يعتقد كثيرون في جنوب اليمن أن الضربات الأخيرة التي تلقتها دولة قطر ستصب في مصلحتهم، باعتبار أن قطر هي الداعم الأول لحزب «التجمع اليمني للإصلاح» (جناح الإخوان المسلمين في اليمن). ويرى البعض ممن استطلع «العربي» آراءهم بشأن الأزمة الخليجية وتأثيرها على الشأن الداخلي في اليمن، أن تحجيم الدور القطري سيسهم في انحسار المشكلات في عدن والمحافظات المجاورة لها، وسيقرب أصحاب مشروع «فك الإرتباط» أكثر من هدفهم، ذلك أن السعودية التي كانت، بحسب بعض الآراء، تهادن «الإخوان» وتراهن عليهم، باتت مطالبة اليوم بتحديد موقف منهم، باعتبارهم الأداة لتنفيذ المشروع القطري في المنطقة.
يبدو أن الأمور تتجه إلى فرز واضح الملامح وخالٍ من المواقف الرمادية، وهذا ستترتب عليه أمور جيدة من ناحية، وأمور مخيفة من ناحية أخرى. مخاوف يبديها، في حديث إلى «العربي»، الدكتور عبد الملك زيدان من محافظة تعز، إلا أنها تتبدد تماماً أمام توقعات «مبهجة» يراها الناشط في الحراك الجنوبي بحي كريتر، محمد علي، الذي يقول إن «مجريات الأحداث تأتي في خدمة القضية الجنوبية، شريطة أن يجيد الجنوبيون الإستفادة منها وتوظيفها لخدمة القضية».
ويعتبر محمد أن «المنطقة تُرسم فيها معالم لخارطة تحالفات جديدة، والمملكة تنتقل من موقعها السابق الداعم للإخوان إلى موقف جديد مناوئ لهم»، معرباً عن اعتقاده بأن «هناك مؤشرات إلى اقتراب نهاية الصراع في ليبيا وسوريا واليمن، ستتغير بموجبها التحالفات والمصالح في المنطقة برمتها». من جهته، يقدر رئيس الحركة الشبابية والطلابية في أبين، علي السعيدي، أن «ما ستؤول إليه الأمور مرتبط بمجريات الأحداث الحالية وملآلاتها. فالمملكة تلجأ إلى لي ذراع قطر، ولا ترغب مطلقاً في كسرها، وإن بدت ظواهر الأمور تشير إلى ذلك، فالهدف أن تعاد قطر إلى السرب الخليجي، وتغرد ضمن السرب الخليجي، وبالموشحات التي تريدها السعودية، كما أن الضغوطات باتت كبيرة على السعودية لإجبار قطر على أن ترفع يدها عن تيار الإخوان المسلمين. ضغوطات مارستها الإمارات ومصر وليبيا والجنوبيون وهو ما سيحدث بالفعل. عزلة الإخوان ستزداد، وهم الخاسر الأكبر في المحصلة النهائية في أي تسوية خليجية قادمة».

ويرى السعيدي أن «الأزمة الخليجية لن تؤثر على سير الحرب في اليمن، لكون قطر وغيرها من دول التحالف العربي شريكة بالاسم والتمثيل الدبلوماسي في عاصفة الحزم والأمل، الإ في حالة واحدة وهي إن أصرت قطر على عنادها وأوعزت لحليفها الأحمر، نائب الرئيس اليمني، بالتمكين للحوثيين في جبهات الجوف ومأرب، وهو أمر مستبعد مع ازدياد الضغط السعودي على الشرعية اليمنية وتلويحها بالضرب بيد من حديد لكل من يحاول تعطيل مسار حربها في اليمن سلباً». ويتابع السعيدي أن «القائم على المعركة والداعم لها ولاستمرارها هي المملكة العربية السعودية، وهي التي تقرر إلى أي اتجاه ستتحول الأزمة اليمنية. أما بالنسبة للتحالفات الداخلية، فإنه سيكون هناك اضطرابات كبيرة، بالذات في المحافظات الشمالية، لكون التيار الموالي للشرعية في الشمال هم الإخوان المسلمون الذي يطلق عليهم حزب التجمع اليمني للإصلاح».
من جانبه، يقرأ المحامي وليد صالح التطورات الدراماتيكية الخليجية المتسارعة من زاوية مغايرة، قائلاً إن «العالم يخطو نحو الإعتدال ونبذ التطرف على مستوى الدين الإسلامي وأيضاً المسيحي، والتهيئة لتدين يستوعب الآخر، وما يحصل اليوم لقطر يصب في ذات الجدول، والغرض الأساسي منه تفكيك ما بقي من تنظيم الإخوان المسلمين باعتباره الخطر الأوحد حالياً في المنطقة، بعد ثبوت علاقته الوطيدة بداعش والقاعدة». ومع ذلك، يعتبر صالح أن «هناك إمكانية لاستيعاب الحركات الأصولية، شريطة المراجعة الفكرية ونبذ التطرف إجمالاً، وهذا ما أشارت إليه تيريزا ماي في تعليقها على الأحداث الأخيرة التي هزت بريطانيا، حيث أوضحت أن الإرهاب لا يحتاج فقط إلى عمليات أمنية بل حوار ومراجعة».
ولا يعتقد صالح أن «إخراج قطر من التحالف العربي سيكون له مردود سلبي، بل سيكون له مردود إيجابي، حيث ستضطر القوى ذات الإتصال الوثيق بقطر إلى تغطية رأسها والانحناء للعاصفة التي قد تطول، وغض البصر والسكون، ومحاولة إثبات الولاء للمملكة، عبر تصعيد عسكري ربما سيحرز تقدماً في جبهات السبات، أي نهم وتعز ومأرب». ويزيد أن «هذه الأزمة ستنعكس على القضية اليمنية إيجاباً بالنسبة للجنوب، وسلباً للقوى اليمنية شمالاً، وهي التي فرزت نفسها بين شرعية إخوانية (خائنة) وانقلابيين (عملاء لإيران) بالتصنيف الخليجي». وعلى مستوى تسوية الأزمة يرى وليد أن «الكويت وعمان سيكونان خط رجعة بالنسبة لقطر. ولا أعتقد أنها – أي قطر – ستتمادى في عنادها أكثر، وهي ليست بذاك الثقل والوزن الذي يجعلها تواجه جيرانها الأقوياء».
بدوره، يقدر رئيس «تجمع شباب عدن»، سمير خان، أن «تحول قطر منذ 2008 إلى لاعب عالمي رغم عدم رضانا عن السيناريو اللي كانت تمشي فيه، بالإضافة الى وجود قاعدة العيديد الأمريكية على أراضيها والتي هي أكبر قواعد أمريكا في الشرق الأوسط، ربما هذا ما سيخفف وطأة السقوط القطري… وبالتالي عالمياً لا زالت أمريكا باعتقادي بحاجة إلى قطر كي لا تسمح للروس بالولوج إلى الخليج عبر قطر، وأيضاً دور قطر التدميري عبر دعمها للحركات الإرهابية لا زال مطلوباً أمريكياً. أما يمنياً، فالسقوط القطري مهم جداً ومؤثر، باعتبار قطر الداعم والرافعة التي اعتلى الإخوان في اليمن عليها منذ 2011م». ويتوقع خان أن «تضع السعودية علي محسن وكل جماعة الإخوان اللي عندها أو بعضهم تحت الإقامة الجبرية، وستستخدم الجيش السوداني لتحرير مناطق الشمال. أتوقع إقالة علي محسن والمرقشي قريباً، وربما سنرى عديدين من عناصر الإصلاح وهم يقفزون تباعاً من المركب القطري في محاولة لإثبات الولاء للسعودية، أما إماراتياً فالأمل بالنسبة لهم مفقود».
في المقابل، يلفت الحقوقي والناشط، علي النقي، إلى أن «الخليج محكوم بمصالحه، وحدوث هذه الأزمة لا يعني تفكك تلك المنظومة، والجاري باعتقادي تغيير الأدوار». ويضيف النقي: «لاحظ أن إخوان اليمن بعد الأزمة توجهوا نحو السعودية وتركوا قطر! وأساس الخلاف هو دعم الإرهاب، فهل ستغسل المملكة إخوان اليمن من تهمة الإرهاب لمجرد إعلانهم الولاء. وبالتالي كيف ستتعامل معهم؟». ويتساءل النقي: «هل سيجتهد الإخوان في عملية تحرير صنعاء؟ وهل سيتم الضغط عليهم لوقف العمليات الإرهابية في الجنوب؟». يجيب الناشط والحقوقي بأنه «طالما اتجه الإخوان نحو السعودية فهي لن تفرط بهم، فهم استراتيجياً أقرب لها كجهة دينية من غيرهم من الأحزاب والحركات السياسية، وفي المقابل إن احتضنت المملكة الإخوان، وهي من اتهم قطر باستخدامهم في الإرهاب، فإن المملكة تضع مصداقية اتهامها لقطر على المحك»، مستنتجاً بأنه «على الأرجح، فإن قبول التوبة وغفران الذنب فيه مصلحة للجميع، إلا إذا دعم الخليج عدن لتكون بدل مفقود عن قطر، عندها فإن الأمور ستختلف كثيراً، ولا مؤشرات جدية لذلك حتى الآن، القادم سيكون مثيراً، لننتظر ونرى».
ولا يستبعد الناشط في الحراك الجنوبي، عبد الله صالح، «سيناريو عودة تحالف صالح السعودية، وهذا يعني بالضرورة إخراج إخوان اليمن من اللعبة، وإن استكانوا الآن فهم في الحقيقة مجرد صفحات فيسبوك وقناة الجزيرة على الأرض، لم يبق منهم سوى فزاعة جوفاء الموجة».