عطوان : لماذا “بيونغ يانغ” ليست مثل بغداد ودمشق وطرابلس؟!
عبدُالباري عطوان*
شعرنا بالكثير من الإهانة والألم في الوقت نفسه، كعرب ومسلمين، عندما شاهدنا صحُفاً “إسرائيلية” تحذر أمريكا وهي تحشد قواتها وأساطيلها للهجوم على كوريا الشمالية، من أن الأَخيرة ليست مثل سوريا، وإنها تملك أدوات الرد، وقد يكون رداً صاعقاً على أي عدوان تتعرض له، فهي تملك الصواريخ والرؤوس النووية العابرة للمحيطات.
الإهانة نابعة من تحولنا كعرب إلى “ملطشة” وحقل للتجارب، وأراضينا باتت مباحة، وكذلك دماؤنا، وأرواح مواطنينا، حيث تتكاثر الأُمَم على قصعتنا، وتمزقنا الطائفية، ويتحول إعلامنا إلى إعلام فتنة وتحريض ضد الآخر العربي والمسلم، في إطار مُخَطّط غربي محكم لتبرير العدوان تحت اعذار وذرائع متعددة.
المُخَطّط الذكي يبدأ في شن حملات منظمة ومدروسة حول أسلحة الدمار العربي الشامل وضرورة نزعها، واي محاولة للرفض توفر الأرضية القانونية والأخلاقية للعدوان والتدمير وتغيير الأنظمة القائمة بالقوة العسكرية.
لم يكن من قبيل الصدفة أن القاسم المشترك بين جميع الدول العربية التي تعرضت للعدوان الأمريكي، تجاوبت مع الاملاءات الأمريكية المدعومة من الأُمَم المتحدة، بنزع أسلحة “الدمار الشامل” لديها، والكيميائية منها خاصة، وتخلت عن طموحاتها في الردع النووي، ولكن هذه الخطوة لم توفرها الحصانة، وتلتها الخطوة التالية بالعدوان أَوْ الاحتلال أَوْ الاثنين معاً.
فعندما تطمئن الولايات المتحدة إلى أن هذه الدول لم تعد تملك أسلحة قوية للدفاع عن نفسها، وإلحاق أكبر قدر من الأذى بالقوات الغازية المحتلة، تبدأ العدوان والقصف الجوي.
* * *
ثلاثُ دول عربية تعكس أمثلةً واضحة في هذا الصدد، وهي العراق وليبيا وسوريا التي سلمت أسلحتها الكيميائية، سواء طوعا تحت الضغط بالعدوان، وتعاونت مع فرق التفتيش الدولية، أَوْ نتيجة لضربات عسكرية تدميرية، وحصار تجويعي خانق وظالم.
إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن كانت تعلم جيداً أن “صدام حسين” كان صادقاً في تعاونه مع فرق التفتيش الدولية، والكشف عن كُلّ ما في ترسانته الكيميائية والنووية من مواد وأسلحة ومعدات، وتحّمل كُلّ الاستفزازات التي مارسها المفتشون ومعظمهم كانوا جواسيس، بما في ذلك تفتيشهم لقصوره وغرف نومه، وعندما اطمأنت إلى نزع اسنان العراق الكيميائية وشبه النووية بدأت الغزو فوراً.
العقيد معمر القذافي وقع ضحية خديعة الضبع الماكر توني بلير، رئيس وزراء بريطانيا الاسبق الذي اقنعه بتسليم مخزونه من الأسلحة الكيميائية ومعداته النووية طوعا مقابل توفير الحصانة له، واستيعابه ونظامه مرة اخرى في المجتمع الدولي، وعندما سلم هذه الأسلحة والمعدات، جرى “فبركة” ثورة ضده، واستصدار قرار بحماية الثوار من مجازره الوشيكة، وانتهت المسرحية المؤامرة بإسقاط النظام وتحويل ليبيا إلى دولة فاشلة تعمها الفوضى الدموية، وتخضع لسيطرة الميليشيات المتقاتلة، وتقف على حافة التقسيم النهائي.
سوريا واجهت وتواجه السيناريو نفسه، ولكن بالتقسيط غير المريح، وجرى استخدام التهديد العسكري، وحشد حاملات الطائرات، لإجبارها على تسليم مخزونها من السلاح الكيميائي في اتفاق تم التوصل إليه عام 2013، وقبل اسبوعين تعرضت قاعدتها العسكرية في الشعيرات لقصف صاروخي أمريكي وسط اتهامات غير مؤكدة باستخدامها أسلحة كيميائية في خان شيخون قرب ادلب.
أَكْثَر من مئة من أنصار النظام السوري نصفهم من الأطفال تعرضوا للموت تفجيراً عند مغادرتهم بلدتي الفوعا وكفريا تنفيذاً لاتفاق رعته الأُمَم المتحدة، وفي اطار خديعة محكمة، وسط صمت عربي وعالمي، خاصة من الدول العربية التي رعت هذا الاتفاق أَوْ تلك التي دعمت وتدعم من ارتكبوا هذه المجزرة.
لا بد أن الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ اون الذي لم يقم أي علاقات مع “إسرائيل” مطلقا، تابع واستوعب هذه الدروس العربية المخزية والفادحة النتائج، ولهذا قد لا يقع في المصيدة الامريكية ويتوقف عن تجاربه النووية، والصاروخية الباليستية؛ لأنه يدرك جيداً أنه بحاجة إلى قوة الردع، ولعل تهديداته الجدية بالتصدي للعدوان الأمريكي بالقدر نفسه من القوة والكيفية سيوفر له الحماية.
* * *
الأهم من كُلّ ذلك أن حلفاء كوريا الشمالية في الصين وروسيا ليسوا مثل الحلفاء العرب، بل أَكْثَر كرامة واخلاقا، ولا يخلعون صاحبهم، مثلما يخلع العرب، وخاصة في بعض دول الخليج (الفارسي)، أصحابهم في العراق وسوريا وليبيا، وهنا يكمن الفرق الكبير.
أمريكا تضرب العرب في محاولة لتأديب الآخرين، وخاصة كوريا الشمالية وإيران، و”أم القنابل” التي استخدمت في افغانستان لضرب ما قيل أنه انفاق وقواعد لـ”الدولة الاسلامية”، وصواريخ “توماهوك” التي ضربت الشعيرات، كلها رسائل موجهة إلى البلدين، أي كوريا الشمالية وإيران.
إنه وضعٌ عربي مخجل وصلنا إليه عندما انتقل القرار والقيادة العربية من دول المركز إلى دول الأطراف التي تملك المال والنفط، وتعتبر أمريكا حليفاً موثوقاً، والدور قادم اليها حتماً، فتغييرُ الأنظمة وفق القاموس الأمريكي يتم بعدة طرق، أحدثها الافلاس المالي وهو قادمٌ حتماً.
*رأي اليوم