تتزايد، يوماً بعد يوم، الغارات التي يشنها طيران «التحالف» على المدنيين في تعز بدعوى «الخطأ»، مفاقمة السخط الشعبي على عمليات «التحالف» التي تحصد المزيد من أرواح المدنيين. في الـ26 من شهر مايو من العام الماضي، قصف طيران «التحالف» أحد المنازل في منطقة دار النصر بصبر غرب مدينة تعز، ما أدى إلى مقتل 11 شخصاً معظمهم أطفال ونساء. وقبلها بمدة قصيرة، قُصف منزل في حي المرور، ما تسبب بمقتل 9 مدنيين من أسرة واحدة بينهم نساء وأطفال. كما قُتل وأصيب 21 مدنياً، بينهم 8 أفراد من أسرة واحدة، في غارتين استهدفتا مجموعة منازل لأبناء قرية الهاملي، في مديرية موزع، إحدى المناطق الساحلية غربي تعز.
وعلى الرغم من عدد الضحايا المدنيين المهول والصادم جراء تلك الغارات، إلا أن هناك تعتيماً إعلامياً عليها من قبل «الشرعية»، بل إن الأخيرة تلجأ إلى ممارسات قمعية متعددة بحق بعض المنظمات الحقوقية المحلية التي تعمل على رصد جرائم «التحالف». أكرم الشوافي، رئيس فريق منظمة «رصد» للانتهاكات الحقوقية، كان قد عمل على رصد عدد الضحايا المدنين الذين سقطوا جراء الضربات الخاطئة لطيران «التحالف» في مدينة تعز، منذ بداية العام 2015.
يؤكد الشوافي، في حديث إلى «العربي»، أن «أفراداً من قسم شرطة الجديري يتبعون حزب التجمع اليمني للإصلاح قاموا باقتحام شقته ومصادرة كل الوثائق والأجهزة التي تحوي على انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان في تعز»، مضيفاً أن «تلك العصابة المسلحة قامت بإغلاق شقته بعد مصادرة كل ما فيها ومنعته حتى من مجرد الدخول». 

من جهته، يشير المحلل السياسي، محمد الحميري، في حديث إلى «العربي»، إلى أن «أخطاء ضربات طيران التحالف العربي تزايدت خلال الفترة الأخيرة، وخصوصاً بعد تحرير المحافظات الجنوبية من قبضة الإنقلابيين، حيث تركزت بشكل ملفت في الساحل الغربي لتعز، وتحديداً في الوازعية وموزع والبرح ومقبنة، وهو ما يبرهن بما لا يدع مجالاً للشك أن دولة الإمارات التي تقود قواتها الحرب هناك هي من تتعمد استهداف المدنيين بغرض تشويه صورة التحالف لدى المجتمع الدولي، لكي يطالب دول التحالف بتوقيف الطلعات الجوية، لأن ما تسعى إليه دولة الإمارات هو إحكام قبضتها على الجنوب، ولا يعنيها أي تحرير أو تقدم نحو الشمال». ويلفت الحميري إلى أن «الإمارات هي التي تتولى معظم العمليات العسكرية، وتنفذ الغارات الجوية طائرات إماراتية في تلك المناطق»، مؤكداً، في الوقت نفسه، أن «قيادة الجيش الوطني تتحمل أيضاً جزءاً من المسؤولية بسبب رفع إحداثيات بمناطق آهلة بالسكان».
في المقابل، يرى الناشط الحقوقي، أنس القاضي، أن «أمريكا تتعمد إغراق السعودية بالدم اليمني عن قصد، حتى تتطور المعركة ويزداد الإنفعال اليمني، وهو ما يدر على واشنطن صفقات سلاح جديدة». ويعتبر القاضي، في حديث إلى «العربي»، أن «أطراف التحالف دخلوا الحرب بدون أي قيم أخلاقية، فهم يستخدمون تلك الغارات الخاطئة للانتقام من الشعب بشكل مباشر وعن قصد، من أجل إذلاله وإشعاره بالضعف، وهذا النوع من السلوك العسكري للتحالف شيء وارد جداً ويستخدم منذ الغارات الأولى». ويؤكد أن «التقنية الحديثة التي يملكها التحالف تقلص الخطأ لا ريب، وهو ما يعني أن إعادة تكرار المجازر مراراً، وعدم قيامهم بأي إجراء يعالج المسألة، كل هذا يدعم التحليل الذي يجعلها متعمدة».
بدوره، يقول المحامي عبد الرقيب نعمان، في حديث إلى «العربي»، «إننا نرفض الحرب بالمطلق، ولا شك أن آثارها كارثية ونتائجها تقع على كاهل البسطاء من الناس المغلوبين على أمرهم، حين وجدوا أن بقاءهم على قيد الحياة مرهون بنجاتهم من حماقات من أشعلوا الحرب، وهم يدركون أن هذه الحرب عبث وهمجية ولها عواقب تفوق القدرة الجمعية على مواجهتها». ويجزم نعمان أن «نسبة الأخطاء في تزايد مستمر مع إطالة أمد الحرب، ونحن عندما نصنف الأخطاء كنتيجة لاستمرار هذه الحرب القذرة، فالأولى إزالة السبب بدلاً من البكاء والعويل فوق ركام كارثة النتائج».
إذاً كثيرة هي «أخطاء» ضربات طيران «التحالف» في تعز، وكثيرون هم المدنيون الذين سقطوا بسببها منذ انطلاق «عاصفة الحزم». وعلى الرغم من كل الصيحات المتعالية المنددة بتلك «الأخطاء» الكارثية التي حصدت ولاتزال تحصد أرواح الأبرياء بشكل متكرر، يبدو أن نهاية هذا «الفيلم المأساوي» ليست قريبة، وكأن أرواح اليمنيين أصبحت بلا ثمن.