كل ما يجري من حولك

ديفيد هيرست: قراراتُ الملك سلمان تستهدفُ تنصيبَ نجله

543
 متابعات| العربي:
في مقاله الأخير في صحيفة «هافينغتون بوست»، حدّد ديفيد هيرست «ثلاثة مصادر للقوة، حتى يصبح ملكاً»، وهي على التوالي تتمثل في عنصري العلاقة مع الولايات المتحدة والمكانة داخل العائلة المالكة السعودية، إلى جانب عنصر الرضا الشعبي داخل المملكة، رغم أن العنصر الأخير «يأتي في آخر الحسابات»، وفق الكاتب. ومن منظور هيرست، فقد استقرت الأمور على هذه الحال منذ اللقاء بين الرئيس الأمريكي، فرانكلين روزفلت، مع مؤسس المملكة العربية السعودية، عبد العزيز آل سعود، على متن إحدى المدمرات الأمريكية في فبراير من العام 1945.
ومع استعادة مشهد استلام الملك سلمان بن عبد العزيز، الأخ غير الشقيق للملك الراحل عبد الله، الحكم في العام 2015، حين كان نجله محمد مستشاراً له، ويشغل منصب وزير دولة، دون أن يكون معروفاً في دوائر واشنطن، قبل أن تجري الإطاحة بالشخصيات المحسوبة على الملك الراحل، مثل رئيس الديوان الملكي، خالد التويجري، أورد هيرست حديثه عن «أربعة فصول من مسرحية أوبرالية من أجل تنصيب محمّد (بن سلمان) على العرش»، جاءت بنجل العاهل السعودي إلى منصب وزارة الدفاع، وولي ولي العهد، وبالأمير محمّد بن نايف إلى ولاية العهد. وفي عبارة بالغة الدلالة عن العلاقة الحالية بين المحمّدين، عبّر هيرست قائلاً: «لكن محمد بن سلمان سرعان ما تعلم عض اليد التي قبّلها».
وعلى وقع اقتراب محمّد بن نايف من العرش السعودي، وبروز التوترات في العلاقات السعودية – الإماراتية مع تحول نظرة العهد الجديد لجماعة «الإخوان المسلمين»، استغرق الكاتب البريطاني المعروف في استعراض فصول التحالف بين بن سلمان وولي عهد أبو ظبي محمّد بن زايد، الذي يكن «ضغينة شخصيّة» ضد ولي العهد السعودي، محمّد بن نايف، صاحب العلاقات الوطيدة في الدوائر الأمريكية، وبخاصة وزارة الدفاع، مشيراً إلى أن بن زايد، وجد فرصة جديدة لإعادة الدفء مع السعوديين. وشدّد الكاتب على أن «التحركات الأولى لمحمّد (بن سلمان)، بصفته وزيراً للدفاع، لم ترق لواشنطن»، لا سيما وأن نجل الملك السعودي «المتعجرف» دفع باتجاه التدخل العسكري في اليمن في مارس 2015، في وقت كان فيه وزير قوات الحرس الوطني، الأمير متعب بن عبد الله، خارج البلاد، قبل أن تصدر وكالة الاستخبارات الألمانية تقريراً في ديسمبر من العام نفسه، يصف بن سلمان بـ«المقامر المتهور»، الذي يتمتع بـ«قدر كبير من القوة».

وفي سياق تقارب بن سلمان وبن زايد، أشار هيرست إلى أن ولي عهد أبو ظبي «تحرّك بسرعة فائقة»، و«أعد الترتيبات لأحد عمالقة الإعلام السعودي»، وبتكلفة ناهزت الملايين من الدولارات، وذلك من أجل أن «يقوم بلعب دور الوسيط بينه وبين محمّد بن سلمان»، لافتاً إلى نصائح بن زايد لولي ولي العهد السعودي بضرورة «التحرّك العاجل». ومن جملة ما نصح به ولي عهد أبو ظبي الأميرَ بن سلمان، كان حثّه على «إنهاء حكم الوهابية» في المملكة العربية السعودية، وكذلك «التقرّب من إسرائيل». وعلى ضوء ما سبق، «ما كان من محمد بن سلمان إلا أن دشّن أكبر برنامج خصخصة عرفته البلاد» حتى الآن، فضلاً عن تنظيم «حملة علاقات عامة بغرض الترويج للأمير الشاب لدى المحافل الغربية»، من باب تصوير بن سلمان على أنه «سياسي يريد الإصلاح على عجل»، مع الإشارة إلى المقالات التي تناولت الأمير الشاب، والمقابلات التي أجراها مع أبرز وسائل الإعلام الغربية كصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، ومجلة «ذي إيكونوميست» البريطانية.
وبحسب هيرست، فقد «سار محمد (بن سلمان) على خطى المجدّدين»، ولكنه يبقى «مجازفاً إلى حد كبير»، مشيراً إلى أن «المجازفة الكبرى» التي اتخذها نجل العاهل السعودي لم تتمثل بـ«تدشين رؤية 2030»، أو في إعلان خطة «خصخصة خمسة في المئة من شركة أرامكو الحكومية»، ولا في «تقليص صلاحيات الشرطة الدينية»، بل تمثلت في «إلغاء البدلات والمكافآت والمزايا المالية الممنوحة للموظفين العموميين، والتي تشكل ما بين 20 إلى 30 في المئة من رواتبهم»، مع تلميح هيرست إلى حالة «السخط الشعبي» التي سادت مع الإعلان عن إلغاء تلك البدلات.
وبعد صدور أربعين مرسوماً ملكياً، شملت إعادة البدلات المالية المشار إليها، بهدف «استعادة شعبية محمد بن سلمان»، رأى الكاتب أنه «من عجائب الدهر، أن يسند الفضل في عودتها إلى الأخير رغم أنه هو الذي أمر بحرمانهم منها في بادىء الأمر»، مرجحاً أن يكون القصد من وراء ذلك هو «مواصلة تحجيم دور ابن عمه محمد بن نايف». وأوضح الكاتب أن تعيين الملك سلمان اثنين من أبنائه في مناصب رئيسية، إلى جانب تعيين العشرات من أبناء العائلة المالكة في مناصب مهمة، وإجراء تغييرات داخل المؤسستين الأمنية والعسكرية (تمت إقالة الفريق عيد الشلوي، وتعيين الأمير فهد بن تركي مكانه بعد زيارة إلى الإمارات العربية المتحدة ناقش خلالها مع سلطات أبو ظبي تطورات الأوضاع العسكرية في اليمن) يستهدف «تعزيز موقف محمد بن سلمان داخل العائلة، وتمكينه من إحكام قبضته عليها»، ويعد تحقيقاً لمتطلبات القوة الثلاث.
ومن منظور هيرست، فإن «المرسوم المهم الذي شكل انقلاباً ناعماً على محمد بن نايف لم يكن له أدنى علاقة باليمن»، بل تعلّق «بإنشاء مركز للأمن القومي تحت إشراف الديوان الملكي»، التي ستكون بمثابة «المنافس المباشر لوزارة الداخلية التي يرأسها ابن عمه محمد بن نايف». وأردف الكاتب بأن «المثير في الأمر أن الكيان الجديد يخضع للديوان الملكي بشكل مباشر، والديوان يديره ويتحكم به محمد بن سلمان»، الذي خلفه سعود القحطاني، الملقّب بـ«التويجري رقم 2»، في رئاسة الديوان، وسط مشهد تخلله صعود نجم بعض الشخصيات في المشهد السعودي، مقابل أفول أخرى، مثل الكاتب جمال خاشقجي الذي يعد «من الأصوات التي تم إسكاتها»، وأحد «أهم المحللين السياسيين داخل المؤسسة الحاكمة نفسها»، وذلك في ظل «عودة المحور القديم المناهض للثورة» في العالم العربي، الذي يضم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بدعم من أمريكا وإسرائيل، حد زعم الكاتب.
وأشار هيرست إلى لقاء ترامب – بن سلمان الأخير في البيت الأبيض، والذي وصف بـ«نقطة تحول»، من قبل ولي ولي العهد السعودي، واستغله ترامب للإعلان عن «إعادة الروابط مع المملكة بعد أن أهدرها أوباما بسياسته التي استهدفت التقارب مع إيران»، لافتاً إلى أن «مجرد اللقاء بمحمد بن سلمان كان ذا دلالة أكبر مما جرى أثناء اللقاء من محادثات، وذلك أن ترامب كان يرى حينها وكانه يتحدث مع الملك القادم»، وهو الأمر نفسه الذي تكرر حين التقى وزير الدفاع الأمريكي، جيم ماتيس، العاهل السعودي، ونجله، إبان زيارته الرياض أخيراً، وعدم اجتماعه بولي العهد السعودي، محمد بن نايف، الذي «كان غائباً تماماً عن المشهد». وأضاف الكاتب أنه «ما نزال بانتظار معرفة المصير الذي ينتظر ولي العهد محمد بن نايف. فإدارة ترامب تتجاهله، ويتم استثناؤه من حضور الاجتماعات المهمة، وبات كل النفوذ الآن في قبضة ابن عمه».

You might also like