الحسابات السعودية الإماراتية في ظل تحالفات مختلفة
ومع أن التربّص السعودي باليمن خلق مع دولة آل سعود، إلا أنها المرة الأولى التي تستغل فيها هذه الأسرة الخلاف المذهبي وتشن حرباً تحت هذه الراية التي لم ترفع حتى في الحرب اليمنية السعودية في أواخر ثلاثينات القرن الماضي، على الرغم من أن اليمن كانت تحكم من قبل الأئمة الزيدية، إذ قام الصراع على أساس أطماع التوسّع الذي قاده عبد العزيز بن سعود، وأجبرت فيه الدولة المتوكلية على تأجير نجران وعسير لمدة 99 عاماً، انتهت بعد ذلك بمصادرتها وفقاً لترسيم صادق عليه البرلمان اليمني.
اليوم، لم يكتف النظام السعودي بقيادة حرب شعواء تحت ذريعة إعادة الشرعية، أدّت إلى تدمير كل مقدرات اليمن وبنيته الأساسية، بل يقوم بزرع بؤر تؤسّس لفتن على أسس مذهبية، حيث عمل على إنشاء جيوش قائمة على المنهج السلفي الذي يوالي المؤسسة الوهابية في محاولة لخلق نظام يستمد شرعيته وبقاءه من المرجعية السلفية في محاكاة لتحالف الوهابية مع مؤسس الدولة السعودية الذي ما زال قائماً حتى اليوم .
أبو ظبي أيضاً تبنت مثل هذا التوجه إذ قامت بخلق جبهة عسكرية سلفية تم تأطيرها بما اصطلح على تسميته «ألوية الحزم»، وبذلت الكثير من المال والسلاح لتكن قوة عسكرية ضاربة على الأرض بعيدة عن رقابة وأمر السلطة التي تحارب لإعادتها إلى الحكم مثلما هي بعيدة عن هيمنة حليفتها الرياض، حيث تتولى هي دفع مرتباتها. ومع أن هذه القوة مثلت حساسية للأخيرة كونها صفت ضد هادي الذي تتبناه المملكة، إلا أنها من جهة ثانية قامت بضرب جماعة «الإخوان المسلمين» وهو ما كان سيمثّل إحراجاً لو قامت به قوة محسوبة عليها، باعتبار أن قياداتها هم ضمن المؤيدين للعاصفة وممن ينعمون بخيراتها ويتمتعون بحمايتها.
إلا أنه ومع كل ما بدا وأصبح واضحاً وجلياً من تقصّد «ألوية الحزم» لجماعة «الإصلاح» إلا أن السعودية لم تبدِ غضباً مثلما لم تحاول التدخّل لمنع استهداف «الإصلاحيين».
إذ كان من أول مهامها هو تصيّد المحسوبين على حزب «الإصلاح» الإخواني باعتقال الناشطين وأئمة المساجد في عدن والمكلا، بعد أن كان تم استبعادهم من المراكز الحساسة في السلطات المحلية بالمناطق التي تسيطر عليها، إلا أن كل ذلك لم يتم لصالح تقوية الدولة.
لقد فكر النظام السعودي والإماراتي بمصالحهما وأطماعهما باعتبار أن تواجدهما في اليمن والهيمنة على قراره لن يصبح واقعاً إلا في حال ما كان نظامه السياسي مرتهناً لهما بهذا القدر أو ذاك، وكان البلد مشرذماً وأوصاله مقطّعة تتجاذبه التوجهات ويتقاتل أبناؤه تحت ادّعاءات الأحقية بتمثيل الدين الصحيح الذي يعطي الحق لكل فئة بقتل الفئة الأخرى باعتبارها الفرقة الناجية.
وقد بدأ القتل باسم الله مبكراً في عدن وتعز، التي تشهد كل منهما تصفيات على ادّعاءات كهذه، مثلما لم تسلم منها بقية المحافظات التي تمّت السيطرة عليها من قبل «التحالف»، والذي لم يقدر مع ذلك على تحقيق الهدف الرئيس من الحرب المتمثل بحماية المملكة فضلاً على تحقيق نصر ناجز.
وقد يبدو الأكثر إحراجاً للنظام السعودي، وعلى وجه الخصوص لولي العهد محمد بن سلمان، الممسك بزمام السلطة المطلقة، أنه وبعد كل ما خسرته المملكة من مال وعتاد وجنود، لازال الخطر القادم من جارتها المستضعفة الذي سعت لإبعاده ماثلاً وحاضراً تعبّر عنه صواريخ لم تزل تتساقط على العمق من أراضيها مهددة اقتصادها، كما حصل في الصاروخ الموجّه إلى مصافي النفط في ينبع، أو الصاروخ الآخر الذي استهدف قاعدة الملك فهد الجوية بالطائف خلال أسبوع واحد، والذي سعى النظام لاستغلال الأخير دينياً كما حصل مع صاروخ سابق تم إطلاقه في العام الماضي، وهو سعي سيستمر بغرض خلق اصطفاف عسكري إسلامي سُنّي يحقق ما لم يقدر عليه «التحالف» حتى اليوم، وهو ما لم يعد تحقيقه ممكناً اليوم، عقب ما حدث من تحالفات إقليمية ودولية جديدة لها أجندات وحسابات مختلفة، ليس من ضمنها الانتصار للأفكار المتطرّفة، وإنْ كانت برعاية أمريكية بقصد ضرب إيران.