كل ما يجري من حولك

تهديداتُ ’إسرائيل’.. إقرار بفشل خيارَي الحسم والردع الاحادي

477


متابعات| العهد| جهاد حيدر:

لم تأتِ تهديدات رئيس أركان جيش العدو، غادي ايزنكوت، ضد لبنان، إلا تتويجاً لمسار متواصل من التهديدات الهادفة إلى إظهار “إسرائيل” كما لو أنها في حالة توثب للعدوان، كجزء من الحرب النفسية التي تستهدف الواقع اللبناني..، من دون استبعاد مطلق لامكانية أن يستدرج العدو نفسه الى فخ ستكون له تداعيات استراتيجية على الأمن القومي الاسرائيلي، بالاستناد إلى تقديرات خاطئة.
ويندرج تعمد العدو التلويح بأن يكون عنوان الحرب المقبلة “دولة لبنان” إلى جانب حزب الله.. في نفس سياق تهديدات وزير الامن الإسرائيلي افيغدور ليبرمان.. وهو ما يشكل اعلاناً إسرائيلياً رسمياً عن ماهية العقيدة التي تتبناها تل ابيب في أي حرب مقبلة، مع لبنان وحزب الله، وترتكز على أساس استهداف البنية التحتية اللبنانية..
مع ذلك، يبدو أن هناك محاولة للايحاء كما لو أن هذا الاعلان هو رد فعل على مواقف الرئيس ميشال عون.. أو على الاقل محاولة توظيف هذه التهديدات في هذا الاتجاه. لكن هذا الانطباع يخالف الواقع. اذ سبق أن تم الاعلان منذ سنوات، على لسان أكثر من مسؤول إسرائيلي، وعبر أكثر من منصة اعلامية، عن اعتماد مبدأ التدمير الشامل كاستراتيجية عدوانية في مواجهة لبنان وغزة. وأبرز اعلان رسمي عن هذه العقيدة اتى في العام 2008، على لسان قائد المنطقة الشمالية في حينه، غادي ايزنكوت (رئيس الاركان الحالي)، عن “عقيدة الضاحية”.. ومعه ايضا وزير الامن الاسبق، ايهود باراك..
لم يتبلور هذا المفهوم العدواني إلا نتيجة العبر التي استخلصها قادة العدو في اعقاب حرب العام 2006، ومرورا بعدوانها المتكرر ضد قطاع غزة. ومن أهم هذه العبر التي رسخت في وعي صناع القرار، أن المقاومة نجحت في سلب “إسرائيل” القدرة على الحسم العسكري، رغم الفارق الهائل في القدرات على المستويين الكمي والنوعي. هذا الاقرار الذي “أوغل” في وعي صناع القرار السياسي والامني في تل ابيب، دفعهم إلى البحث عن خيار عملاني بديل.. لكن التدقيق فيه يكشف عن أنه أقرب إلى الانتقام والتنكيل منه إلى الحسم العسكري الذي كانت تتغنى به “إسرائيل” طوال العقود التي تلت اقامة دولة “إسرائيل” عام 1948. وترجمة “إسرائيل” هذه العقيدة في الحرب الاخيرة ضد قطاع غزة، عام 2014، “الجرف الصامد”، عبر استهداف المناطق المدنية والمؤسسات، ما ادى إلى استشهاد وجرح الالاف من الفلسطينيين.
ايضا، يأتي التلويح بهذه الاستراتيجية، نتيجة فشل “إسرائيل” في فرض معادلة ردع احادي الاتجاه… الأمر الذي أدى مع مضي الوقت إلى تبلور حالة من الردع المتبادل في مواجهة حزب الله وفَّرت له مظلة امان نجح في ضوئها بتطوير قدراته العسكرية والصاروخية على المستويين الكمي والنوعي. هذا التطور النوعي والاستراتيجي في القدرات، مقرونا بالشجاعة والارادة والحكمة في تفعيلها.. حال حتى الان دون ترجمة العدو تهديداته، وكبحه عن التدحرج نحو مواجهة أوسع في سياق أكثر من احتكاك حصل بين الطرفين.
فيما يتعلق بتوقيت التهديدات، يلاحظ أن مواقف ايزنكوت وقبله ليبرمان، أتت في سياق مسار تصاعدي من التهويل.. وعادة ما يتم توجيه مثل هذه الرسائل، في حالة من اثنتين. اما بهدف ردع الطرف الاخر عن المبادرة العملانية.. أو كجزء من التمهيد للعدوان، عبر توجيه رسائل تهدف إلى ثني الطرف المقابل عن الرد الرادع.
فيما يتعلق بالحالة الاولى، من الواضح أن الإسرائيلي يدرك أن حزب الله أبعد ما يكون عن المبادرة إلى هذا المسار، لاعتبارات متعددة، على الاقل لكون هذا الخيار ليس من ضمن استراتيجيته، في هذه المرحلة، في الصراع مع “إسرائيل”.
أما بخصوص الخيار الثاني، فقد أتت رسالة الردع التي وجهها سماحة الامين العام لحزب الله، باستهداف المنشآت غير التقليدية في “إسرائيل”، الامونيا وديمونا، في مواجهة التلويح بخيار التدمير الشامل.. وبات على صانع القرار في ضوء هذه المعادلة أن يقرر ما إن كان مستعداً لتعريض “إسرائيل” لخطر استهداف المنشآت الاستراتيجية..
على خط مواز، من الواضح أن من أهداف التهويل الإسرائيلي وربطه بتطوير قدرات حزب الله، هو التحريض عليه وسط الجمهور اللبناني. ومحاولة تقويض الصورة عن الدور الدفاعي والردعي لقدرات حزب الله.

You might also like