“الهدنة” بين الثوابت الوطنية ومكر الخارج
مع قرب إنجلاء موعد الهدنة في اليمن يأتي التساؤل عن السيناريوهات القادمة ،التمديد أم التراجع و الانسحاب الكلي تحت مسمى الهدنة و قرارات مجلس الأمن، إن كان كذلك فلِمَ قامت عاصفة الحزم على اليمن و مالذي حققته؟
هل كان الهدف من العدوان على اليمن تدمير البنية التحتية أم الإخضاع أم كسر شوكة الداخل تلبية لأطماع الخارج، أم دارج ضمن سياسات الحلف الأميركي الخليجي في المنطقة بإضعاف شعوب المنطقة و تدمير ترساناتها الحربية تلبية لأمن “إسرائيل”؟
جميعها أسئلة محورية وجوهرية تصب في ذات الهدف من إستهداف اليمن أرضاً و إنساناً، و مع الترقب وما سيؤول اليه قرار التمديد أم معاودة العدوان ستتجلى حقائق عديدة و تتكشف نوافذ جديدة؟ عن الاستراتيجية المستقبلية للحرب على اليمن، يبدو أبرزها وصول السفينة الايرانية (إيران شاهد) التي تحظى بتغطية إعلامية غير مسبوقة في المنطقة لا يضاهيها إلا إسطول الحرية إبان حرب غزة، تهديد مساعد رئيس الأركان العامة الإيرانية الجنرال مسعود جزائري عن عدم التعرض للسفينة والا فإنها ستكون سبباً في إشعال الخليج (الفارسي) و المنطقة، جاء متزامناً مع التصعيد الايراني بدا واضحاً في رسائل المرشد الأعلى خامنئي أن السعودية ترتكب حماقة في اليمن وأن جرائمها لن تمر دون عقاب مع تصريح علاء الدين بروجردي رئيس لجنة الأمن القومي الإيراني عن أن سلمان خائن للأمة الإسلامية! مع تمسك اليمن بالهدنة والاحتفاظ بحق الرد يجعل مصير الهدنة قاب قوسين أو أدنى من الانهيار وعدم جدوى خيار التمديد والانسحاب الكلي أو الاستمرار في الغرق والتورط السعودي في اليمن، كما كان مزمعاً للحرب ان تستمر تحت ما يسمى بعاصفة الحزم لمدة ستة أشهر ، ورصد لها ما يقارب المليار دولار علاوة على الأموال الطائلة التي أنفقت لشراء ولاءات ومواقف الدول و تأييد العدوان، مع ما تخللته من صفقات أسلحة غربية و أميركية، مع ما تم تسليحه خلال السنوات الثلاث الماضية والتي بلغت ثلاثمائة مليار دولار في المنطقة، يجعل من شبة الجزيرة العربية منطقة ليست عائمة على بحر من النفط فحسب بل وعلى بحر من السلاح والبارود.
ذهاب أمراء الخليج (الفارسي) الى أميركا تلبية لدعوة الرئيس الأميركي باراك أوباما في محاولة بائسة لإعادة الضمانات وتجديد العهود و المواثيق بحفظ الأمن الخليجي من مغبة أي مغامرة إيرانية أو رد صارم من اليمن، وفي المقابل تعهد الإدارة الأميركية بنشر قبة دفاعية صاروخية وإمداد الدول الخليجية بالمزيد من القوات والعتاد بالرغم من أن دول الخليج (الفارسي) أصبحت بحد ذاتها منذ حرب عاصفة الصحراء وغزو العراق قاعدة أميركية كبرى في المنطقة، وليس من سبب مقنع لايجاد مبررات للدعم الاميركي المتناهي في ظل عزوف إيران وتراجع وتيرة إنتاجها النووي الى مراحل تخصيب متأخرة قد تستمر خمسة عشر عاماً، الدعوة الأميركية جاءت لإرضاء الدول الخليجية إزاء الموقف الأميركي المرن من الملف النووي وقرب التوقيع على مسودة الاتفاق النهائي نهاية يونيو القادم، والابتزاز واستغلال الخليج (الفارسي) لدر المزيد من الأموال للبنوك الأميركية وفتح شهية شركات ومصانع التسليح التي تسابقت لعقد الصفقات الإنشائية لمنظومة الدفاع الصاروخي والإنذار المبكر.
الموقف اليمني النابع من الثوابت الوطنية من السيادة والاستقلال والدفاع المشروع هو الأهم في خضم تلك التجاذبات الدولية التي لن تحيد عن الكرامة الوطنية والاحتفاظ بحق الرد آجلاً أم عاجلاً، فالمغامرة السعودية لن تمر في اليمن دون عقاب ورد رادع وصارم، هكذا يوحي المشهد اليمني العام من سير مظاهرات الغضب والثورة العارمة التي تجتاح النفسية اليمنية المعتدى عليها من الجارة السعودية، وما نتج عنها من أضرار بالغة وجسيمة في الأرواح والممتلكات، تجعل الوضع الساخن برمته ليس مرهوناً بهدنة مؤقتة أو إنتهاء عدوان وقابلاً للخضوع بالتمديد أو مصالحة وطنية أو حوار وتفاوض سياسي ما، بما ينعكس سلباً على العلاقة بين البلدين الجارين، وقبل أن نتحدث هنا عن السياسة – التي أصبحت ضرباً من الخيال- ومآلاتها يجب التنويه الى إعادة التوازن في العلاقة عن طريق إستعادة الكرامة والاحتفاظ بحق الرد، والا فسنشاهد هنا علاقة مركبة عدائية طويلة الأمد أوجدتها الحروب والثارات كما في فلسطين والكيان الصهيوني المحتل نموذجاً، علاقة عدائية دائمة لا تفضي الى سلام دائم ولا تحقق حرب نهائية، ونصر محقق لأي طرف،, تبدو السياسة الأميركية تتعامل وحسب نصوص “صامويل هنتغتون” في كتابه “صدام الحضارات”، حينما تحدث بروية عن إدارة الصراعات في العالم وإيجاد حالة دائمة من حروب حضارات بما تشملة من مختلف الاديان والثقافات والمجتمعات، عن حروب خطوط التقسيم الحضاري، حروب التقسيم متقطعة وصراعات التقسيم الحضاري ليس لها نهاية، بما تعنيه من حروب إبادة جماعية ومجازر ونزوج جماعي لمئات الآلاف وتدمير المدن والبنى التحتية.
تسلسل الإيقاع العدائي ومنهجية الحرب على اليمن بدأت توضح ذلكم الكم الهائل من النظريات والفرضيات المطبقة والتي تعسر تطبيق شرق أوسط جديد بناءً عليها و أثبتت فشلها عبر أدوات وأساليب عدة، كان أهمها إحداث فجوة تأريخية وثقافية مزمنة بين شعوب المنطقة، وإيجاد بؤر صراعات دائمة، لا يتوقف جحيمها، تارة باستخدام الدين والطائفية وتارة بتأجيج المناطقية وأخرى بضرب القوميات بعضها ببعض، لذا بدت عليه منطقة العالم العربي والإسلامي دون سواها مستهدفة من المحيط الى الخليج (الفارسي)، وبدت الأكثر تمزقاً وشتاتاً وإقلاقاً للأمن والسلم العالمي، باستثناء دول الخليج (الفارسي) التي هي في حد ذاتها أدوات لتمرير مخططات المحفل الماسوني الأميركي بكل فلسفياته وخططه ومؤامراته الليبرالية خدمة لنفوذه على العالم أجمع.
قال تعالى
{وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}
صدق الله العظيم
بقلم: صلاح السندي