضات بشأن إبرام معاهدة لوقف إنتاج المواد الانشطارية.
وكان الاتفاق الذي تم التفاوض عليه من قبل كل من بوتين وبيل كلينتون، في عام 2000 وتحديثه في عام 2010، ألزم كلا البلدين بالتخلص من 34 طنًا على الأقل من البلوتونيوم في صناعة الأسلحة، وهو ما يكفي لإنتاج حوالي 17 ألف قطعة سلاح نووي، وحينها أشادت وزارة الخارجية الأمريكية بالاتفاق في ذلك الوقت باعتباره خطوة جوهرية في عملية نزع السلاح النووي، ولكن الاتفاق ظل تحت ضغط لبعض الوقت، ولم ينفذ، لنظل حتى هذه اللحظة نتذكر الماضي الأليم في هيروشيما، ونتوقع ربما ما هو أبشع في الأيام القادمة.