خطّة أمريكية لتكرار سيناريو “خان شيخون”
متابعات
تواصل واشنطن سياسة اللعب على الحبال السوريّة. فبعد إعلان وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، نقلاً عن ثلاثة مصادر دبلوماسية ” إن مصير الرئيس السوري بشار الأسد حالياً في أيدي الروس، وإن أولوية إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حالياً تقتصر على هزيمة تنظيم داعش”، عادت الخارجيّة الأمريكية لتقول ” إن سياستنا الشاملة نحو سوريا لم يطرأ عليها أي تعديل، وإنما خضعت بعض المفردات لصياغة أخرى”.
ورغم إيعاز البعض اللغموض الأمريكي تجاه الأزمة السوريّة إلى الخلافات بين البيت الأبيض والخارجيّة من جهة والبنتاغون من جهة أخرى، وفيه الكثير من الصحّة، إلا أن الغموض الأخير يعدّ لعبة أمريكية “مكشوفة”، قد تسعى واشنطن لاستتباعها بتحرّكات في الميدان السوري.
ما يعزّز رؤية الغموض، وليس الخلاف في التطوّرات الأخيرة، هو صدور الموقفين عن الخارجية الأمريكي نفسها، الموقف الأوّل صدر عن تيلرسون في كلامه مع للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، خلال اجتماع نظّمته وزارة الخارجية الأسبوع الماضي. ليس ذلك فحسب، بل إن الرئيس الأمريكي الذي لطالما حاول تبرئة ساحته من التواصل مع روسيا إبان الانتخابات الرئاسيّة، وكذلك الأمر بالنسبة لتدخّل الأخيرة في الانتحابات، عاد ليقرّ قبل ساعات على انطلاق قمّة العشرين التي سيتخلّلها لقاء مرتقب بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين “بأن روسيا ربما تدخلت في انتخابات الرئاسة 2016 التي أتت به الى السلطة، إلا أنه قال إن دولا أخرى ربما تدخلت أيضا”.
الموقف الأمريكي الأوّل، تيلرسون، والاخير، ترامب يهدف لمحاولة ابتزاز موسكو من قبل واشنطن والحصول على مكاسب أكبر من بوتين في اللقاء المرتقب بين الجانبين، إلا أنّ أحد تجلّيات هذا الغموض والكسب السياسي كشفت عنه المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، مشيرةً إلى أن الإرهابيين في سوريا يخططون لاستفزازات كيميائية تمثيلية بهدف التبرير لغارات أميركية على الأراضي السورية.
وقالت زاخاروفا في مؤتمر صحفي: “حسب المعطيات الموجودة، تخطط مجموعات إرهابية سورية لتمثيليات استفزازية باستخدام مواد كيميائية سامة للتبرير لضربات أميركية على مواقع للقوات السورية الحكومية”، مؤكدةً موقف بلادها الداعي إلى إجراء تحقيق شامل في حادثة خان شيخون، كما في “الاستفزازات الكيميائية” في سوريا.
واللافت في تصريحات زخاروف هو ما أعلنته عن نقل داعش من الرقة الى المناطق الواقعة تحت سيطرته في دير الزور ورش لتصنيع الذخائر، بما في ذلك ذات حشوات تحتوي على مواد كيميائية، تحت أنظار القوات الأمريكية خاصّة أن التحالف اعلن عن حصار الرقة.
لا شكّ أن سماح واشنطن لداعش بنقل هذه الأسلحة، يعدّ تواطئاً مع هذه الجماعات على أقلّ تقدير، إلا هناك ما هو أبعد من ذلك، حيث قد تعمد واشنطن لاستخدام أي قصف كيميائي من قبل التنظيم الإرهابي على المدنيين في الرقّة ودير الزور، أو على الاكراد، لاستخدام الأمر كذريعة بغية تبرير أي عمل عسكري تجاه الجيش السوري. وفي حال حصول هذا السيناريو تكون واشنطن قد استخدمت الذريعة الكيميائية التي تحضر عندما يُراد تبرير أيّ عمل عسكري، لدعم داعش كما استخدمتها في السابق لدعم جماعات مسلّحة اخرى بغية تغيير المعادلات الميدانية بما يصبّ في صالحة القوّات المناوئة للجيش السوري.
إلا أنّ واشنطن لا تنتظر ضربات داعش الكيميائية، بل تعمد إلى إيجاد سيناريوها غير واقعية، لم تثبت حتّى كتابة هذه السطور كما حصل في خان شيخون، لتنفّذ ضرباتها ضد قوّات الجيش السوري الذي توعّد بالرّد على أي ضربات جديدة،كما حصل في مطار الشعيرات، وقبلها في دير الزور. كبير مفتشي أسلحة الدمار الشامل في العراق سكوت ريتر ردّ على الهجوم الذي تعرّض له الكاتب الأميركي سايمور هيرش على خلفية تقريره حول حقيقة ما حصل في خان شيخون منطلقاً من نظرية لأرسطو لدحض مسار التحقيقات وكشف دور منظمة “الخوذ البيضاء”، نكتفي بهذا القدر.
عودءاً على بدء، يبدو من خلال التصرّفات الأمريكية أن تجربة خان شيخون قد تتكرّر، ودون إبراز الوثائق أو حتى إثبات ما حصل سابقاً، وربّما تلجأ واشنطن بعد التهديد الروسي إلى داعش، أي أنها توعز لداعش باستخدام هذه المواد بغية إثباتها للخبراء، إلا أنها تعمل على رمي التهمة في ملعب الجيش السوري لتبرّر أي تصرّف عدائي. ولكن يبقى ردّ الفعل الروسي مجهولاً ، وكذلك الامر بالنسبة لدمشق التي خاطبت واشنطن مؤخراً بالقول “إنّ أيّ رد فعل على أي اعتداء لن يكون كالسابق”.
لا يقتصر الهم الأمريكي من السياسة المتّبعة حيال الأزمة السورية على نسف مفاوضات الأستانة، والحل السياسي بشكل عام، بل هناك رهان أمريكي على الخيار العسكري ليس للأزمة السورية بواقعها الحالي فحسب، بل بسياسية عسكرية تجعل جميع الاطراف في مواجهة الأخرى. إضافة إلى الواقع الحالي هناك دأب أمريكي على إشعال حرب عربية تركيّة، تركية كردية وعربية كرديّة، فما هو السيناريو الأمريكي الجديد في سوريا؟