كل ما يجري من حولك

خارطة الحل السياسي: “كل واحد ماسك من السكة طرف”

604

 

 
متابعات| العربي:
يبدو أن الحرب في اليمن صارت حقيبة ديبلوماسية لزعماء الأطراف المعنية بالداخل والخارج. هناك واقع على الأرض، وهناك تصورات في الكواليس، وكل تصور قد يؤدي إلى واقع مختلف، وكل واقع قد يكون محكوماً بتصور معين، وعلى مستوى الداخل، كل طرف ينتظر إنهاك ورضوخ الطرف الآخر، هذه هي استراتيجية الحرب ببساطة.
والشاهد، كما يرى مراقبون، أن الملكة العربية السعودية تقع في شباك العبثية والتخبط، بلا قدرة على تحديد مشروع واضح، وفي المقابل هناك طرف يمارس “الأنانية”، مشروعه الوحيد، من حيث يقصد أو لا، تعزيز الفوضى، والشعب ضحية لمراكز القوة والنفوذ، التي لا تبالي بهواجسه.
الحرب على الأرض مستمرة وبوتيرة عالية، وعند مستوى الكر والفر، في حين تحولت خارطة ولد الشيخ وكل الجهود المعلنة في إطارها إقليمياً ودولياً مادة إعلامية فقط، وكل تطور في إطارها يوحي بنوع من التخبط والعشوائية في المواقف وعدم الجدية لدى كل الأطراف المعنية بحسم أمر السلام اليمني.
في الساعات الأخيرة، تناولت وسائل إعلام محلية وعربية مقروءة ومرئية ومسموعة خبر إجراء تعديلات على خارطة ولد الشيخ الأخيرة، وجرى الحديث عن موافقة حكومة بن دغر على الخارطة مبدئياً، كخطوة أولى في طريق الحل والسلام.
“العربي” تواصل مع بعض المصادر السياسية في حكومة بن دغر، للاستفسار عن التعديلات وطبيعتها وحقيقة موافقة الحكومة على الخارطة السياسية الأممية، وعما إذا كان ذلك تطوراً حقيقياً من شأنه التراجع عن استمرار القتال والتصعيد الدائر على الأرض.
المصادر السياسية، نفت إجراء أية تعديلات على خارطة ولد الشيخ، كاشفة عن أنه ليس هناك أي موافقة على هذه الخارطة الأممية “لا مبدئياً ولا نهائياً”، وأن ما تناولته بعض وسائل الاعلام “غير صحيح وغير مؤكد”.

وأشارت المصادر إلى أن الحكومة متمسكة بالمرجعيات التي تحدثت عنها مراراً، والتعديل وفق ذلك، والشرعية اليوم ترى أنه من الضروري أن تتقدم على الأرض عسكرياً، في عدة جبهات، وقيادة الشرعية لا بد أن تدير المعركة سياسياً، وعسكرياً، واقتصادياً، وإدارياً، من داخل الأراضي اليمنية، وقد توصلوا إلى أن وجود الرئيس ونائبه ورئيس الوزراء، في أي بقعة يمنية، ضرورة، ولفترة طويلة، وتواجد نهائي وليس زيارات.
في المقابل، تردد أن جماعة “أنصار الله” وحلفائها تسلموا دعوة لحضور جولة مشاورات سياسية، ولكن هذا الطرف أكد عدم حصول ذلك.
وزير الخارجية في حكومة صنعاء، هشام شرف، نفى ما تناولته بعض وسائل الإعلام عن تسلم القيادة السياسية أو الحكومة دعوة لحضور مشاورات بهدف التوصل إلى تسوية سياسية. وقال وزير الخارجية في تصريح له إنه “حتى هذه اللحظة لم تصلنا أي دعوة رسمية خاصة بحضور أي مشاورات أو لقاءات”، مؤكداً أن “القيادة السياسية والحكومة تبارك أي مبادرة للتوصل إلى تسوية سياسية تضمن وقفاً شاملاً للعدوان على الشعب اليمني وترفع الحصار عنه”. وأضاف: “نحن متمسكون بخارطة الطريق الأخيرة التي قدمها المبعوث الدولي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ، كأساس لأي لقاءات أو مشاورات قادمة، ونؤكد على ضرورة التقيد بثلاث نقاط: وقف إطلاق النار الشامل، الذي يمكن وينجح مثل هذه اللقاءات، ورفع الحصار البري والبحري والجوي، وأولها فتح مطار صنعاء الدولي أمام حركة الملاحة الجوية المدنية والتجارية، كونه ليس هناك مبرر لمثل هذا الإغلاق للمطار”.
وعبر وزير الخارجية عن أمله من الدول الراعية لجهود السلام في اليمن في أن تعرف أن الشعب اليمني “له كلمة” في مثل هذه الترتيبات القادمة، مشيراً إلى أنه لن تكون هناك أي تسويات سلمية، بدون أن تكون مشرّفة وتحفظ حقوق الشعب اليمني، ولا يكون فيها أي نقصان يمس بسيادة البلاد أو كرامة الشعب اليمني.
وفيما يتعلق بذهاب ممثلين عن الأطراف إلى الأردن، أكدت المصادر في حكومة بن دغر أنه لا جديد بشأن ذلك، وأنه ليس هناك أي توافق حتى الآن، وما تم تداوله عبارة عن حديث دبلوماسي كالعادة، يدلي به المبعوث الأممي، إسماعيل ولد الشيخ، في محاولة منه لإضفاء طابع الإيجابية لما يقوم به، وفي الحقيقة لا وجود لذلك.
الكاتب والمحلل السياسي، محمد جميح، وفي حديث إلى “العربي” استبعد حدوث أي تقارب سياسي أو أي نجاح يمكن أن ينتظره اليمنيون، سواء من الرياض أو الأردن أو غيره. وقال جميح: “الذهاب إلى عمان هو للأعضاء في لجان التهدئة، لتطبيق الهدنة التي تحدث عنها جون كيري لمدة أسبوعين، ولكن لا يبدو أن المؤشرات تشير إلى هدنة قريبة، وإن تم الذهاب إلى عمان، وهو ما لا يزال طرف صنعاء يرفضه، فلن تستمر الهدنة”.
من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي، رشاد علي الشرعبي، لـ”العربي”، إنه “لن يحدث شيء ذو اعتبار فيما يتعلق بمسار التسوية السياسية، مهما كانت الضغوط الدولية، إلا في حال تحركت الأمور ميدانياً لصالح الشرعية، واقتربت قواتها أكثر نحو العاصمة صنعاء، وربما مدينة صعدة، وتحررت تعز والساحل الغربي”. وهذا ما يستبعده كثيرون وتستبعده مؤشرات وتطورات المعارك ربما.
إذاً الرهان على الحل السياسي يتراجع يوماً بعد يوم، حيث يبدو أن كل الجهود الدولية والإقليمية تذهب مع الرياح، وتحولت التسوية السياسية في اليمن إلى ساحة لتسجيل المواقف، وإلى عبث وضياع للوقت وورقة يتم تحريكها للأطراف كيفما شاءوا ووفق توجهاتهم ومشاريعهم.
الحكومة اليمنية مصرة على المرجعيات، التي لم يعد يعترف بها لا مجلس أمن دولي، ولا أمريكا ولا غيرهما. وسلطة صنعاء، متمسكة بالخارطة الأخيرة للمبعوث الأممي دون أي تعديلات، وولد الشيخ متذبذب ما بين هذا وذاك، في حين جهود وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، تبدو أنها سترحل مع رحيله من منصبه في الـ 20 من يناير القادم، بينما أمريكا غير مهتمة، ولن تهتم خلال الأشهر المقبلة طبقاً لمراقبين، وهكذا صارت خارطة المبعوث الأممي مراوحة بين أمزجة الفرقاء ومصالحهم.
على الأرض تستمر المعارك في أكثر من جبهة، ومعها يستمر القصف من الجو من قبل طيران “التحالف العربي”، ولا جديد سوى مزيد من النزيف وسقوط العشرات من الضحايا، سواء من الطرفين أو من المدنيين، الذين عادة ما يكونوا هم الضحية، وهم من يدفعون الثمن، منذ اندلاع هذه الحرب.

You might also like