لم تعد حرب السعودية وحلفائها على اليمن تقتصر على المواجهة في ميادين القتال وغارات الطيران وقصف البوارج والحصار السياسي والاقتصادي، بل تعدى ذلك إلى محاولات ضرب تحالف المواجهة الممثل بـ «المؤتمر» و«أنصار الله»، بعد أن تيقّن “التحالف” أن مسألة الانتصار على الطرفين مجتمعين صار أقرب للاستحالة، وحتى إن تحقق فإن كلفته ستكون باهظة التكاليف.
كما زاد تصدّع دول «التحالف» وارتفاع الصوت المطالب بالسلام بين أطراف الصراع في الداخل من مخاوف النظام السعودي من خسارة الحرب وبقاء الخطر الذي تعتبره مهدداً لوجودها والمتمثل بحركة »الحوثيين»، لذا فإن مهمة الإيقاع بين شريكي مواجهة الداخل قد تجاوز حكومة هادي والنظام السعودي إلى أمريكا ممثلة بسفيرها وعدد من مراكز الأبحاث الاستراتيجية التي نشرت علناً أهمية فضّ مثل هذه الشراكة .
ولعل العراك الذي يدور بين نشطاء الطرفين على مواقع التواصل الاجتماعي قد شجّع على مضي هؤلاء في مشروعهم مع ما يبدو من تنامي لمثل هذا التلاسن القبيح الذي لم يمنع من استمراره توقيع قيادات الطرفين اتفاق وقف ما يحصل.

وقد يكون صحيحاً وجود خلافات عميقة بين الطرفين في ما له علاقة بإدارة السلطة وطريقة الحكم ومحاولة كل طرف الاستئثار به. إلا أن العجز الذي تبدّى لدى القيادتين في كبح جماح المتطرّفين أو حتى تواطئها، فيما سكّين العدو المشترك تتربّص لجز رقابهم جميعاً، سيرفع من سقف هذا الخلاف إلى حد الصراع والاقتتال ،وبالذات في حال توقف العدوان الخارجي مع ما يمثله ذلك من تهديد لما تبقى من وحدة وطنية، خاصة إذا ظلت الاتفاقات بين الحوثي وصالح ليست أكثر من درء أخطار وقتية وتكتيكات مرحلية حتى يجهّز كل عدته وعتاده لمنازلة نهائية حاسمة.
لذا، فإن القوة التي يمتلكها الطرفان على الأرض تفرض عليهما الاتفاق أولاً على مبادئ عامة يتوجب التأكيد عليها في ما له علاقة بشكل الدولة والنظام السياسي والاحتكام للدستور والقوانين النافذة، بالإضافة إلى تحديد نوع العلاقة بين الكيانين ومساراتها المستقبلية على أسس واضحة لا تقبل التأويل والالتباس أو الارتداد عنها.
لقد دعا رئيس «المؤتمر» في منتصف الشهر الماضي، إلى مصالحة شاملة وجدت ترحيباً يمثل بداية، عقب التفاعل معها ممن هم محسوبون على أطراف الصراع الداخلي، وتفاعل معها عضو مجلس النواب «الإصلاحي» محمد الحزمي، ورحّب به رئيس «اللجنة الثورية العليا» محمد الحوثي، وهو مشروع بدأ يتبلور، ما يوجب على زعيم «أنصار الله» دعمه والسعي لإنجاحه من خلال توافق الأطراف على رفعه من مستوى الدعوات إلى طرح مشروع واضح تتم مناقشته على مستوى المكونات، وإن بعيداً عن أعين «تحالف العدوان» والمناوئين من أصحاب المصالح، من بقاء الصراع قائماً حتى يتم وضع آلية مناسبة لإنجاحه.
لقد تعبت الأطراف من الحروب وتحمّل الشعب ما لم يعد قادراً على المزيد، في الوقت الذي بات الهدف الحقيقي من حرب التحالف الإماراتي السعودي على اليمن أكثر وضوحاً، وبالذات بعد أن أصبح الحديث عن إعادة «الشرعية» ليس أكثر من ذريعة لاحتلال البلد، وبالذات مواقعه الاستراتيجية في البر والبحر.
كما أن المكونات التي تقود الصراع في الداخل تحت هذه الراية قد تأكد لها أن رؤوسها جميعاً مطلوبة مثلها مثل خصومها، وأن القضاء عليهم هو مسألة وقت وتوقيت لا أكثر ولا أقل.
فبينما يتم اليوم ضرب «الحوثيين» و«المؤتمر» بحجة كونهم إنقلابيين، فإن الآخرين ومَن يقاتلون بشرعيتهم الحزبية ستأتي الدائرة عليهم غداً بعد انتفاء الحاجة إليهم، وأول هؤلاء حزب «الإصلاح» الذي يُستهدف ويُقصى اليوم، وحتى قبل أن ينهي مهمته مع ما يقدمه من ولاء وطاعة، وكذلك السلفيون المتهمون بالتشدّد وموالاة «القاعدة» أو «داعش»، وهكذا.
أمام هذا الواقع، ألا يستحق هذ الخطر الذي سيجتث الجميع مراجعة للتحالفات والمواقف والجلوس لنقاش هادئ يبحث في الأسباب للوصول الى حلول لا تقصي أحداً بعد أن علم الجميع أن اليمن بتنوّعه لا يمكن أن يبتلعه طرف مهما بلغت قوته واتكأ على تمثيل مذهبي أو سياسي؟