هل ينتهي مشروع الشرق الأوسط الجديد بهزيمة “داعش”؟
متابعات | تقارير | المسيرة نت | محمد الحاضري:
بشرت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس من تل أبيب في يونيو 2006 بـ “الشرق الأوسط الجديد” لتقسيم المنطقة العربية والذي يشكل العراق وسوريا أبرز محاورة، وبذلك اجتاحت “الفوضى الخلاقة” المنطقة ليخرج من رحمها الجماعات التكفيرية وعلى رأسها ما عرف بالدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام “داعش” التي اتخذت من الموصل عاصمة لها، بيد أن الجيش والحشد الشعبي في العراق نجحا في إسقاط دولة “الخرافة” في 10 من يوليو2017 ، فهل انتهى المشروع الأمريكي؟.
كانت خارطة “الشرق الأوسط الجديد” غير معروفة في المنطقة العربية رغم أنها كانت متداولة في أوساط الدوائر الاستراتيجية، السياسية والعسكرية، والناتو، منذ العام 2006، وقد سُمح بخروجها إلى العلن ربما لتهيئة الرأي العام لتقبل أثارها الكارثية على شعوب المنطقة.
ونشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية نهاية سبتمبر 2013 خرائط للمشروع الأمريكي لتقسيم المنطقة “الشرق الأوسط الجديد” على أساس طائفي وعرقي، وأظهرت الصحيفة نية أمريكا على تقسيم العراق وسوريا إلى عدة دول، دوله سنية تمتد من وسط العراق إلى وسط سوريا، إلى جانب دولة للطائفة العلويَّة فِي الساحل السورِي على المتوسط، على أن يلتئم شمال العراق بالشمال السوري لتكوين دولة للأكراد، بالإضافة إلى دولة للشيعة جنوب العراق.
ظهرت “داعش” في الدولة السنية وفقا للمخطط الأمريكي الذي نشرته الصحيفة، وامتدت من وسط العراق إلى وسط سوريا، وتدفق الآلاف من مقاتلي “داعش” قادمين من مختلف أنحاء العالم عبر تركيا “الحدود الجنوبية” لحلف شمال الأطلسي “ناتو” ليخربوا العراق وسوريا ويهددوا حضارة وهوية دول المنطقة.
وسبق ظهور “داعش” زيارة غير معلنة لرئيس لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ السيناتور جون ماكين في فبراير 2013 للجماعات التكفيرية ومنها قادة جماعة “الجيش الحر”، وللعلم فقد سربت مجموعة قراصنة إلكترونية شهيرة، تحمل اسم “كيبربركوت”، ومقرّها روسيا، في يوليو2015، فيديو من الحاسوب الشخصي لأحد مساعدي السيناتور ماكين، يظهر فيه كواليس تصوير أحد أفلام “داعش”.
فالمقطع الذي اقتنصته المجموعة أثناء زيارة ماكين لأوكرانيا، كشف عن كواليس سينمائية، لتصوير أحد فيديوهات الذبح الشهيرة لـ “داعش”، حيث الذابح الداعشي، والمذبوح الضحية، ممثلان يؤديان دوراً، وليسا واقعيين، إذ يبدو واضحاً في الفيديو الإشراف “الهوليوودي” على التصوير في ستديو سينمائي محترف، وليس في إحدى مناطق سيطرة داعش.
فيما بعد أعلنت القوات الأمريكية دخول الحرب على “داعش” بعد تلكؤ، وأشار الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابة 11 يوليو الحالي أن الأمريكيين قالوا نريد أن نساعد وأن القضاء على “داعش” يحتاج إلى 30 سنة والأقل 10 سنوات، وذلك يعني أن هناك فكرة للاستفادة من “داعش” لتحقيق مشاريع وأهداف معينة لمصلحة الهيمنة الأميركية ومصلحة “إسرائيل”، وأن واشنطن انضمت متأخرة في الحرب على “داعش” لتكون شريكة في “النصر” الذي بدأت ملامحه تظهر من زنود العراقيين وتضحيات العراقيين ودماء العراقيين وصمود وثبات العراقيين.
وعن الدور الأمريكي في المعركة، كشف المستشار في الجيش الأمريكي الكولونيل بات روك، في 2 يوليو 2017، أن دور القوات الأمريكي في معركة الموصل كان يتمركز حول العمل على تفادي حوادث إطلاق النار الصديقة بين القوات العراقية بالإضافة إلى بعض الغارات”.
كشف تصرح روك قدرة الجيش الأمريكي العالية على مراقبة الأرض، بيد أنه أثار تساؤلا وهو إذا كان لدى الجيش الأمريكي هذه القدرة الكبيرة على المراقبة فكيف استطاع “داعش” الانتقال بكامل قواته من شمال العراق قاطعا مئات الكيلومترات جنوبا إلى محافظة صلاح الدين وهاجم وسط تكريت شمال بغداد في الخامس من إبريل الماضي.
اليوم هُزمت “داعش” بيد أن قوات دول حلف “الناتو” وعلى رأسها أمريكا لا زالت متواجدة على الأرض، فقد أنشأت أمريكا 12 قواعد عسكرية في العراق خمس منها بإقليم كردستان، تتوزع كالتالي: “قاعدة قرب سنجار، وأخرى في منطقتي أتروش والحرير، إضافة إلى قاعدتين حلبجة بمحافظة السليمانية والتون كوبري في كركوك”، كما اتخذت القوات الأمريكية قاعدتين في محافظات غرب وشمال العراق أحدهما في قضاء البغدادي وأخرى “الحبانية” في الأنبار، وقاعدة لقواتها في مطار القيارة العسكري جنوبي مدينة الموصل، وقاعدة أخرى عند سد الموصل، وقاعدة بلد الجوية في محافظة صلاح الدين، بالإضافة إلى توجد قوات أمريكية في معسكر التاجي شمال بغداد.
فيما أنشأت فرنسا قاعدة عسكرية في “مشتى نور” المطلة على مدينة عين العرب بريف حلب الشمالي الشرقي، وأنشأت القواعد العسكرية البريطانية عدة قواعد أحدها جنوب سوريا قرب الحدود العراقية الأردنية، وأخرى في محافظة ميسان جنوب شرق العراق وقاعدة أخرى قرب البصرة، بالإضافة إلى تواجد القوات التركية في مناطق شمال العراق في منطقة بعشيقة شمال الموصل.
تراجعت حدة الخوف من “داعش” بيد أن الخوف على مستقبل العراق لا يزال مستمرا في الصعود، ويلخص الكاتب عبد الباري عطوان في مقال له نشره في الثامن من الشهر الحالي أبرز هذه المخاطر، ومنها كيف سيكون مصير تحالف القتال ضد “داعش”، وهل سنشهد صدامات من نوعٍ آخر، بالتزامن مع إعلان زعيم كردستان العراق مسعود برزاني عن الاستفتاء على الاستقلال في سبتمبر المقبل، واتخاذ كركوك الغنية بالنفط العاصمة الاقتصادية للدولة الجديدة، وهل سيكون ذلك رصاصة البدء في تفكيك العراق وتقسيمه على أسس “مذهبية وعرقية”؟ وهل سنشهد حربًا أكثر دموية بين العرب والأكراد؟ بالإضافة إلى ذلك ماهو مصير القوات الأجنبية المتواجدة على أرض العراق؟ والتي جاءت تحت ذريعة تحرير الموصل من “داعش”، هل سترحل هذه القوات؟ أم أنها ستستمر وتخوض حروبًا للدفاع عن الدولة الكردستانية، هذا بالإضافة إلى ما يتردد عن أطماع تركية في الموصل.
كما أن إعادة الموصل وحدها يحتاج إلى مليارات الدولارات، وإعمار العراق كله يحتاج إلى ستين مليارًا، حسب أكثر التقديرات محافظة، وخزينة العراق خاوية تمامًا بسبب الفساد والسرقات، فمن أين ستأتي الأموال؟، وما هي التنازلات والشروط التي يريدها المانحون مقابل أموالهم؟.
فيما يبدو أن مشروع التقسيم الأمريكي للمنطقة لا زال قائما، وسيبتكر طرقا وأساليب جديدة لتنفيذه، يقول السيد حسن نصر الله “نرجوه من العراقيين أن لا يكتفوا بانتصار الموصل وأن تبقى أولويتهم تطهير بقية الأرض العراقية “المقدسة” من التواجد الإرهابي التكفيري من أن يقوم من جديد ويمتد من جديد، فهناك من سيحاول إشغال العراقيين بأمور أخرى”.