بين الرياض والدوحة… «الإصلاح» يلتزم «التقية» ويخشى الانكشاف!
هذا الصمت لا يعني الحياد، ولا يخفي «التقية» التي ينتهجها «الإصلاح»، والتي أزاحت الستار عنها القيادية في الحزب، توكل كرمان، بمنشور في صفحتها الرسمية في «فيسبوك»، حيث كتبت: «لمن يسأل عن موقف حزب الإصلاح من حصار قطر أقول: هناك إجماع إصلاحي بالتعاطف التام مع قطر ولا تصدقون من يقول غير ذلك». وبعد ساعات قامت توكل بحذف المنشور.
مصدر مقرّب من قيادة «الشرعية» في الرياض كشف، لـ«العربي»، عن اجتماع عقدته قيادات الأحزاب المصطفة مع «الشرعية» لإصدار بيان يؤيد القرارات التي اتخذتها السعودية والإمارات ضد قطر، بطلب من الرئيس هادي. وفي الاجتماع الذي عقد مساء الجمعة الماضية، قال المصدر إن أمين عام حزب «الإصلاح»، عبد الوهاب الأنسي، رفض رفضاً مطلقاً إصدار أي بيان، مطالباً بأن يُترك الأمر لكل مكوّن ليتخذ ما يراه مناسباً ومتفقاً مع موقفه. وأضاف المصدر، أن أمين عام التنظيم الناصري، وكذا أمين عام الحزب الإشتراكي، غادرا الإجتماع غاضبين بسبب رفض الآنسي إصدار البيان.
مدير مركز «سبأ» للدراسات، الدكتور أحمد عبد الكريم سيف، قال، لـ«العربي»، إن «الإصلاح مارس الإزدواجية كثيراً، ولعب على المتناقضات، لكن المعادلة اليوم تغيّرت مع الأزمة الخليجية، إذ يجد الحزب نفسه في مثلث برمودا، فلا هو بقادر على التخلي عن قطر، ولا إبقاء علاقة سوية ونافعة مع السعودية والإمارات، ولا يمتلك القدرة على الاستمرار في رهن الرئيس هادي وابتزازه».
تحالف «الإخوان»
فجر الخميس الماضي، قصف طيران «التحالف» الذي تقوده السعودية منزلاً في صنعاء، وقتل امرأة مع 3 من أطفالها، ولأول مرة سلّطت قناة «الجزيرة» القطرية الضوء على الجريمة، وقتل «التحالف» للمدنيين في اليمن، ليتفاعل ناشطو «الإصلاح»، الذين جعلوا من استهداف المنزل وقتل المرأة مع أطفالها قضية رأي عام، متوحّدين في موقفهم بأن التدخّل العسكري لـ«التحالف» في اليمن خرج عن هدفه، وأن عملياته لن تعيد «الشرعية»، وإنما تخدم «الإنقلابيين».
الباحث المتخصّص في شؤون الجماعات الإسلامية، عبد الرزاق الجمل، قال إن «موقف الإصلاح من أي قضية هو ما يتداوله ناشطوه في ساعاته الأولى قبل أن يطوف عليها طائف من أبو فأس»، في إشارة إلى رئيس الحزب، محمد اليدومي.
مواقف ناشطي «الإصلاح» من الصف الثاني تكشف المستور في كثير من القضايا، وتضع قيادة الحزب في مأزق. الناشط والكاتب «الإصلاحي»، مروان الغفوري، يوضح ذلك بقوله: «اهتز الإصلاح من داخله كثيراً ولا يزال حتى الساعة يهتز، فهو مركب غير مستقر، ففي حين تنتمي قيادة الصف الأول إلى المدرسة الدينية السعودية، فإن القيادات المتأخرة تخرّجت من كليات الإعلام وكليات الدراسات الإنسانية في جامعات الشام وشمال أفريقيا».
الغفوري، الذي حاول فرز «الإصلاح» إلى تيار محافظ وآخر منفتح على الآخر، يؤكد حقيقة التزام جميع منتسبي الحزب بقاعدة الولاء للتنظيم الدولي لـ«الإخوان المسلمين»، بقوله إن «الإمارات والسعودية تطالبان قطر بالابتعاد عن الإخوان، ونحن نطالب الدولتين بالابتعاد عن دعم ورعاية الحركات السلفية الراديكالية»، مضيفاً أنه «إذا كان الإخوان يشكلون خطراً على أنظمة الحكم، فإن التيارات الوهابية تشكل خطراً على استقرار المجتمعات».
تناقض المواقف
مع ذلك، يتظاهر «الإصلاح» بالغباء السياسي، ويحاول لعب دور مزدوج إزاء الأزمة الخليجية. فبالرغم من تصريح الأمين العام المساعد للشؤون السياسية في الحزب، وزير التخطيط في حكومة الرئيس هادي، الدكتور محمد السعدي، بتأييده لقرار «الشرعية» قطع علاقاتها مع قطر، وتأكيده لصحيفة «الشرق الأوسط» أن «هذا أمر مفروغ منه ولا نقاش فيه، ومصيرنا ومصير الشرعية واحد»، إلا أن مواقف ناشطيه تربط مصير الحزب بمصير النظام القطري الداعم للتنظيم.
الكاتب والباحث، حسين الوادعي، يقول، لـ«العربي» إن «إخوان اليمن مع حصار اليمن وضد حصار قطر، ومع استمرار حرب تدمير اليمن سنوات وسنوات وضد إطلاق رصاصة واحدة في قطر، وهم غير مهتمين بجوع اليمنيين وفقرهم وقلقون جداً على عدم تعوّد القطريين على المنتجات التركية الجديدة التي احتلت واجهات متاجرهم بعد المقاطعة الخليجية، وهم مع إغلاق مطارات اليمن وموانئها وقصف طرقاتها وجسورها ومستشفياتها، وضد تحويل خط طيران القطرية لطريق أطول بعد إغلاق المجالات الخليجية في وجهها. وإخوان اليمن مع إدانة قصف طيران التحالف للمدنيين اليمنيين فقط إذا كانت قطر في خلاف مع التحالف. وهم ضد فساد الشرعية فقط إذا وقفت ضد قطر». ويخاطب الوادعي «الإصلاح» بقوله: «تذكروا فقط وأنتم في غمرة تناقضات المواقف والأدوار أن الوطن فوق التنظيم وأن أرواح الناس أغلى من أموال الكفيل».
حذر تقليدي
يمسك «الإصلاح» العصا من الوسط، ويتمنى نهاية للأزمة الخليجية لا تدفعه الى اختيار اصطفاف معلن وصريح مع الرياض أو الدوحة. الكاتب والمحلل السياسي، مصطفى راجح، يقول إن «قيادة حزب الإصلاح تتوهّم في كل جولة صراع أنها تتلافى الضربة بالمشي جنب الحائط وتخفيض الرأس إلى تحت»، داعياً «الإصلاح» إلى إعلان موقف من الأزمة الخليجية بقوله: إنه «لم يعد لديكم ما تخسرونه يا إصلاحيين، إلا إذا كانت الخسارة التي تتلافونها هي قيادتكم في الرياض، فهذه نعم الخسارة وستكون عليكم برداً وسلاماً. فالعدو الكامن خلفكم أكثر استهدافاً لكم من العدو الواضح أمامكم». ويضيف متساءلاً: «هلّا خرجتم من جلباب الحذر التقليدي والخوف المزمن من الإنكشاف؟! حزب بعوامل قوتكم بإمكانه أن يخلط أوراق الجزيرة العربية كلها وليس اليمن والسعودية فحسب، لكنه حزب بإرادة عجوز واهن وبلا مخيال، يعيد تركيب المعطيات وقراءة احتمالاتها المتعددة والكامنة فيها، وبلا قدرة على التفكير بالمغامرة والتمرد على قوالبه التي تحنطه في نفس التابوت الذي صنع له».
القادم أسوأ
الكاتب، فتحي أبو النصر، يرى أنه «إذا لم تحل مشكلة قطر والسعودية، ولا أظنها ستحل إلا بطرف ينهي على طرف، فإن هادي والإصلاح سيتباعدان، وبالمقابل فإن صالح وهادي سيتقاربان، لأن صالح والحوثي سيتباعدان، ولأن الحوثي والإصلاح سيتقاربان». من جانبه، يرى الناشط، عمار العولقي، أن حزب «الإصلاح» سيواجه أشد وأسوأ أيامه عمّا قريب. ويقول: «قد تصبح مران وسنحان أقرب للإصلاح من الرياض وأبوظبي».