تتنازع محافظة مأرب سلطتان، إحداها موالية لحكومة الإنقاذ، والأخرى تابعة لحكومة هادي، فيما تتعدد الفصائل والتشكيلات المسلحة ذات الولاءات المختلفة؛ حيث تسببت الحرب في إيجاد حالة من الإنقسام المجتمعي الكبير، برزت معها ظواهر المليشيات المسلحة غير الخاضعة لقانون أو دستور. وعلى الرغم من سيطرة القوات الموالية لهادي على مدينة مأرب، مركز المحافظة، إلا أن غالبية المديريات، والبالغ عددها 14 مديرية، تتقاسمها قوات متعددة. تسيطر «أنصار الله» والقوات المتحالفة معها على أربع مديريات رئيسة هي صرواح وحريب القراميش وبدبدة ورحبة، فيما تسيطر قوات هادي ومعها مسلحو «التجمع اليمني للإصلاح» على المدينة نفسها ورغوان ومجزر وحريب بيحان، وتخضع بقية المديريات لسيطرة مسلحين قبليين ذوي ولاءات متعددة ومتقلبة، نتيجة لطبيعة المجتمع المأربي القبلي، والذي يناهض تواجد قوات عسكرية نظامية.
ويسيطر عناصر تنظيم «القاعدة» على مناطق واسعة في وادي عبيدة ومناطق متفرقة شرقي مأرب، كما أن لهم تواجداً منظماً في المدينة وحريب بيحان والعبدية. ولعل القوتين الأكثر تنظيماً والأوسع سيطرة هما «أنصار الله» وحلفاؤها، وقوات هادي والمجموعات المسلحة المتحالفة معها. وتشهد مناطق متفرقة في المحافظة مواجهات شرسة بين الطرفين خلفت مئات القتلى والجرحى. ولا تزال المعارك مستمرة سعياً من كل طرف لقضم المزيد من المناطق، لأهمية مأرب الإستراتيجية في الميزان، ولما تمتلكه من ثروات نفطية كبيرة جعلت منها ساحة حرب مفتوحة.
وعلى المستوى الإقتصادي، أعلنت السلطات الموالية لهادي، بتاريخ الـ24 من شهر أغسطس من العام 2016م، استقلالها مالياً وإدارياً عن السلطات المركزية في صنعاء. إذ أوقفت توريد إيرادات النفط والغاز إلى العاصمة وأقرت تحويلها إلى حساب فرع البنك المركزي في مأرب بعد فك ارتباطه عن البنك المركزي في صنعاء، الأمر الذي أدى إلى عرقلة معاملات الكثير من المواطنين، وكذا حرمان موظفي بعض المديريات الواقعة تحت سيطرة «أنصار الله» من رواتبهم. وفي وقت سابق من العام 2016، أصدرت «اللجنة الثورية العليا» قرارات قضت بتعيين محافظ للمحافظة من أبناء مأرب، وهو الشيخ أحمد عبد الله مجيديع، وعدد من الوكلاء، وكذا مدراء جدد للمكاتب التنفيذية، فيما أبقت حكومة هادي على سلطان العرادة، أحد القيادات «الإخوانية» البارزة محافظاً لمأرب، وأجرت عمليات عزل وإقصاء لعدد من مدراء المكاتب التنفيذية والمحسوبين على حزب «المؤتمر الشعبي العام».

وأدى وجود سلطتين تتنازعان النفوذ في محافظة مأرب إلى خلق حالة من الإنقسام المجتمعي الكبير؛ حيث عمدت كل سلطة إلى تجنيد وحشد أكبر عدد من الناس إلى جانبها، وكذا إغراء مشائخ القبائل بالأموال لكسب نفوذهم وولائهم. وأسهم الدعم السعودي الكبير بالأموال والأسلحة لمشائخ القبائل والقيادات السلفية المتشددة في نشوء جماعات متطرفة تمتلك المال وسطوة السلاح لإرهاب المواطنين وفرض معتقداتها وآرائها على المجتمعات بقوة السلاح، ومن خلال عمليات الإختطافات والقتل خارج القانون والتهجير القسري لكل من يخالفها الرأي، مستغلة ضعف وهشاشة القوات الموالية لهادي، والتي تجاهد نفسها لتحقيق حد أدنى من الأمن في مدينة مأرب، التي تشهد فوضى أمنية كبيرة وتصاعداً في عمليات الإغتيالات والتفجيرات الإرهابية.
ويرى الناشط الإعلامي، فارس القانصي، في حديث إلى «العربي»، أن «ظاهرة نشوء الجماعات المسلحة في مأرب كانت نتيجة أساسية من نتائج الحرب التي تعيشها المحافظة، ودعم التحالف للجماعات المناهضة لحركة أنصار الله»، محذراً من أن «خطر الجماعات المسلحة يتعاظم يوماً بعد يوم، وسيمتد إلى ما بعد وقف الحرب، حيث تتنازع الفصائل مناطق السيطرة». وتوقع القانصي «اندلاع مواجهات بين الفصائل المسلحة الموالية للتحالف السعودي، حيث يوجد احتقان كبير بينها نتيجة الصراعات الداخلية على الأموال والغنائم، وكذا عائدات النفط والغاز، ويسعى كل فصيل للحصول على نصيب الأسد»، مستشهداً بعدد من المواجهات الدامية التي شهدتها مدينة مأرب ووادي عبيدة في الأشهر الماضية بين الجماعات المسلحة.
كما أن محاولات «الإصلاح» السيطرة على المناصب الحكومية وكذا المهام الأمنية والعسكرية في مدينة مأرب دفعت الكثيرين من مشائخ القبائل، من ذوي الإرتباط المباشر بدولة الإمارات، إلى إنشاء تشكيلات وتكتلات قبلية متعددة مناهضة لسياسة حزب «الإصلاح» ومتصادمة معها أحياناً، وهو ما يفسر المواجهات الأخيرة التي شهدها معسكر الشرطة العسكرية في مدينة مأرب بعد تعيين قيادي «إخواني» قائداً للشرطة العسكرية، الأمر الذي رفضه مشائخ قبيلة مراد التي ينتمي القائد السابق إليها. وتطور الأمر إلى مواجهات عنيفة هددت فيها الإمارات بضرب مواقع «الإصلاح»، وأجبرت رئيس هيئة الأركان الموالي لهادي، محمد المقدشي، على وقف القرار إلى أجل غير مسمى.
يقرع تكاثر الجماعات المسلحة في محافظة مأرب جرس الإنذار، ويشي بحلقات أكثر دموية من مسلسل النزاع، في ظل استمرار الدعم السخي الذي تتلقاه تلك الجماعات من دول الخليج. كما أن تمدد التنظيمات المتطرفة في المحافظة قد يقود الأخيرة إلى صراع أهلي طويل الأمد، ويحول دون وجود تنمية حقيقية واستقرار أمني يوفر للمواطن العيش الكريم والحياة الآمنة.