موتُ مسيمار يفضَحُ الإماراتيين: هكذا يعذّبون ضحاياهم في «الريان»!
ربما يجهل الكثيرون أنه قبل تعرض مسيمار لحادث الحريق مع ستة من زملائه جراء انفجار مولد كهربائي في ديس المكلا أواخر الشهر الماضي، كان أحد ضحايا الإعتقالات التعسفية والتعذيب الوحشي في سجن الريان السيء الصيت في المكلا.
ثلاثة أشهر قضاها مسيمار في السجن دون أي تهمة موجهة ضده، بل تم اعتقاله بلا أي مقدمات أو سابق إنذار، واقتياده مربوط العينين، ومكبل اليدين، إلى جهة غير معلومة، قبل أن يدرك متأخراً أنه أصبح أحد النزلاء في سجن الريان.
يؤكد أقرباء لمسيمار أنه كان، بين حين وآخر، يسرّب لهم جزءاً من حقائق معاناته في السجن، حيث كان يتناوب على الإشراف على تعذيبه والتحقيق معه شخص إماراتي يُدعى أبو أحمد، وآخر مكنى بـ«الدكتور». كانت جلسات التعذيب من تنفيذ جنود محليين، طالما رجاهم مسيمار، باسم الأخوة والدين والعشيرة، أن يعتقوه دونما جدوى. كانت توسلاته تتلاشى في باحات السجن مثل صدى صرخات صوته وهو يتجرع مرارة التعذيب. جلادوه كانوا يردون عليه بحزم: «نحن مأمورو أبو أحمد».
كشف مسيمار أن معظم من التقى بهم في السجن لم يكن لهم علاقة بالتنظيمات الإرهابية (القاعدة وداعش)، وأنه تم اعتقالهم بناء على وشايات ومعلومات مغلوطة، ومن بينهم أشخاص يشهد لهم الجميع بحسن السيرة والسلوك والابتعاد عن التحزب وحتى رفض الغلو والتطرف، وجميعهم زُجّ بهم في السجن دون محاكمات أو لائحة تهم توجه لهم، ولم يسمح لأقاربهم بزيارتهم على الإطلاق.
ثلاثة أشهر كثلاث سنوات قضاها مسيمار في السجن دون أن يتابع قضيته أو يسأل عنه أحد في مؤسسته الحكومية. الكل تخلى عنه خوفاً من البطش، والدخول في دائرة شبهات قد تفقده مصالحه على الأقل.
ذات نهار، فوجئ بسجانيه يستدعونه لإبلاغه بأنه سيتم الإفراج عنه لأن مدة إقامته في السجن قد انتهت، وبكل برودة دم وهدوء أعصاب، قالوا له: «آسفين، لا يوجد عليك شيء، ولكن سيتم إرجاعك إلى السجن إن أبلغت أحداً بما حصل لك، وصدّقنا لن ينفعك أي شخص حينها مهما كان منصبه».
بعد خروجه، بالكاد لملم بقايا جسده، واضطر للعودة إلى العمل، لأنه كان يدرك جيداً أن لا أحد سيساعده على مواجهة متطلبات الحياة الصعبة. لم يعد مسيمار كما كان في السابق، فقد أصبحت نظراته زائعة، وتفكيره مشتتاً، وخطواته مترددة، يخاف حتى من ظله ويشك في كل شيء تقريباً.
ظل مسيمار خدوماً لمجتمعه كعادته. نشاطه في المؤسسة العامة للكهرباء ظل يتصاعد رغم المرارة التي كانت تنهش صدره، والجراح الغائرة في جسده ووجدانه. وفي الشهر الماضي، توجه مع فريق صيانة من المؤسسة لإصلاح مولد كهربائي بجوار مستشفى حضرموت في ديس المكلا. دخلوا إلى غرفة المولد بأياد عارية وملابس عادية ومن دون أي وسائل للوقاية من الإلتماس الكهربائي أو اشتعال المولدات القديمة أو المشكوك في سلامتها. دقائق معدودات وانفجر بهم جميعاً المولد. توفي في الحال الشاب هاشم الحداد، أما رفاقة الستة فمنهم من سقط إلى جواره جراء الإختناق، ومنهم من خرج إلى الشارع والنار تلتهم جسده. جميعهم أُسعفوا إلى مستشفى البرج في المكلا لتلقي العلاج، ورغم أن مسيمار كان يبدو الأقل تضرراً، إلا أنه توفي بعد ثلاثة أيام من الحريق. حينها، ذاعت بين الأوساط الصحافية في المكلا معلومة شبه مؤكدة عن أن أقاربه اتهموا إدارة المستشفى بإهمال ابنهم ما أدى إلى وفاته.
بعد وفاته مباشرة، بدأ البعض يربط الأحداث، ويزيح جانباً من الغموض الذي شاب الموقف الإماراتي الرافض للسماح لضحايا المولد بالسفر للخارج عبر مطار الريان. بحسب مصادر تحدثت إلى «العربي»، فإن السلطة المحلية أبلغت الجانب الإماراتي بالحاجة إلى نقل الجرحى للعلاج في الخارج، جواً، عبر مطار الريان. تأخُّر الرد الإماراتي فُهم بأنه رسالة رد على طلب السلطة المحلية بكلمة «لا». يبدو أن الإماراتيين فطنوا إلى أن شاباً كان معتقلاً داخل سجنهم من ضحايا الحادثة، وأن سفره للخارج قد يشجعه على الإفصاح عما تعرض له من صنوف وأشكال متعددة من التعذيب.
طبعاً لم يكن لديهم أي استعداد لاستقبال المصابين الستة في مستشفيات أبوظبي، لأنهم أصلاً لا يمثلون أي رقم في حساباتها، ولا يعود عليها علاجهم بأي نفع لا سياسي ولا إعلامي، فكان أن سلمت مسيمار للموت، اعتقاداً بأنها تخلصت من آثار جريمتها، دون أن تدرك بأنها خسرت مرتين: المرة الأولى بعدم كسب التعاطف الشعبي معها لو قبلت بنقل الجرحى عبر مطار الريان الذي تسيطر عليه منذ أكثر من عام، والثانية حين بادرت سلطنة عمان باحتضانهم وفتح أجوائها وأراضيها لاستقبالهم ومعاملتهم معاملة المواطن العماني في مستشفياتها، مذكرة الحضارم بأي العواصم الخليجية أقرب إليهم بروابط أخوية وإنسانية، قبل أن تشكل امتداداً جغرافياً لمجالهم الحيوي.