تحليل | الساحلُ الغربيُّ والمـعَــارك “العنـقـوديـة”
مدينة تعز التي تُعدُّ المفتاح الرئيس في الصراع الجاري باليمن، لم تتوقف دائرة الإشتباكات والقصف فيها منذُ اندلاع الحرب حتى اللحظة. يستميت طرفا القتال وحلفاؤهما للفوز به بلا جدوى، لأن قوى إقليمية ودولية تحول دون حسم المعركة كما تفيد المعطيات السياسية والتصريحات التي ترشح من حين لآخر. أخذت الحرب في تعز تتوسع في المدينة الصغيرة والأرياف والجبال، وأخيراً ما يحدث في السواحل التابعة لها، تحديداً مدينة المخا التي تدور المعارك فيها منذ مطلع الشهر الجاري، لأهداف لم يتضح بعدها حتى الآن، وظلت متذبذبة بين الحسم العسكري لتعز وبين تأمين خط الملاحة الدولية، قرب الساحل الغربي من شواطئ اليمن. وأمام هكذا تحولات مفاجئة، يبدو أن تغيرات طرأت على نمطية القتال، وخططه، ومواقف الأطراف الإقليمية إزاء هذه الجبهة، التي ظلت مثار جدل حول تعثر عمل “المقاومة” والوحدات الموالية للرئيس هادي فيها، وهي الجهة التي يسأل أنصارها عن أسباب تراخي “التحالف” عن تقديم دعم حاسم لـ”التحرير”، وفي ظل تعدد الفصائل المقاتلة داخل “المقاومة”، وما أحدثته من اضطرابات أمنية داخل المدينة عقب تقدم قوات هادي واستعادة السيطرة على أجزاء واسعة من الساحل الغربي للمدينة.
أسئلة كثيرة حول الأهمية الإستراتيجية التي تمثلها المخا لمعدل الحرب في تعز، واكتشاف البعد الأعمق للمعارك فيها، وعن الدور الخفي الذي يعمل على التقارب والتباعد، داخل كل فريق على حدة. تقدم المعارك المستمرة ملامح للخطط والتكتيكات المتبعة، والنتائج التي لا تخلو من بصمات تحالفات داخلية، خصوصاً بعد إثارة الفوضى داخل المناطق “المحررة” مؤخراً، بما يوحي بحسب البعض بإشعار الخارج والداعم للفصائل أن لا جدوى من حسم المعركة، فالوضع بعد ذلك يتعذر معه فرض هيبة الدولة، كما أفادت لـ”العربي” مصادر مقربة من حكومة هادي.
علاوةً على ذلك، يرى مراقبون سياسيون أن معركة الساحل الغربي هذه المرة، برغم حالة التعقيد المتزايدة التي ينزلق إليها الواقع يوماً بعد آخر، من الصعب التنبؤ بمآلاتها. وكما هو معروف حول طبيعة الصراع الذي برز خلال فترات سابقة، والمتمثل بتجاذب أدوار دول إقليمية، والذي ينعكس على تعز، تفيد المؤشرات السياسية أن هناك دولاً غربية مع بعض الدول العربية أخذت قراراً بإعادة ترتيب المنطقة اليمنية، من نافذة إحلال طرف بعينه كمحور توازن ضد جماعات أخرى؛ محاولة خلط الأوراق تجلت بوضوح بعد تقدم قوات هادي تجاه المخا والساحل الغربي.
الناطق الرسمي باسم المنطقة العسكرية الرابعة، محمد النقيب، في حديثه إلى “العربي”، يقول: “في الجبهة الغربية وعلى وجه أشمل في المسرح العملياتي للمنطقة العسكرية الرابعة تحققت انتصارات استراتيجية كبيرة أعطت الحكومة الشرعية ثقل الحضور، وغلبة الرجحان في المعادلة السياسية، وبتحرير منطقة باب المندب الاستراتيجة وصولاً إلى مدينة المخا ومينائها يكون ذلك منح للحكومة الشرعية مساحة إضافية على طاولة المفاوضات، وأعطت الرئيس هادي الحق في تمديد يديه ورجليه أكثر في حضرة المبعوث الأممي، ولد الشيخ، إن عاود الزيارة لقصر المعاشيق”. ويؤكد النقيب أيضاً أن “الجيش الوطني والمقاومة بسطا السيطرة على قرابة 80 كيلومتراً من الساحل الغربي – باب المندب إلى المخاء – كما أن طريق المخا الحديدة أصبح طريقاً عسكرياً”.
من خلال محاولة رسم اتجاهات الصراع في المخا ومساراته المحتملة، وما يمكن أن يتضمنه كل مسار من تداعيات، يرى مدير مركز “باب المندب للدراسات”، معاذ المقطري، في حديثه إلى “العربي” أن ما يجري هو الخلط بين ثلاثة مستويات لجغرافيا المخا؛ “الأول: ميناء المخا، والثاني: مدينة المخا نفسها، والثالث: مديرية المخا، فتأمين السيطرة على ميناء المخا يتطلب تحرير مدينة المخا بشكل كامل، والسيطرة على المدينة تتطلب تحرير مديرية المخا بشكل كامل، وتأمين السيطرة على الأخيرة يتطلب تحرير مقبنة والوازعية والخوخة، وتأمين السيطرة على الثلاث مديريات يتطلب تحرير تعز والحديدة بشكل كامل، وتأمين تحرير المحافظتين يتطلب تحرير إقليمي الجند وتهامة، وتأمين تحرير الجند وتهامة يتطلب تحرير اليمن بشكل كامل، وتأمين تحرير اليمن بشكل كامل يتطلب تحرير القرار العربي من الهيمنة الخارجية بشكل كامل، إذاً ما يمكن قوله أن التحرير عنقودي، وغير ذلك ما هو إلا نفخ في الهواء”.
ويرى المقطري أن “الاحتقان داخل فصائل مقاومة تعز حالياً له علاقة بمعارك السهم الذهبي في المخا، حيث تتصدر القوات الإماراتية الصفوف الأولى للرمح الذهبي، وتطلب مشاركة الجنوبيين في الرمح استقطاب جماعات سلفية لا تؤمن بالشطرية والانفصال، هذا خلق هواجس وأزمة في صفوف المقاومة المحسوبة على حزب الإصلاح في تعز، بقدر ما حفز الشيخ أبو العباس وفصيله السلفي للسيطرة على مقرات أمنية ومدنية بحجة الفشل والفراغ الأمني، إذاً قد يؤدي مزيد من تقدم الرمح الذهبي إلى احتقان أكبر وربما إلى اقتتال مع ارتفاع حظوظ الفصيل السلفي في السيطرة”. ويرى سياسيون أن الدور الخارجي هو المتحكم بتسيير العمليات العسكرية في الساحل الغربي ومدينة المخا، وذلك بظهور محاولة خلط الأوراق داخل مدينة تعز، وإرباك الأمن فيها، ولا يمكن أن يكون هناك استقرار في مناطق سيطرة “المقاومة” أو في المشهد اليمني بشكل عام في ظل الاضطرابات التي تشهدها المنطقة العربية، فترتيب الوضع اليمني مرتبط بالوضع العربي.