أثار إعلان ولادة «المجلس الإنتقالي الجنوبي»، في 11 مايو 2017، بشكل مباغت وغير متوقع، ردود فعل كثيرة ومختلفة، بيد أنها اتسمت بالتماسك، لاسيما على المستوى الداخلي في الجنوب، وردود فعل متباينة على مستوى اليمن بشكل عام، في الوقت الذي لم تؤيد فيه أو ترفض أي دولة هذا الإعلان، وهي خطوة يبدو أنها أربكت الداخل على المستويين السياسي والأمني، ووضعت كثيراً من الإحتمالات المبنية على أساسها. بعد ذلك، اجتمع الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، بحكومته في الرياض، وأعلنوا بياناً باهتاً رافضاً لهذا المجلس. كما أعلن رئيس الحكومة، أحمد عبيد بن دغر، بعدها بفترة وجيزة، أن هذا المجلس «خطوة انقلابية وقد تم احتواؤها»، غير أن المجلس يقول إنه ماض نحو الأمام لتحقيق الأهداف التي رسمها.
في استطلاع الرأي هذا، نحاول الإطلاع على آراء المثقف الجنوبي ووجهة نظره إزاء المجلس، وكيف يقيم ما أنجزه حتى اللحظة؟ وما المستقبل الذي يراه له؟ وما المأمول منه؟ بعض المثقفين استجاب لطلبنا، فيما اعتذر بعضهم الآخر نظراً إلى حساسية الموضوع من جهة، وبحجة عدم الخوض في شؤون هذا المجلس من جهة أخرى. وبالرغم من ذلك، استطعنا الحصول على آراء عدة تتراوح ما بين التفاؤل والتشاؤم والحذر.
يقول الدكتور عبد الكريم أسعد قحطان إن «المجلس الإنتقالي يمثل صوت من يريد استعادة الدولة المنهوبة؛ لأنه يمثل المظلومين الذين قهرتهم سلطة الفساد التي استثمرت الوحدة للفيد وقضت على حلم الوحدة الحقيقي». ويضيف أن «المجلس الإنتقالي جاء كردة فعل طبيعية لدور المقاومة في رفض التمدد الحوفاشي من جهة، وظلم السلطة الشرعية التي استفادت من فعل المقاومة وما تزال تُمارس دور عفاش في المناطق المحررة؛ فهي تحارب استقرار المناطق المحررة وتقدم نموذجاً مخزياً لوظيفتها»، ويرى أن «دورها لا يختلف عن دور السلطة الفاسدة التي أنشأها عفاش للقضاء على معنى الدولة وتحويل الوحدة إلى مجال استثمار أناني للمتنفذين». ويشير إلى أن «مشكلة الجنوب ليست مع الوحدة ولا مع الشمال، بل مع السلطة التي حولت اليمن إلى حقل استثمار للفساد، وقد كان الجنوب أكثر عرضة للغبن والقهر لأنه قدم للوحدة مكتسبات دولة، وخسرها وخسر مستقبل أبنائه، بل تعرض بسببها إلى محاولة طمس هويته وتاريخه الوطني، وصار في نظر الفساد الحاكم وإعلامه نكرة ينبغي محوها من التاريخ».
ويشيد قحطان بـ«المجلس الإنتقالي»، ويرى أنه «معني أولاً بتوحيد صوت المقهورين، ومعني ثانياً بتحديد برنامج واضح لعمله في ظل الظروف المعقدة التي يختلط فيها المحلي بالإقليمي بالدولي، ومع واقع الحرب الذي فشلت فيه الشرعية في إثبات وجودها، ومقاومتها غير المبررة لما تنجزه المقاومة في الواقع الفعلي. وربما كان بيان اللقاء الأول الذي عقده المجلس الإنتقالي في عدن قد أوضح المثير من هذه الأمور، وأنا أراه يسير في الاتجاه الصحيح». وحتى يستمر «المجلس الإنتقالي» في البقاء، يعتبر قحطان أنه «ينبغي أن يظل مفهوم استعادة الدولة التي تستوعب الجميع حاضراً في وعيه، ولا معنى لأي تحرك سياسي بدون تبني هذا المفهوم، وهو المفهوم الذي يواجه به القوى المتشرعنة وأزلامها العفاشية». 

أما الكاتب، صلاح السقلدي، فيعتقد أن «مجرد عقده لأول اجتماع له يُعدّ إنجازاً لا بأس به، إذا ما أخذنا بعين الإعتبار العراقيل التي وُضعت في طريقه، سواء من قبل قوى في الداخل أو في الخارج، والتهديد والوعيد بحق أعضائه، فقد وصل الأمر برئيس الحكومة أن يخير المجلس وكل الجنوبيين المؤمنين بالقضية الجنوبية بين القبول بمشروع الرئيس عبد ربه منصور (مشروع دولة الستة أقاليم) الذي تم تغييب الجنوب عن المشاركة في صياغته، فضلاً عن أن الجنوب، أو بالأصح الأكثرية من الجنوبيين، نخباً ومواطنين، قد حزموا أمرهم نحو مشروع استعادة الدولة، أو بين أن يعودوا إلى تحت سيطرة قوات الحوثيين وصالح، بل وصل الأمر برئيس الحكومة (بن دغر) إلى أن يجنح صوب إثارة شرر الفتنة بين محافظات الجنوب، ودق إسفين بين مواطنيها ونخبها وثوارها، مستدعياً الخلافات الجنوبية القديمة».
ويعتبر السقلدي أن الأسلوب المتبع من قبل رئيس الحكومة هو «أسلوب اليائسين الذين لا يكترثون لخطورة ما يقومون به، برغم المناصب الرسمية التي يشغلونها والتي تحتم عليهم أن يكونوا أكثر من غيرهم حرصاً على استتباب الأمن بالمدينة (عدن)، لكن المجلس الإنتقالي الجنوبي، بقراره نقل الفعالية إلى المعلا، كان أكثر حرصاً من بن دغر وحكومته، بعدما شاهد المجلس أن ثمة مكيدة وبوادر فتنة تنسج خيوطها خلف الحجب». ويضيف أن «المهام أمام المجلس ما تزال كبيرة جداً، ناهيك عن المؤامرات التي تحيق به من الجهات الأربع. جزء كبير من هذه المؤامرات يُنفذ للأسف بأيادٍ جنوبية، بعضها عن جهالة وبعضها من منطق المكاسب الشخصية والمناصب والامتيازات، التي تصبغها عليهم شرعية هادي وقوى أخرى». ويؤكد أن «فعاليتي خور مكسر والمعلا دليل على أن المؤامرة تتدحرج على رؤوس الجميع ككرة نار كبيرة لافحة. ومع ذلك، فالأمل بمستقبل أفضل ما زال زاخراً بالقلوب، وفي أعماق النفوس، برغم صعوبة الأوضاع وتعقيداتها، وبرغم غموض المواقف الإقليمية والمحلية حيال القضية الجنوبية».
أما القاص، صالح بحرق، فيقول: «إن المجلس الإنتقالي الجنوبي يشكل انعطافة تاريخية لتأكيد حق الشعب الجنوبي في قيام دولته المستقلة المشروعة بعد فشل ما يسمى بالوحدة اليمنية، وهو مرحلة سياسية انتقالية إلى الدولة الجنوبية ذات النظام والقانون، والتي تمثل تطلعات أبناء الجنوب إلى الحرية والاستقلال». ويلفت إلى أن «ما أنجزه المجلس الإنتقالي حتى اليوم بإصدار بيانه الذي تضمن رؤيته وسياسته وتشكيلاته لأمر يستحق الإشادة، بالرغم من تربص أعداء الجنوب، إلا أن المجلس الإنتقالي قد نال استجابة كثير من قطاعات الشعب الجنوبي، مما يؤكد أنه الضمانة الأكيدة لنجاح الثورة الجنوبية وقوى التحرر والاستقلال». أما من حيث النواقص التي على المجلس القيام باستكمالها، فيشدد على أن «كل مشروع تحرري نضالي مصيري تكتنفه كثير من الصعاب بقدر الآفاق التي يفتحها، وتتمثل هذه النواقص في الجوانب السياسية والإقليمية والدولية، وإنضاج وتهيئة الظروف الذاتية والموضوعية».
ويصف الشاعر، رياض عقيل بونمي، من جهته، «المجلس الإنتقالي» بأنه «شيء انتظره الجنوبي كثيراً، ويرحب به أجمل ترحيب». ويشير إلى أن «ما أنجزه هذا المجلس ليس إلا الشيء اليسير، ولعل عذره أنه التفت إلى الخارج». ويعبر عن تفاؤله بأنه «سوف يحقق المأمول ولو بشكل تدريجي». ويذكر من أبرز نواقصه «القصور الإعلامي، وعدم اتضاح رؤيته حول الشرعية، وارتهان حركته بالخارج»، ويطالبه «بالموازنة بين التنسيق في القرار ورغبة الشارع».
غير أن الشاعر، أبو بكر باجابر، له رأي مخالف؛ إذ يعتقد أن «الإنتقالي الجنوبي يمثل الخطوة الأهم في مسارنا النضالي، ولكنها إلى اللحظة خطوة مجهولة المستقبل»، مضيفاً أن المجلس «لم يقم على قدميه اللتين ينبغي أن يقوم عليهما لينجز شيئاً يعبر عن الطموح، وكل ما نشاهده لا يحقق المأمول منه بقدر ما يحقق ما يريد هو». ويعتبر أن من أهم نواقصه «أنه لا يجيد الفعل السياسي، ويتوجه إلى السياسة الخارجية، ولا يدرك أنه فعل ثوري يتوجه إلى الجماهير والمضطهدين».
أما الدكتور، سامي عطا، فيقول: «لا أظن أن المجلس الإنتقالي الجنوبي سيحقق أي تطلعات مأمولة؛ لأنه مجلس ارتضى أن يكون قفازاً وورقة تتقاذفه المصالح الإقليمية يرتمي من حضن إلى حضن، ومصالح الناس مغيبة فيه». ويشير إلى أن «أزمة الجنوب منذ الإستقلال عن بريطانيا في 67 أزمة استقلال الإرادة، ومن دون إرادة مستقلة أو السعي نحو تشكيلها في الواقع وبنائها، يستحيل أن تقام دولة قادرة على الصمود والبقاء، فالدولة إرادة جمعية حرة أو تسعى لأن تكون حرة». ويشدد على أن من «يرهن إرادته ويعول على غيره يستحيل أن تكون لديه القدرة على تكوين كيان سياسي بمعزل عن الهزات والأعاصير؛ لأنه يكون عرضة للمتغيرات، وما تراه من أزمة في الأنظمة العربية، هذا لأنها أنظمة ترهن وجودها وبقاءها بالعامل الخارجي، وتستمد شرعية وجودها من إرضاء هذا الخارج على حساب مصالح البلاد وناسه وعلى حساب مستقبلهم، وكلما شهد هذا الخارج أزمة، فإنها لا محالة ستتعرض لأزمة حادة». ويتابع أن مشكلة اليمن هي مشكلة تبعيتها للخارج، مؤكداً أن «اليمن ونخبه السياسية قد رهنوا البلد لتبعية تابع، ولا زالت هذه النخب تستمرئ هذه التبعية، ولا حل أمامنا ليتعافى الوضع إلا بالخروج من تحت عباءة تبعية التابع، وبالتالي السعي إلى أن نتحصل السيادة الكاملة».