سلطت صحيفة “واشنطن بوست” الضوء على التدمير اللاحق بالمصانع، والمستشفيات، ومحطات توليد الكهرباء، إلى جانب تضرّر وتدمير نحو 85 موقعاً أثرياً، من كنائس ومساجد وغيرها من المنشآت، والتي يعود تاريخ بناء بعضها لنحو 700 سنة خلت، إلى جانب مقتل الآلاف من المدنيين، جراء العمليات العسكرية الدائرة في اليمن منذ 21 شهراً، واعتبرت أن ذلك “يهدّد مستقبل” البلاد التي تحتضن إحدى أقدم حضارات العالم.
وعلى ضوء نهب عدد من المتاحف، واستهداف طيران “التحالف”، الذي تقوده السعودية، بعض المواقع التاريخية والتراثية، وفق تصنيف منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، لفتت الصحيفة إلى أن تلك الغارات “ينظر إليها في أوساط اليمنيين، على أنها إهانة للهوية والشعور الوطنيين”، كون الجهة التي تقف خلفها هي دول مجاورة لليمن، “تمتلك مقومات الغنى المادي بفضل عائدات النفط”، ولكنها تعد “فقيرة من ناحية إرثها الثقافي والحضاري”. وأضافت الصحيفة بأن “الواقع المرير يهدّد بتعقيد جهود السلام، فيما يهدّد التدمير عائدات السياحة المتوقعة في المستقبل، والحيوية، لإعادة إعمار البلاد”.

وبحسب مدير الهيئة الحكومية المعنية بالإشراف على الآثار والمتاحف اليمنية، مهنّد أحمد السياني، فإن “الندوب (المترتّبة عن أعمال العنف اللاحقة بالمواقع الأثرية) سوف تستغرق وقتاً لشفائها”، في حين عبّرت رضية المتوكل، وهي مديرة منظمة “مواطنة” اليمنية الناشطة في المجال الحقوقي، للصحيفة قائلة “إن أيّاً من أطراف النزاع لم يظهر أي نوع من الاحترام للقيمة التاريخيّة لهذه المواقع” الأثريّة. وأوردت الصحيفة نفي المتحدّث باسم قوات “التحالف”، اللواء أحمد عسيري، استهداف المواقع التاريخية، وتشديده، لدى سؤاله عن مسؤولية “التحالف” عن ضرب بعض الأماكن الأثرية في مدينة الكوكبان، معقل “الطائفة الزيديّة الشيعيّة”، على أن “لا مصلحة (لدول التحالف) في الإضرار بأي من الجوانب الاقتصادية أو الثقافية لليمن”. وفي الإطار عينه، أشارت الصحيفة إلى تصريحات الجانب الأمريكي حول “عدم مشاركة القوات الأمريكية في ضرب، أو تحديد الأهداف” من قبل طيران “التحالف السعودي” داخل اليمن.
وأوضح التقرير، الذي جاء بعنوان “لم العالم صامت.. بعيداً عن حلب: اليمن يعاني خسائره القاسية الخاصة به”، أن شهادات المدنيين في منطقة كوكبان، تكشف “عدم تمركز المقاتلين التابعين للحوثي وصالح في المكان”، حيث “لا توجد إشارات على وجود مستودعات أسلحة أو نشاطات عسكريّة” هناك، بينما يظهر الباحثون في منظمة “مواطنة” أن “المتمرّدين تمركزوا بالفعل في مواقع تاريخيّة أخرى مهمة، وقد جرى استهدافها من قبل طائرات التحالف”، بما في ذلك سد مأرب، شمال البلاد، والذي يعود تاريخ بنائه لقرون، والمسجد الحسيني، فضلاً عن المتحف العسكري الشهير في مدينة عدن الجنوبية. وفي هذا السياق، نقلت الصحيفة عن أحد كبار قيادات “أنصار الله” قوله إن الجماعة “لم تعمد إلى استخدام المواقع الثقافية والتراثية، كمقرّات أو كمخازن للأسلحة”، ملقياً باللوم في هذا الصدد على السعوديين، وذلك “بدافع من الحسد، والحقد” على الشعب اليمني، و”كونهم لا يملكون إرثاً تاريخيّاً وحضاريّاً”، وهو الأمر الذي ينفيه السياني بدوره حين قال، ولدى شكواه من تمركز قطع مدفعية تابعة “للمتمرّدين” بالقرب من المواقع الأثريّة، كسد مأرب، إن هؤلاء أبلغوه أنهم “إنما يتمركزون هناك لحماية تراث البلاد”، معرباً عن انزعاجه من الأمر “لأنه يمكن استخدامه كذريعة للهجوم عليها”، متحدّثاً عن “تدمير 13 موقعاً دينيّاً أثريّاً، يرجع تاريخها إلى مئات السنين”.
وذكّر التقرير الذي أعدّه سودارسان راغافان، أن العديد من “عناصر تنظيمي القاعدة، والدولة الإسلامية قاموا بتدمير عدد من المقابر، والأضرحة، والكنائس، الأمر الذي يأتي انعكاساً لما قام به رفاقهم من تدمير للمراقد في العراق وسوريا”. وقدّم الكاتب أمثلة عما قامت التنظيمات المتطرفة بتدميره في اليمن العام الماضي، مثل عدد من مواقع التراث العالمي في مدينة شبام القديمة وسورها، فضلاً عن أحد الأضرحة الصوفية في لحج، والذي يعود إلى حوالي 800 عام، وبعض أحياء صنعاء القديمة القائمة منذ 2500 عام.
وعلى هذا الأساس، أوضح راغافان انحسار النشاط السياحي في اليمن، بسبب المخاوف من الإرهاب، وأعمال الخطف، مشيراً إلى أن الغارة الجوية في فبراير الفائت على منطقة كوكبان، بدّدت “أي أمل في إحياء السياحة”، وأن “محنتهم قد عمّقت نزعة العداء المحلي تجاه التحالف” الذي تقف خلفه السعودية، وحلفائها، لا سيما الولايات المتحدة، التي ارتسم علمها على إحدى الطرقات المؤدّية إلى كوكبان. وبعبارة موجزة، نقل الكاتب عن أحد المواطنين قوله إن ما يجري يعد “بمثابة الانتقام من حضارة اليمن”.