تحت عين “الشرعية”: إمــارة مأرب “القاعدية”… قريباً؟
وسعى تنظيم “القاعدة” من خلال تنسيقه مع حزب “الإصلاح” ومشائخ قبليين لتجنيد المئات من الشباب وتدريبهم في معسكرات خاصة، ومن أبرزها معسكر “الرويك” في صحراء مأرب ومعسكر “اللبنات” الواقع في صحراء خالية من السكان بين محافظتي مأرب والجوف.
وعلى الرغم من وجود عناصر التنظيم في بعض مناطق مأرب منذ فترة طويلة، فإن الآونة الأخيرة شهدت ظهوراً علنياً وانتشاراً لشعاراتهم الخاصة، التي تتضمن تحريضاً صريحاً على محاربة من يسمونهم بـ”الشيعة الروافض”، ودعوات إلى إقامة “دولة الخلافة الإسلامية”. وتعج جدران المنازل والمنشآت الحكومية وسط مدينة مأرب وفي بعض مناطق وادي عبيدة والمساجد الخاضعة لسيطرتهم بشعارات متنوعة وكتابات متطرفة توحي بتغلغل التنظيم الإرهابي في أوساط المجتمع بتعاون وتنسيق من السلطات المحلية المعيّنة من “التحالف” والتي تغض الطرف عمداً عن تلك الممارسات.
وكان قيادي في تنظيم “القاعدة” قد أعلن في وقت سابق من العام الماضي مشاركة عناصر التنظيم في الحرب ضد “الحوثيين” في 22 جبهة حرب في مناطق متفرقة باليمن، ومن ضمنها جبهات القتال في محافظة مأرب، ما يؤشر إلى التنسيق الكبير والتعاون بين “التحالف” و”القاعدة”.
وانعكس تزايد النفود الميداني لـ”القاعدة” في تصاعد العمليات الإرهابية والإختطافات بحق المدنيين في مناطق تواجدهم في محافظة مأرب، حيث نفذ التنظيم التكفيري عمليات إعدامات ميدانية وتفجيرات إرهابية راح ضحيتها العشرات من المواطنين.
وأخيراً نفذ تنظيم “القاعدة” في وادي عبيدة عملية إعدام وحز لرؤوس خمسة مواطنين، بينهم شيخ قبلي يدعى حمد حسن العوزي، أحد مشائخ قبيلة دهم في الجوف، كان قد اختطفهم عناصر التنظيم في وقت سابق ووجه لهم تهمة “العمالة لأمريكا” ورصد تحركات مسلحي “القاعدة”.
ولقيت الحادثة استنكاراً قبلياً كبيراً، الأمر الذي دفع التنظيم لبث فيديو يوثق ما قال إنها “اعترافات” الضحايا، في حين أكّد الأهالي أن الاعترافات انتزعت بالقوة لتبرير الجريمة.
كذلك شهدت مدينة مأرب تفجيرات إرهابية تبناها عناصر التنظيم، راح ضحيتها عشرات المواطنين، وكان أبرزها تفجيران إرهابيان بعبوات ناسفة وسط سوق شعبي للقات، أوقعا 60 ضحية بين قتيل وجريح، وتفجير آخر استهدف مجلس عزاء وراح ضحيته خمسة قتلى ونحو 15 جريحاً.
وبرزت، أيضاً، ظاهرة الإغتيالات بشكل لافت في مدينة مأرب، الخاضعة لسيطرة المسلحين الموالين لحكومة هادي، إذ اغتيل العشرات من الضباط والقيادات في ظروف غامضة وفي عمليات متفرقة في مدينة مأرب.
وكيل محافظة مأرب، الشيخ عبد الله صالح عمر، أكّد أن المديريات والمناطق الواقعة تحت سيطرة “أنصار الله” والوحدات الموالية لحكومة الانقاذ خالية من أي تواجد لعناصر تنظيم “القاعدة”، كاشفاً عن أن الأجهزة الأمنية ألقت القبض على عدة خلايا تابعة للتنظيم في بعض المناطق كانت تنوي استهداف الأمن والاستقرار، إضافةً إلى أن عدداً كبيراً ممن تم أسرهم في جبهات القتال لديهم صلات وثيقة بـ”القاعدة”.
وشدد عمر في تصريح لـ”العربي”، على أن “تنظيم القاعدة يتلقى دعماً كبيراً من دول تحالف العدوان السعودي، سواء على مستوى التسليح والدعم اللوجستي أو التسهيل والترويج لأفكاره الإرهابية في المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي”، لافتاً إلى أن “التحالف يعمد إلى استخدام تنظيم القاعدة كورقة في حربه ضد الشعب اليمني”.
من جهته، كشف رئيس “مجلس التلاحم القبلي” في محافظة مأرب، الشيخ حمد راكان الشريف، عن وجود تنسيق كبير بين مشائخ القبائل لمنع ورفض تواجد مسلحي تنظيم “القاعدة” في بلادهم ومقاطعتهم من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار.
وأشار راكان في حديث إلى “العربي” إلى أن ارتكاب عناصر تنظيم “القاعدة” لأعمال تتنافى مع القيم الإسلامية والأعراف القبلية وبروز بعض الجرائم الخطيرة في بعض المناطق كالإعدامات الميدانية والتمثيل بالجثث وسحلها “تحتم على جميع القبائل استنكار ونبذ من يقفون خلفها ومنع انزلاق المحافظة في أتون الفوضى والإرهاب”.
الإنتشار الملحوظ لعناصر تنظيم “القاعدة” في محافظة مأرب والشحن الطائفي والمذهبي الذي تتبناه حكومة هادي والسلطات المحلية يعدّان بمثابة قنبلة موقوتة سترتد عكسياً على أمن واستقرار المحافظة، فاللعب بورقة الإرهاب لضرب الخصوم مغامرة غير محسوبة النتائج، وقد نسمع يوماً عن سقوط محافظة مأرب بيد تنظيم “القاعدة” التكفيري وتحويلها إلى “إمارة إسلامية وهابية” جديدة في ظل تعاظم نفوذ “القاعدة” وضعف وهشاشة القوات الموالية لهادي.
يذكر أن طائرات “درونز” الأمريكية شنت عشرات الغارات الجوية مستهدفةً عناصر “القاعدة” في بعض مناطق وادي عبيدة وصحراء مأرب وأوقعت قتلى وجرحى في صفوفهم.
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد شنت أول غارة لها ضد تنظيم “القاعدة” في مأرب قبل 14 سنة، وبالتحديد في العام 2002 حين استهدفت القيادي في “القاعدة” أبو علي الحارثي.
ويرى مراقبون أن الغارات الأمريكية ضد تنظيم “القاعدة” في محافظة مأرب لا تساهم في إضعافه بقدر ما توجِد له بيئة حاضنة وتعاطفاً في أوساط مجتمع قبلي محافظ.
ويشير مراقبون إلى أن الإزدواجية الأمريكية في محاربة تنظيم “القاعدة” تثير الشكوك حول دور واشنطن في محاربة الإرهاب، إذ تؤكد المؤشرات غياب الجدية في القضاء على الإرهاب والإستمرار في تغذيته من خلال الدعم الذي يحظى به التنظيم الإرهابي، سواء في الجانب المادي أو المعنوي.