كل ما يجري من حولك

الشهيدُ أبو حسن المداني.. أنموذجٌ لصانعي التأريخ وحَمَلةِ المشروع

820

علي أحمد جاحز

كُلُّ ما نراه ونشاهدُه ونلمسُه من انجازاتٍ ونجاحاتٍ من حولنا لم يتحقق صدفةً ولا بالتمنّي، بل يقفُ وراءه رجالٌ وعقولٌ وجهودٌ وعزائمُ وهممٌ وتضحياتٌ تَظافرت في صناعته.

هذا هو حالُ نجاح ثورتنا واستمرار مسيرتنا القُــرْآنية في المُضي نحو تحقيق الهدف الأسمى الذي تنشُدُه البشرية وتحُثُّ عليه التوجيهاتُ الإلهية، لم نكن لنصلَ إلى ما وصلنا إليه اليوم لولا وجودُ رجال صنعوا هذا التأريخ الذي يؤرشَفُ يَومياً في ذاكرة الوقت.

ولعل من بين أُولئك الرجال الكثيرين طبعاً والعظماء الشَّـهيْد أبو الحسن طه المداني، الذي كان له بصمَتَه في صناعة ملامح التأريخ الذي نعيشُ فصولَه وحكاياته اليوم.

طه المداني هو أُنموذج ناصع من بين نماذج كثيرة فضّلت البقاء خلف الأضواء وهي تصنع ما نراه أَمَـام الأضواء وما لا نراه أيضاً، وهو مثالٌ للشاب الذي اختار أن يسخّرَ شبابه وعنفوانه في النهوض بأهم مشروع يتحَـرّك على ظهر البسيطة هذه الأَيَّـام.

وليس ترفاً أَوْ للاستهلاك ما سأقوله هنا عن هذه القامة البطولية الفريدة والنادرة، بل أنه سيظل قَليلاً بحقه وبما مثله وسيظل يمثله من معان على مستوى التضحية والاخلاص والوعي والنباهة والعنفوان والقيادة والشجاعة والعبقرية… إلخ.

وبين هذه الأحداث المهولة التي يعيشها وطننا وأُمّتنا وشعبنا وشعوب المنطقة، يبقى الحديثُ عن الشهداء ومعاني الشهادة وأهميتها في مواجهة ما نتعرض له من طغيان وعدوان وقتل وتجويع وتشريد وانتهاك للحرمات، هو حديث محوري وليس عابراً أَوْ هامشياً؛ بكون المواجهة والتصدي والصمود أموراً لا تنجح إلّا بتكريس وعي الشهادة ودلالاتها في نفوس المجتمعات.

ولأننا في اليمن خُصُوْصاً نمتلك الوعي الكافي والعالي بأَهَميّة الشهادة وبفاعلية العشق للتضحية، فإننا قدمنا قوافلَ من الشهداء العظام، ولا يمكن بأي حال مقارنةُ ما يقدمه المرتزقة والمعتدين بما نقدمه لا كيفاً ولا نوعاً، لماذا؟؛ لأننا كجبهة مواجَهة وتَصَــدٍّ نقدِّسُ الشهادةَ ونقدس الشهداء ونفخر ونباهي، وحين يتقدمُ أَبْطَالنا في ميدان الفداء لا يضعون أنفسهم في ترتيبات تمايزية بين مقاتل رخيص ومقاتل ثمين، بل يتقدم الجبهات ويستشهد خيرة الرجال سواء من القادة ومن الجنود من الصغار والكبار.

ولعل أبا حسن المداني القائد الذي لم يشق له غبار، أنموذجٌ للقائد الذي قدّم نفسَه قبل الجميع في ميدان التضحية والفداء وكان الأَوّل في مضمار السباق لأجل الحرية والكرامة والانعتاق، شغوفاً بأن ينال شرَفَ النصر أَوْ الشهادة، وقد جمع بين نيل النصر وشاهد النصر في أَكْثَـر من مرحلة وكان في مقدمة صانعيه، وبين نيل الشهادة أيضاً؛ بكونها منحة الهية لا تعطى إلّا بقرار الهي لمن اصطفاه الله واختاره أن يكافئه.

مَن يعيش لأجل هدف لا يمكن أن يرى شيئاً أثمن من تحقيق الهدف حتى ولو كانت أسرته ومعيشته وطموحاته وأَحْلَامه وحتى روحه ودمه، وحين نستقرئ سيرة اللواء طه المداني أبي حسن التي لا يعرفها الكثيرون، سنجدُ في مفاصلها يتجسد ذلك الشاب الذي كان هدفُه ومنتهى أمله الانتصار للمبدأ وللمشروع ومقارعة الطغاة والمستكبرين الذين يتحَـرّكون ضمن مشروع الشيطان بكل مكائده وخطورته وإجْــرَامه، ليضعَ حياته وطموحاته على هامش اهتماماته برغم أن أيَّ شاب طبيعي يضعُها ضمن أولوياته، حتى فرحة زفافه ومقتضياتها لم تكن تشكل له أي معنى أَمَـام اهتماماته الكبرى العظيمة.

عمالقةُ المسيرة القُــرْآنية الذين هو أحدهم، لهم مواصفاتٌ وصفاتٌ ومواقفُ وأسبقية، فهم سبّاقون في نُصرة المشروع القُــرْآني، وهو في مهده في وقت كان الناس لا يزالون بين مستغرب ومتوجّس ومبغض ومحارب، في وقت كان العالم كله يخطّط لدفن منبع الضوء الذي بدأ يسرب اشعته من جبال مران لتصل الرعشة والهلع إلى واشنطن..

واشنطن التي سَرعانَ ما وجهت بإعْــلَان الحرب الهوجاء وحشد الإمْكَانات العسكرية لمواجهة ذلك الضوء القادم من الشمال اليمني، كانت بنظر المشروع القُــرْآني الشيطان الذي يعكر صفو العالم ويقف بوجه إحلال الحق والعدل والسلام، وكان أبو حسن واحداً ممن هبّوا لنُصرة المشروع القُــرْآني وهم يعون أنهم يواجهون أمريكا عبر أَدَوَاتها وأياديها، وأنهم سيواجهونها يَوماً ما وجهاً لوجه.

وبالفعل كان الشَّـهيْدُ اللواءُ طه المداني أبو الحسن، من أوائل مَن ذهبوا إلى جبهات المواجهة مع الشيطان وجنوده وأياديه التي تمثلت في العدوان السعودي الأمريكي، ولم يكن أبداً ممَّن قعدوا يتهافتون على فتات المكاسب والمناصب في الدولة رغم أنه عُيّن مشرفاً للجان الأمنية وعضواً في اللجنة الأمنية العليا، إلّا أن ذلك لم يكن يمثّلُ له سوى تكليف ولا يتعارض البتة مع واجب المبادرة إلى مقدمة الجبهات..

في كُلّ ما يمكن أن نقرأه ونسمعُه من سيرة شهيد القضية والمبدأ والمشروع أبي حسن، دروس وعبر تستفزنا جَميعاً لنقتدي بها، سواء في معنى بيع النفس بشبابها وعنفوانها وإمْكَاناتها وقوتها وطموحاتها، أَوْ في معنى الإيْمَان العميق والرباني بالمشروع والقضية التي يسعى في احقاقها ونصرتها..

لم يعرف عنه الناسُ الكثير، لكن اسمَه المقترنَ بالنضال والبطولة التي جسّدتها شخصيته وشخصية شقيقه أبي حسين يوسف المداني؛ بكونهما علمَين كبيرَين من أعلام المسيرة القُــرْآنية ومثالان عظيمان من امثلة القادة الاقوياء الناجحين المخلصين الصادقين في كُلّ مسيرة حياتهما، بل وأصبحا رمزين من رموز الثورة التي أسقطت نظام العمالة والوصاية والطغيان ولا يزالان.

قد أكذب عليكم حين أقول إنني كنت أعرفه، لم أعرفه سوى مرة واحدة حين التقيته في القصر الجمهوري أثناء الإعْــلَان الدستوري، وحينها سلّمت عليه وكان الشَّـهيْد الخيواني ثالثنا وعرّفني به وعرفه بي، وتفاجأت حين قال بابتسامة مليئة بالنقاء والتواضع: “نعم صحفي معروف وهل يخفى القمر؟”.

من بعد ذلك اللقاء القصير الذي لم يتجاوز الثواني سمعتُ عنه وعن بطولاته الكثير ممن عرفوه وممن سمعوا عنه، وظلت شخصيته حاضرة في ذهني وفي ذهن الوقت حتى جاء خبر استشهاده في مواجهة العدوان وهو يقود جبهته في المقدمة غير بخيل بروحه وبدمه، بل قدمها بروحية المؤمن بقضيته وبمشروعه الذي استقاه من المنبع.

سلامُ الله على الشَّـهيْد اللواء طه المداني، أبو حسن، وعلى رفاقه شهداء الوطن والقضية المنصورة، وبدمائه ودماء الشهداء سننتصر بإذن الله.

You might also like