قراءة إستشرافية مبسطة لمدلولات الــ ( 24 ) من أغسطس .!!
متابعات | كتب / محمد أحمد الحاكم
تشهد الساحة السياسية في الداخل اليمني تحركاً غير مسبوق من قبل قيادة وكوادر وتنظيمات حزب المؤتمر الشعبي العام صبت جميعها نحو التحشيد الجماهيري الذي سيضم الجانب التنظيمي و الشعبي لكل قيادات و كوادر ومناصري المؤتمر الشعبي العام في عموم الجمهورية , والذي يأتي تحت مسوغ الإحتفال بمرور خمسة وثلاثون عاماً على قيام هذا الحزب وميثاقه الوطني , ونظراً إلى أن هذه الإحتفائية سوف تأتي في ضل العام الثالث لما تشهده الدولة اليمنية من عدوان ( سعودي – أمريكي ) كبير, يطرح بعض المتابعين و المهتمين بالشأن السياسي اليمني الداخلي أو الخارجي , و إلى جانبهم مختلف القوى السياسية بعضاً من الإستفسارات التي لا حدود لها من علامات الإستفهام , خاصة و أنهم يرون ضبابية وشكوك تام حول ما يبرره هذا الحزب نحو سببية قيامه بهذه الإحتفالية . إذ جاءت بعض تلك التساؤلات على النحو التالي :-
* أن هذا الإحتفال لن يكون “فضياً ” أو ” ذهبياً ” و إنما روتينياً كغيره من الأعوام السابقة أو التالية له , وبالتالي لماذا تمت الدعوة بالإحتشاد وعلى مستوى عالً من الإهتمام , ولم تقتصر على إحتفالية رمزية .
* لماذا لم تتم الدعوة لهذا الإحتفال في العام الأول من العدوان 2015م ,أو في العام الثاني من العدوان 2016م , و إنما أتت في العام الثالث من العدوان , رغم معرفة قيادة و كوادر وتنظيمات هذا الحزب بحجم الظروف الصعبة التي تمر به الدولة اليمنية من إنهيار سياسي و إقتصادي و إجتماعي يصعب وصفه .
* ما الدلالات التي يرمي من وراءها هذا الحزب , خاصة و أن هذه الدعوات أتت بعد مرحلة حملات قام بها قيادات و كوادر هذا الحزب بقطع البطائق الإنتخابية لأي فرد من أبناء هذا الشعب يود الإنضمام إلى هذا الحزب .
* من المعلوم سلفاً بأن المؤتمر لم يرتكز منذ إنطلاقه وحتى اليوم على أي أيديولوجية فكرية خاصة به أو مماثلة مع غيره, مثل بقية الأحزاب السياسية التي تشهدها الدول العربية كا الأحزاب الإشتراكية أو البعثية أو الناصرية و القومية أو غيرها , عدى وثيقة وطنية سميت بــ ” الميثاق الوطني ” رعته كافة القوى الإجتماعية و الدينية و الفكرية اليمنية المتعددة و المختلفة , والتي كانت تشهدها الساحة اليمنية آنذاك , تم إعتمادها على أنها الإيديولوجية الفكرية السياسية الأولى و الأخيرة لهذا الحزب , وعلى الرغم من ذلك كله لماذا يتم إعادة الترويج لهذا الميثاق من جديد بالرغم من أنه لم يتم العمل بمقتضى بنوده ومواده , فحقيقة الأمر تؤكد بأنه قد تم تجاهله مدة طويلة من الزمن و الأسباب معروفه .
* هل قضية المتغيرات السياسية التي تعني هذا الحزب والتي ترتكز حول ضرورة إعادة ترتيب و تنظيم صفوف القيادات العليا أو الوسطى أو أي مستوىً آخر نتيجة ما يعانيه من إنشقاقات وتصدعات شملت كافة مستويات هيكله التنظيمي مقدمةً في الإهتمام و التفاعل معها وبدرجة عالية قبل غيرها من القضايا الأخرى , أم أنه كان من اللازم على الحزب كأولوية قصوى تتطلب منه الإهتمام و التفاعل مع ما يعانيه هذا الوطن من ويلات العدوان ( السعودي – الأمريكي ) من تدمير وتخريب وسفك دماء لكل الأبرياء , وتستوجب عليه في أن يقوم برفد الجبهات بالمقاتلين و القوافل المادية و الغذائية وغيرها , وبما يعزز من مستوى الصمود و الثبات والقدرة على مقارعة قوى هذا العدوان ( السعودي – الأمريكي ) ودحره .
بالنظر إلى مجمل التساؤلات التي طرحت آنفاً , ومن خلال متابعة و إستقراء موقف الحزب وقياس مستوى تفاعله وتحركاته حسب ما يراه غالبية المهتمين و المتابعين بهذا الشأن وإلى جانبهم مختلف القوى السياسية , تؤكد جميعها بجلاء بأن سياسة هذا الحزب لم ترقى إلى المستوى المطلوب منها مقارنة مع ما قدمته وما زالت تقدمه وتبذله بقية القوى و المكونات السياسية و الشعبية خاصة في ضل الأوضاع المختلفة التي تشهدها الدولة حالياً , وبناءً على ما تقدم يمكننا إستخلاص بعض التصورات التي قد التي يذهب إليها هذا الحزب في تحقيقها عبر هذا التحشيد الجماهيري , ذلك من خلال سرد بعضاً منها على النحو التالي :-
1- سيحاول المؤتمر من خلال هذا الحشد أن يثبت للعالم أجمع وللداخل على وجه الخصوص مصداقية الرؤية الفكرية التي يمتلكها , وصوابية التوجه السياسي الذي عمل به طيلة فترة سيطرته على مقاليد الحكم منذ توليه وحتى خروجه في العام 2012م , وبالتالي سيتمكن من تعرية كل القوى و المكونات السياسية و الاجتماعية و الثقافية التي انقلبت عليه أثناء العام 2011م عبر تذكيرهم بحجم وخطورة الخطاء و الجرم الذي وقعوا فيه والذي انعكس سلباً على الدولة بشكل عام و عليهم وعلى البقية المتبقية من القوى و المكونات السياسية و الاجتماعية وغيرها .
2- سيحاول المؤتمر أن يعود إلى الساحة السياسية بصورة أقوى من ذي قبل , وبما يمكنه من الإستئثار برأي الشارع اليمني الطامح نحو إيقاف الحرب و تحقيق السلام , إذ من الممكن أن يقوم مجدداً بطرح مبادرة سلام كاملة وشاملة , إما أن تقوم على مقتضى ضرورة إعادة العمل بمضمون الميثاق الوطني باعتباره أنه ميثاق تم تشكيله والإجماع عليه من قبل كل الأطراف السياسية و المجتمعية و الثقافية و الفكرية آنذاك , على اعتباره بأنه أقوى مخرج سياسي يمكن ان يتم العمل به في ضل هذه الظروف , وبما يمكنه من تلافي تنامي وتطور الضغط الاقتصادي الذي يشكله قوى العدوان ( السعودي – الأمريكي ) , والذي من المحتمل أن يبلغ ذروته خلال الفترة القادمة قبيل انعقاد الاحتفال الجماهيري للمؤتمر أو بعده , أو أن تقوم هذه المبادرة وفقاً لملامح سياسية أخرى ستتكشف لاحقاً بُعيد إعلانها .
3- على الرغم من أن المدة والسببية التي جمعت مكون أنصار الله في تحالف سياسي مع حزب المؤتمر والتي وصلت إلى حد الآن عاماً واحداً تقريباً , وكانت من أجل مواجهة قوى العدوان بغية دحره ورفع الظلم عن كاهل هذا الشعب , إلا أن المتوقع حدوثه سيكون مغايراً تماماً لما مضى , خاصة و أن هناك بعض الإرهاصات التي تدلل على رغبة حزب المؤتمر في الإستئثار بصورة منفردة بسلطة القرار في الدولة , متجاوزاً بذلك بقية القوى و المكونات السياسية و الحزبية الأخرى وعلى الخصوص كيان أنصار الله , وما يؤكد صحة تلك الرغبة يمكننا طرح النقاط التالية : –
* إختلاف الرؤى الفكرية و السياسية التي يؤمن ويقوم على ضوئها كلاً منهما على حدة , خاصة فيما يخص الجانب التفاوضي مع قوى العدوان وما قد يحدث فيه من تقديم أي تنازلات حقوقية خاصة أو عامة , وبالذات تلك التي تمس الدم و الأرض , فالمؤتمر يرى وفق رؤيته السياسية التي شاهدناها في أكثر من مرة طيلة ثلاثة عقود من الزمن كأحداث حرب صيف 1994م وقضية ترسيم الحدود ( اليمنية – السعودية ) أو غيرها من القضايا الأخرى , يرى بأنه من الممكن التسامح و التعالي فوق كل الجراحات التي أصابت أبناء هذا الشعب , طالما وأن ذلك سوف يوقف تدفق نزيف الدم اليمني ويحفظ وحدة و استقرار اليمن وشعبه , في مقابل ذلك تأتي رؤية أنصار الله مناقضة لما يذهب إليه المؤتمر , إذ أن ما يؤمنون به يقوم على أن الضمان الوحيد لحفظ وحدة و إستقرار اليمن وشعبه يكمن في عدم التنازل أو التفريط في دماء وتضحيات أبناء هذه الأمة من الشهداء و الجرحى أو في أي شبر من الأرض اليمنية مهما كان حجم التضحيات .
* بناءً على ما يؤمل إليه حزب المؤتمر في الحشد الجماهيري المزمع عقده في الــ ( 24 ) من أغسطس من هذا العام , في أن يشكل هذا الحشد إعلاناً شعبياً صريحاً بموافقتهم على مبادرة المؤتمر سالفة الذكر , وبهذا التأييد سيعتقد المؤتمر بأنه أستطاع أن يضع أنصار الله في مأزق سياسي تكمن مساراته في إتجاهين …..!!
الأول ….. وهو بأنه لو رفض أنصار الله العمل وفق هذه المبادرة , فأن هذا التوجه سينعكس عليهم سلباً لدى الشارع اليمني , وسيتم إتهامهم من قبل الشعب بأنهم دعاة حرب و مستفيدين منها , خاصة وأنهم خلال الفترة الماضية قد تعرضوا لمثل هذه الاتهامات , وسيضلون الطرف الوحيد الذي يرفض ويعرقل كل الحلول السياسية , خاصة إذا ما شهدنا أي موافقة من قبل الأطراف الأخرى الممثلة في قوى العدوان ومرتزقته على هذه المبادرة .
ثانياً…. وهو بأنه في حال وافق أنصار الله بمبادرة السلام المقدمة من المؤتمر , فأنه سيشاع في الشارع اليمني بأن أنصار الله قد تنازلوا عن رؤاهم الفكرية و السياسية الرامية نحو عدم التنازل أو الإهمال والتفريط في دماء كل الشهداء و الجرحى أو في الأرض اليمنية , ووقعوا أيضاً في ذات الوقت في مأزق الإملاءات الخارجية التي ستفرض عليهم .
وحتى أكون أكثر إنصافاً في حق هذا الحزب وبعيداً عما ذهب إليه اولئك المتابعين و المهتمين بمجريات الأحداث الآنية المعنية بشأن هذا التحشيد , وحتى أيضاً لا أقع في نطاق من يهدفون إلى زعزعة كيان و إستقرار العلاقات السياسية السائدة بين القوى الوطنية المناهضة و المقاومة لقوى العدوان ( السعودي – الأمريكي ) ممثلة في المجلس السياسي الأعلى , فقد تحتم عليا الأمر في أن أطرح بعض الرؤى التي تتطلب من المؤتمر الأخذ بها وعدم تجاهلها , إذا ما أراد أن يحفظ لنفسه رصيده السياسي و التاريخي , والتي أطرحها على النحو التالي :-
* يجب على المؤتمر التذكر بأن ما شهدته الدولة خلال الفترات الزمنية الماضية من صراعات سياسية و عسكرية والتي أثرت جميعها بصورة سلبية على الوضع الإجتماعي و الإقتصادي و الفكري وغيرها على البلاد و الشعب على حداً سواء , كان بسبب المنهجية السياسية التي كان يتبعها , نتيجة ما حمله للعديد من وسائل التهميش و الإقصاء وتغليب المصالح الشخصية على المصالح العامة للدولة و الشعب , وبالتالي فأن عليه بالدرجة الأولى إعادة صياغة منهجيته السياسية بما تتلائم مع حقيقة الوضع التي تشهدها الساحة السياسية اليمنية و التي طرأت عليها الكثير من المتغيرات التي لا يمكن لهذا الحزب أن يتجاهلها أو يعمد في إقصائها , خاصة في ضل وجود مكون أنصار الله الذي أضحى قوى بشرية ومادية لا يستهان بها ولها ثقلها في الشارع اليمني برمته .
* يجب على المؤتمر أن يدرك تماماً بأنه لن يستطيع أن يحافظ على رصيده السياسي والتاريخي ما لم يكن هناك إحترام متبادل بينه وبين كل الأحزاب و القوى و المكونات السياسية القائمة في الساحة اليمنية , عبر توطيد وتعزيز أكثر لعلاقات الشراكة التي تجمعهم على حداً سواء , وبما يمكنهم جميعاً من مناهضة ومقاومة هذا العدوان بسهوله ويسر كبيرين .
* يجب على المؤتمر التذكر بأن خصوصية المرحلة التي تمر بها البلاد الآن تستوجب عليه التركيز بالدرجة الأولى نحو الإهتمام بقضية الوطن الأولى قبل غيرها من القضايا الهامشية الشخصية التي تخصه , عبر التفكير حول كيفية مقاومة و دحر قوى العدوان ( السعودي – الأمريكي ) بشتى الوسائل الممكنة المادية و المعنوية .
* يجب أن يدرك المؤتمر تماماً بأن حقيقة الإتفاق السياسي الذي جمعه بمكون أنصار الله وبقية المكونات السياسية الأخرى قد أتى في ضل ظرف إستثنائي ( ثوري ) , صحيح بأن هذا الإتفاق قد عمد قليلاً في تحييد ” اللجنة الثورية ” عن مسارات العمل السياسي , لكنه لم يلغي عنها العمل الثوري , وبذلك فأن أي توجه يقوم به حزب المؤتمر أو أي حزباً آخر, ويكون خارجاً عن أهداف ومبادئ ما قامت عليه الثورة الشعبية التي تكللت في 21/9/2014م , وخارجاً أيضاً عن نطاق الشراكة السياسية المتفق عليها في منصوص الإتفاق السياسي الذي وقع عليه في العام 2016م , فأن ذلك سوف يعيد الوضع السياسي للبلاد إلى ما كانت عليه قبل تاريخ إعلان الإتفاق السياسي .
* إذا كان لدى قيادة المؤتمر الرغبة الحقيقية في إعادة وترتيب هيكله السياسي و التنظيمي فإنه يجب عليه أولاً دحض الرؤية السائدة في المجتمع حول أن حقيقة وجود هذا الحزب من عدمه تكمن في شخص مؤسسه ” علي عبدالله صالح ” وبأن هذه المؤسسة الوطنية الحزبية سوف تغدو في مهب الريح بمجرد رحيل مؤسسها , وبالتالي فأنه يجب على قيادة هذا الحزب إعادة تشكيل البنيوية الهيكلية الداخلية لهذا الحزب في جميع مستوياته وفي عدة نواحي , أهمها تطهير هذه المؤسسة الحزبية من كافة القيادات التي مازالت منضوية حتى اللحظة تحت لواءه , ممن باعت ضمائرها وقيمها ومبادئها و أخلاقها وخانت الوطن و الشعب و الحزب , لترتهن تحت أقدام قوى العدوان , ومن ناحية أخرى يجب فتح المجال الديموقراطي أمام كوادره السياسية و التنظيمية وبما يتيح لهم الإنخراط أكثر في العمل التشاوري السياسي , وبما يعزز وينمي في قدراتهم الفكرية السياسية , وبالدرجة التي لا تتعارض مع السياسات العامة للحزب أو التوجهات العامة للدولة.