كل ما يجري من حولك

قصة الأجهزة التي تحكم العالم الإسلامي من الهندي إلى الأطلنطي

494

متابعات| شفقنا:

لطالما كانت أفلام الجاسوسية وعملاء المخابرات الخوارق من بين أكثر الأفلام تحقيقًا للإيرادات وأكثرها مُشاهدة في العالم كلّه.سواء كنت من عُشّاق السينما أم لم تكن؛ سيكون من الغريب لو أنك لم تشاهد ولو عرضًا لأحد أفلام العميل 007 «جايمس بوند» المُتعاون مع جهاز المخابرات البريطانية «MI6»، أو حلقة من حلقات العميل «جاك باور» في سلسلة «24» أو «توم كروز» في أحد مهماته المُستحيلة، أو إحدى حلقات المُسلسل المصري «رأفت الهجان»، وغيرها من الأعمال التي ساهمت في تشكيل صور نمطية لرجال المخابرات وبُطولاتهم في أذهاننا.

وبعيدًا عن عوالم الخيال والقصّ التّجاري، تُعدّ أجهزة المخابرات إحدى أهم الأجهزة التي قامت عليها الدّول تاريخيًا، وحتى يومنا هذا، بل إن إحدى مظاهر سيادة العالم اليوم تكمن في تصدّر قائمة أفضل أجهزة المخابرات في العالم، وهو ما يُبرّر الأموال الطّائلة التي تُفرد لهذه الأجهزة ميزانيةً لتمويل أنشطتها، العلنية منها والخفية أيضًا.

ويُمكن تعريف المخابرات أو الاستخبارات بأنها جهاز ومؤسسة من مؤسسات الدولة تختص بجمع المعلومات وتحليلها، وللمخابرات مهمتين أساسيتين تتعلّق الأولى بجمع المعلومات عن البلدان والمؤسسات الأجنبية وتقييمها، وتتعلق الثانية بالدّفاع عن الدّولة ضد التجسس، والأعمال الأخرى التي تستهدف إضعاف البلاد، وتشارك بعض أجهزة المخابرات في عمليات سرية، أي أنها تتولى بشكل سري أنشطة سياسية مصممة للتأثير في مجريات الأحداث في بلدان أجنبية بهدف تحقيق مكاسب للدّولة.

ولم يكن العالم الإسلامي استثناء من حيث اعتماده على أجهزة المخابرات، فمنذ القدم كان للمُخبرين دور فعال في توفير المعلومة للحاكم، ومع تطوّر الإنسانية تحوّل أولئك الأفراد إلى أجهزة ومُؤسّسات طالما احتفظت لنفسها بدرجات كبيرة من الغموض وأشاعت في النّاس بحكم تصرّفاتها أقدارًا أكبر من الخوف.

كيف نشأت هذه الأجهزة في الدول الإسلامية؟ وكيف تعمل؟ وكيف نجحت في أن تحكم العالم الإسلامي من المحيط الهندي إلى المحيط الأطلنطي؟

الجذور التاريخية للمخابرات في العالم الإسلامي

يُقدّر بعض المؤرخين أن الاستخبار هو أول عمل قام به الإنسان منذ آلاف السنين، باعتبار أنه قام بالاستطلاع والاستكشاف بحثًا عن الأرض المناسبة والماء، أو الصيد ليحافظ على وُجوده، ومع تطوّر الإنسانية وتجمّع الأفراد في مجموعات بشرية؛ أصبح يُرسل أفرادًا لاستطلاع المعلومات وجمعها عن المجموعات البشرية الأخرى المُجاورة له إما لاكتشاف نمط عيشها أو لحماية نفسه من إمكانية مُهاجمتها له أو تمهيدًا لمهاجمتها أو التحالف معها.

ومع قيام الممالك والدول، واندلاع الحروب لسبب أو لآخر، اكتشف الإنسان أهمية معرفة أسرار قوة الخصم أو نقاط ضعفه، دفع هذا عمل الجواسيس والعملاء للازدهار، ويرى كثير من المؤرخين والباحثين أنّ الفراعنة القدماء، كانوا أول من مارس أعمال المخابرات والتجسس في الحرب، في عهد الفرعون تحوتمس الثالث وقائد جيشه «توت»، في أثناء حصاره بلدة يافا الساحلية، عندما أدخل مجموعة من جنده إلى ميناء البلدة داخل الأسوار في أكياس القمح، بهدف إشاعة الفوضى والارتباك في صفوف السكان وفتح ما يمكن من أبواب الحصن للجيش المرابط خارجها.

وورد في «التوراة»، في الإصحاح الثالث عشر من سفر الملوك، أن النبي موسى عندما خرج من مصر، جمع رجاله واختار منهم 70 رجلًا وطلب منهم التوجه إلى أرض كنعان واستطلاعها والتجسّس عليها، قائلًا لهم: «اصعدوا من هنا إلى الجنوب، واصعدوا إلى الجبل، وانظروا الأرض ما هي والشعب الساكن فيها، أقويّ هو أم ضعيف، قليل أم كثير؟ وكيف هي الأرض، أجيدة أم رديئة؟ وما هي المدن التي هو ساكن فيها، أمخيمات أم حصون؟ والأرض أهي سمينة أم هزيلة؟ أفيها شجر أم لا؟ وتشددوا فخذوا من ثمر الأرض»، وعاد عيون موسى ليقولوا: «إن أرض كنعان يتدفق منها اللبن والعسل، وإن سكانها من العمالقة الجبابرة الضخام».

كما ورد في قصص القرآن أن «هدهد» النبي سليمان ذهب يستطلع الجوار، ولما عاد إليه أتاه بنبأ عن مملكة سبأ، فتقول الآية: «فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ» (سورة النمل – آية 22).

الاستخبارات في بداية التاريخ الإسلامي

لم تشهد المرحلة الأولى للدولة الإسلامية ظهور جهاز مخابرات مستقل بذاته، بل جرت العادة أن يُنتدب بعض من الصحابة، لأداء مهمات استخبارية محددة، قُبيل الغزوات أو لتنفيذ عمليات اغتيال، بحق من شكلوا خطرًا على انتشار الدعوة، مثل عصماء بنت مروان، وأبي عفك وكعب بن الأشرف وغيرهم. توسعت مهمات «العيون» في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، لتشمل متابعة أداء الولاة وضبط الأمن داخل المجتمع المسلم الآخذ بالتوسع.

المسلم الحضاري: مشروع ابن حزم الأندلسي نموذجًا (1)

وفي هذا السياق، أشار كتاب «صاحب الخبر في الدولة الإسلامية» لمؤلفيه محمد حسن النابودة ومحمد عبد القادر خريسات، إلى أن إفراد الجهاز الاستخباراتي بمنظومة واضحة قد يكون برز في عهد الدولة الأموية التي نشأت في ظروف سياسية عصيبة، جعلتها تواجه عددًا من التيارات السياسية والدينية النشطة التي لم تدخر وسعًا للإطاحة بها، مما جعل الدولة الأموية تهتم ومنذ تأسيسها بـ«صاحب الخبر»لرصد حركات المعارضة لها من الشيعة والخوارج والعمل على القضاء عليهم.

أما في عصر الدولة العباسية، فقد اختلف أمر المخابرات اختلافًا جوهريًا بحسب ذات المصدر الذي يُشير إلى أن قيام الدولة كان تتويجًا لعمل سرّي منظم استمر سنوات طويلة دون أن تتمكن المخابرات الأموية من كشف مخططاته، وذلك بفضل دقة تنظيمه ووسائل التمويه التي كان يستخدمها في اتصالاته، مثل استخدام التجار وغيرهم، ولهذا فإن العباسيين أنشؤوا منذ بداية حكمهم جهاز مخابرات غاية في الدقة والتنظيم، فحقق الهدف الذي أنشئ من أجله وأحبط مؤامرات كبرى، وكشف عن تنظيمات سرّية مناوئة للدولة تعمل على الإطاحة بها.

وكان العباسيون أول من كلفوا «صاحب البريد» الذي كان يعمل تحت إمرته عدد كبير من العيون المبثوثين في مختلف أرجاء الدولة، والذين كانوا يقدمون له التقارير المفصلة عن أوضاع المناطق المكلفين بها، بإدارة جهاز المُخابرات (وفق التعبير الحديث)، وكان صاحب البريد بدوره يقدّم خلاصة هذه التقارير إلى الخليفة ليرى رأيه فيها.

البصاصون في عهد المماليك

في فترة الدَّولَة المَملُوكِيَّة، برز ما اُصطلح عليه وقتها بـ«البصاصين»، نسبة للمُخبرين الذين يُتابعون كل شيء من أجل حماية مصالح الملك، ومن بين أهم الأعمال الأدبية التي وصّفت بشكل دقيق هذه الفترة وأبرزت الدّور المحوري لمخبري ذلك الزمان، رواية «الزيني بركات» لصاحبها جمال الغيطاني.

بطل الرواية «بركات بن موسى» هو شخصية حقيقية رصدها الكاتب المصري عند مُطالعته كتاب بدائع الزهور في وقائع الدهور للمؤرخ ابن إياس. كان الزيني واليًا على القاهرة، واشتهر بالاستقامة والأمانة وهو الأمر الذي دفع السلطان لإطلاق لقب «الزيني» عليه.

ولأن للسلطة قانونها، وحتى يُحافظ والي القاهرة على ولايته وليبسط سيطرته على أرض مُلكه، احتاج الزيني لأن يطّلع على كل التفاصيل الجلية والمخفية في مدينته، وهنا تظهر شخصية كبير البصاصين الذي سيلعب في كل فصول الرواية دور «عين» الوالي التي لا تنام.

تُشير الرواية التاريخية إلى أن دور كبير البصاصين كان يشبه إلى حد كبير دور أجهزة المخابرات حاليًا، فكان يجنّد أعينًا ترصد له الأحداث كلها، بل كان يبث الاشاعات والفتن بين طوائف الشعب لخدمة مصالح الوالي والسلطان.

هذه الزيجة بين السلطة السياسية مُمثلة في الزيني وجهاز المخابرات مُمثّلة في كبير البصاصين زكريا بن راضي سُرعان ما حوّلت والي القاهرة العادل الأمين إلى وحش قاس يُعذّب مساجينه ويدُس الدّسائس لمن يتعارض وجوده مع مصالحه الشخصية، وما أشبه الأمس باليوم.

وتُصوّر الرّواية التي تحولت إلى عمل درامي دهاليز الصراعات السياسية بين الأجهزة وأصحاب المناصب المختلفة، فعلى الرغم من أن منصب كبير البصاصين ليس سياسيًا بشكل مباشر، إلا أنه يتحكم بطريقة ما في كبار السياسيين بمن فيهم السلطان نفسه، حيث يستطيع كبير البصاصين أن يوهم الجميع، حتى السلطان، بأن أمنهم وسلامتهم وحياتهم تعتمد على المعلومات الأمنية التي يملكها، كما أنه وبحكم امتلاكه للمعلومات عنهم يستطيع ابتزازهم وتهديدهم.

في العالم الإسلامي المعاصر.. المخابرات المصرية نموذجًا

تتعدّد الأجهزة التي تُعنى بجمع المعلومة داخل الدّولة الواحدة وعادة ما يكون هناك جهاز أو في الحد الأدنى قناة لتجميع المُعطيات حتّى تُقدّم لصاحب القرار الذي يبني من خلال ما يُقدّم له موقفًا أو تحرّكًا سياسيًا، للمؤسسّات العسكرية جهازها أو أجهزتها وللمُؤسّسات الأمنية من شرطة وحرس جهازها وأجهزتها أيضًا.

ودائمًا ما يكون الجهاز المُرتبط مُباشرة بالمُؤسّسة صاحبة الوزن الأكبر في مُعادلة السّلطة السياسية داخل بلد ما، رئاسة جمهورية بالنسبة للدول ذات النّظام الرّئاسي أو الملك بالنسبة للأنظمة الملكية أو رئاسة الحكومة بالنسبة للأنظمة البرلمانية أو شبه البرلمانية، دائمًا ما يكون الأكثر تأثيرًا على مُستوى رسم السياسات.

وينقسم مجال الفعل الاستخباراتي إلى مُستويين اثنين بحسب الحضور الجغرافي للمعلومة: أما المُستوى الأوّل فيتعلّق بالشأن الدّاخلي وهو ما وُرث عن الخلافتين العباسية والأموية كما ذُكر أعلاه، وأما المُستوى الثاني فيركّز اهتمامه على المُحيط والإقليم سواء دول الجوار أو باقي دول العالم.

ينقسم جهاز الاستخبارات المصرية إلى ثلاثة أقسام رئيسية: هيئة المخابرات المصرية العامة وتتبع رئاسة الجمهورية، والمخابرات العسكرية وتتبع وزارة الدفاع، ومديرية مباحث الأمن الوطني التي تتبع وزارة الداخلية، وتضطلع الأجهزة الثلاثة بمهمة الحفاظ على الأمن القومي مع تركيز مباحث الأمن الوطني على الوضع الداخلي.

1- المخابرات العامة

أصدر الرّئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر قرارًا رسميًا بإنشاء جهاز استخباري تحت اسم «المخابرات العامة» سنة 1954 عقب حركة يوليو (تموز) 1952 التي أتت به للسّلطة بهدف تقوية الجانب الاستخباراتي لدى الدّولة المصرية.

وكانت الانطلاقة الحقيقية للجهاز مع تولي صلاح نصر رئاسته عام 1957 إذ قام بتحديث وتطوير الجهاز على أسس منهجية وتكنولوجية، كما قام بإنشاء مبنى منفصل وأسس وحدات للراديو والحاسوب والتزوير والخداع.

وبحسب تقرير صادر عن معهد غلوبال سيكوريتي المُختص في الشؤون العسكرية والأمنية، تأسس الجهاز أيضًا لمتابعة الوضع الداخلي وأساسًا للمتابعة اللصيقة للتيارات السياسية المعارضة مثل الشيوعيين والإخوان المسلمين، وهو ما بقي عليه الأمر في عهد السادات ومبارك.

2- المخابرات الحربية

تتبع إدارة المخابرات العسكرية والاستطلاع المصرية، وتعرف اختصارًا باسم المخابرات الحربية، لوزارة الدفاع وتداول على رئاستها عدد من كبار ضباط الجيش، وتختص المخابرات الحربية بمتابعة القضايا المتصلة بالأمن القومي من الناحية العسكرية، أي متابعة وقراءة واستطلاع تحركات العدو وجمع المعلومات الخاصة بتشكيلاته القتالية واستعداداته في حالة السلم والحرب، بالإضافة إلى مسح الواقع الميداني للعمليات العسكرية بما فيها المسح الجغرافي ومطابقتها مع الخرائط العسكرية التفصيلية وتقديم هذه المعلومات إلى القيادة العسكرية والسياسية لتقدير الموقف على الأرض.

3- مباحث أمن الدولة «الأمن الوطني»

أنشئ جهاز أمن الدولة بعد قيام حركة يوليو (تموز) سنة 1952 بديلًا للبوليس السياسي الذي ألغته الثورة، وكُلّف بمتابعة الملفات الأمنية الداخلية وتحديدًا التيارات السياسية المناهضة للنظام مُمثلة أساسًا في التيارات الشيوعية والتيار الإسلامي. ويعتبر جهاز أمن الدولة المؤسسة الأمنية التي تصنع السياسات وتلمع الرموز السياسية (البروباغندا) ومن أهم أدواته الجهاز الإعلامي، ويتمتع هذا الجهاز منذ نشأته بصيت سيء بالنّظر لتاريخه الحافل بانتهاكات حقوق الإنسان والتعذيب المُوجّه أساسًا للمعارضين السياسيين، وتاريخ حافل بأساليب وأدوات التعذيب بحق المعتقلين لا سيما من التيارات السياسية المعارضة والمناهضة للنظام.

كل الأجهزة السابقة تعتمد في عملها على تجنيد العُملاء والمُخبرين سواء كانوا مواطنين عاديين أو صحافيين أو دبلوماسيين وهو ما يُعد من كلاسيكيات العمل الاستخباراتي، ومع تطوّر التكنولوجيا، أصبحت أجهزة التنصت المُختلفة من بين الأدوات الأساسية التي يتم اعتمادها.

قصة المُخابرات الباكستانية.. من بين الأقوى في العالم

عديدة هي التقارير التي تُقدّم سنويًا ترتيبًا لأقوى أجهزة المُخابرات في العالم، إلا أنها لا تُقدّم المُؤشّرات التي تم وفقها هذا الترتيب، ولا تُقدّم أرقامًا دقيقة لميزانية هذه الأجهزة وهو أمر مفهوم باعتبار أن المخفى من أنشطة هذه الأجهزة أكثر بكثير من المُعلن منها، ورغم ذلك، يوجد إجماع بأن المُخابرات الباكستانية تُعدّ من بين أقوى أجهزة المُخابرات في العالم.

وكالة المخابرات الباكستانية «ISI» هي أكبر وكالة مخابرات في باكستان. تأسست بعد الحرب الهندية الباكستانية سنة 1947، وتملك عدة وكلاء في جميع أنحاء العالم، ويُقدر عدد موظفيها بعشرة آلاف موظف وتعمل جنبًا إلى جنب مع مكتب المخابرات الباكستاني (ib) والمخابرات العسكرية الباكستانية (mi) ومهمتها جمع المعلومات وتنفيذ العمليات السرية وتوفير الأمن القومي ولا سيما في الأوقات الحرجة.

ويعتبر جهاز المخابرات الباكستانية (ISI) الفرع الرئيسي، والأكثر قوة ونفوذًا بين وكالات الأمن الباكستانية الرئيسية الثلاث، كما يعتبر الجهاز مسؤولًا عن جمع وتحليل وتصنيف وأرشفة المعلومات الاستخبارية الداخلية والخارجية، إضافة إلى القيام بعملية التنسيق السلس بين وكالات الأمن الباكستانية الرئيسية الثلاث وفروعها المختصة.

فقد هذا الجهاز أهميته في السبعينيات خلال فترة حكم ذو الفقار على بوتو، قبل أن يسترجع دوره سنة 1977 بعد قيام نظام الرئيس الباكستاني الجنرال ضياء الحق، والذي وسع مهام الجهاز ليكون مسؤولاً عن مراقبة الحركات الشيوعية، ثم أعقب ذلك توسيعه بقدر أكبر ليكون مسؤولاً عن رصد ومراقبة الحركات والمنظمات الشيعية في المنطقة بعد قيام الثورة الإسلامية الإيرانية.

وتضخّمت مهام جهاز الاستخبارات الباكستانية في الثمانينيات إبان الغزو السوفييتي لأفغانستان مُستفيدًا من التحالف الباكستاني – الأمريكي الذي نما واشتد عوده في المنطقة الذي مهّد لقيام شراكة عميقة بين جهاز المخابرات الباكستانية (ISI) ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA)، ووفق الخبير والمحلل العسكري والاستراتيجي هشام خريسات، هذه أبرز العمليات التي أشرف عليها هذا الجهاز:

– شن الحرب السرية داخل الهند: وذلك عن طريق تخطيط وتنفيذ الكثير من الصراعات الإثنية والطائفية داخل المدن والمناطق الهندية.

– شن الحرب السرية داخل أفغانستان: وذلك عن طريق دعم حركات المقاومة الإسلامية للوجود العسكري السوفييتي وللحكومات الأفغانية اليسارية آنذاك.

– شن الحرب السرية داخل الصين: وذلك عن طريق دعم حركات مسلمي الإيغور الانفصالية داخل منطقة سينكيانج الموجودة في أقصى غرب الصين .

– شن الحرب السرية داخل الاتحاد السوفييتي السابق: وذلك عن طريق دعم الحركات الانفصالية التي كانت ناشطة في منطقة آسيا الوسطى التي تضم كازاخستان، وأوزبكستان، وقيرغيزستان، وتركمانستان.

– شن الحرب السرية ضد إيران: وذلك عن طريق مساندة الحركات السنية الموجودة في جنوب شرق إيران.

– التجسس على البعثات الدبلوماسية الأجنبية الموجودة في باكستان.

– الدخول في أكبر شراكة استخبارية: وذلك مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ( CIA)، ووكالة الأمن القومي الأمريكي ( NSA )، ووزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون).

– تنفيذ العديد من العمليات الاستخبارية النوعية: والتي كانت في معظمها بالمشاركة مع أجهزة المخابرات الأمريكية، مثل: إدارة شبكات تهريب الأسلحة وتبييض الأموال وعمليات تهريب المخدرات، والمواد النووية المحظورة.

يُذكر أن العلاقات الأمريكية الباكستانية على المُستوى الاستخباري شهدت توترًا غير مسبوق عقب حادثة اغتيال بن لادن، حيث أخفى الجانب الأمريكي عن «شريكه الباكستاني» مراحل الإعداد للقيام بهذه العملية كما أنه لم يستأذن، وفق ما تقتضيه الأعراف الدبلوماسية، قبل القيام بعملية عسكرية على الأراضي الباكستانية، وتتعالى بعض الأصوات في الولايات المُتحدة الأمريكية بالمُطالبة بمُراجعة هذه الشراكة، إذ يعتقد جزء من الساسة الأمريكان أن المُخابرات الباكستانية هي التي أمنت الحماية لبن لادن خشية تعرضها لهجمات القاعدة.

في إيران.. للمخابرات وزارة

قبل الثورة الإيرانية، كان جهاز المُخابرات الأقوى في الدّولة يُسمّى «السافاك» وتمّ تأسيسه سنة 1957 بمساعدة وكالة المخابرات الأمريكية (C.I.A)، وبحسب بعض التقديرات كان يتعاون مع الجهاز ما يناهز 1/7 الشعب الإيراني، وكانت مهمة هذا الجهاز هي قمع المعارضين لشاه إيران ووضعهم تحت المراقبة وتصفيتهم أيضًا، وبعد مغادرة الشاه في يناير (كانون الثاني) 1979، استهدف الحرس الثوري 3000 من موظفي «السافاك» الأقوياء، وأعدم العديد من المسؤولين الكبار بالجهاز، وقام الخميني بحل السافاك نهائيًا عندما تسلم السلطة في إيران في فبراير (شباط) 1979 واستبدل به فيما بعد جهاز «فافاك» أي وزارة المخابرات.

المُخابرات السعودية بين الأمس واليوم

ظهر العمل الاستخباري في السعودية بالتزامن مع معارك التوحيد التي شهدتها معظم مناطق شبه الجزيرة العربية بين سنتي 1902و1932 والتي أفضت نتائجها للمملكة السعودية التي نعرفها اليوم. الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، مُؤسّس المملكة عُرف عنه استعمال «العيون» في فترة الحروب الأهلية التي خاضها وانتهى به الأمر لتأسيس أول شبكة اتصالات لاسلكية تغطي مختلف مناطق البلاد ما سهّل عمليات نقل المعلومات.

لاحقًا؛ برزت الحاجة لتأسيس جهاز يعنى بتوفير المعلومات لصاحب القرار السياسي ويسهر على ما يسمى بالأمن القومي للمملكة فكانت البداية بافتتاح مكتب للاستخبارات تحت مسمى المباحث العامة سنة 1956 قبل أن يتم فصل الاستخبارات العامة عن المديرية العامة للمباحث، في عهد الملك سعود بن عبد العزيز.

وفي سنة 1976، تشكّل تحالف أجهزة استخبارات سري يسمى «نادي السفاري»، وضم هذا النادي عُضوية كل من إيران، ومصر، والمملكة العربية السعودية والمغرب، وفرنسا، وكان الغرض الأساسي من إنشاء هذا النادي التنسيق الاستخباراتي والأمني بهدف التصدي لتعاظم النفوذ السوفياتي والمد الشيوعي في تلك الفترة.

وضم المركز ثلاثة أقسام هي: قسم للسكرتاريا لمتابعة الشؤون الجارية وقسم للتخطيط وقسم للعمليات، وتم اختيار القاهرة لاحتضان المركز، بينما تكفلت فرنسا بتزويده بالمعدات الفنية اللازمة للقيام بأنشطته.

وضمن إطار هذا التحالف، أُنشئ مركز للاتصالات العاصمة الفرنسية باريس، ضم قاعة اجتماعات سرية ومركز اتصال دولي أسفل مطعم فاخر من مطاعم الدرجة الأولى، لكي يكون ستارًا لدخول وخروج الشخصيات المهمة بحرية وأمان، وعقد التحالف عدة اجتماعات في السعودية، وباريس وكذلك في مقر المركز بالقاهرة، وقام رئيس الاستخبارات العامة السعودية كمال أدهم بتحويل بنك تجاري باكستاني صغير هو بنك الاعتماد والتجارة الدولي إلى مكينة تبييض أموال بشراء بنوك حول العالم لخلق أحد أكبر شبكات الأموال السرية في التاريخ، لتمويل العمليات.

ومن بين العمليات التي كُشف عن ضلوع المركز فيها:

تقديم الدّعم للرئيس موبوتو سيسي سيكو في جمهورية الكونغو (زائير في ذلك الوقت) سنة 1977 المعروف بتوجهاته المناهضة للشيوعية في صراعه الداخلي مع الجبهة الوطنية لتحرير الكونغو.

مساندة الصومال في حرب أوغادين (1977–1978) ضد إثيوبيا بعد أن إعلان كل من كوبا والاتحاد السوفيتي دعم الأخيرة.

وفي الحقيقة؛ لم يستطع هذا النادي الاستخباراتي أن يُعمّر طويلا في ظل انسحاب بعض الأعضاء، وحدوث أزمات داخل بعض الدّول مثل إيران عقب ثورتها وسقوط الشاه محمد رضا بهلوي، ونهاية السافاك. بالمُقابل؛ تواصل التعاون الثنائي بين المخابرات السعودية ونظيرتها الأمريكية، وتمت ترجمة هذا التعاون لاحقًا عبر الدّعم الثنائي للمجاهدين الأفغان ضد الاتحاد السوفياتي.

وبالعودة إلى السنوات الأخيرة، كان للاستخبارات السعودية حضور في الملف السوري إذ أكدت صحيفة فاينانشال تايمز في مايو (أيار) 2013، أن المملكة العربية السعودية أصبحت أكبر مزود أسلحة للجيش السوري الحر، وفي ذات السياق؛ كشفت صحيفة نيويورك تايمز أن المملكة قامت بشراء عدد كبير من الأسلحة اليوغوسلافية والكرواتية وإدخالها إلى سوريا عن طريق الأردن وتركيا قبل تسليمها لفصائل الثوار.

ويندرج التدخل السعودي في سوريا ضمن برنامج «تيمبر سيكامور» وهو برنامج سري بين الاستخبارات العامة السعودية، ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية لتسليح المعارضة السورية وتدريبهم، وينص البرنامج على أن تتولى الاستخبارات العامة السعودية تسليح المعارضة السورية والتمويل، في حين تُشرف وكالة المخابرات المركزية الأمريكية على تدريب المعارضة السورية على أسلحة القتال، وفق ما كشفته صحيفة نيويورك تايمز في يناير (كانون الثاني) 2016.

وبالتوازي مع الجبهة السورية، انخرطت السعودية في جبهة اليمن، وقادت التحالف الدّولي ضد الحوثيين، ورغم مُضي سنوات على إطلاق عاصفة الحزم وسنوات على مُحاولات حسم الصّراع في سوريا، فشلت السعودية في تحقيق انتصار في إحدى هاتين الجبهتين، وهو ما يعتبره مُراقبون دليلًا على ضعف المنظومة الأمنية السعودية، والجانب الاستخباراتي جزء منها.

You might also like