أكثر من 40 غارة لطيران “التحالف العربي” الذي تقوده السعودية خلال 48 ساعة، وضحايا بالعشرات في العديد من جبهات القتال الداخلية، بددت التفاؤل الذي ساد الشارع اليمني في هدنة جديدة، كان مقرراً سريانها ابتداء من أولى ساعات أول من أمس الخميس، بحسب تصريحات وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، الذي عاد أدراجه إلى واشنطن مخلفاً وراءه عاصفة من الجدل بين أطراف الصراع في اليمن، ولايزال الكثير يبحث عن حقيقة ما حدث خلال زيارة كيري لمسقط وأبوظبي.
نبيل الصوفي، الصحافي المقرب من الرئيس السابق علي عبد الله صالح، خاطب قيادة “المؤتمر” و”أنصار الله” بقوله: “لا تكذبوش على الناس، التوقيعات هذه لن تأتي بالسلام”. الصوفي صرح بالحقيقة، فمن يقرأ الوثيقة المسربة، المذيلة بتوقيعي أمين عام “حزب المؤتمر”، عارف الزوكا، والمتحدث الرسمي باسم “أنصار الله”، محمد عبد السلام، يتأكد له بأن ما حدث في مسقط. لم يكن اتفاق بين وفد صنعاء و”التحالف” الذي تقوده السعودية، وإنما ما أكده نبيل الصوفي، الذي قال “المؤتمر وأنصار الله وقعا على أنهما قابلين بالتفاوض”.
قيادي في “أنصار الله” امتنع عن كشف اسمه، قال لـ”العربي” إن “ما أعلنه وزير الخارجيه الأمريكي عن وقف إطلاق النار والعودة إلى المفاوضات كان صحيحاً. وأضاف “مساء أمس التقى ناطق أنصار الله بوزير الخارجية العماني، يوسف بن علوي، وأبلغه احتجاجنا على استمرار غارات طيران العدوان السعودي، وكان رد الوزير العماني بأن التشاورات لا تزال متواصلة مع واشنطن والرياض وأبوظبي، لترجمة مشاورات مسقط إلى هدنة دائمة ومفاوضات جدية تفضي لحل شامل للأزمة اليمنية”. القيادي في “أنصار الله” كشف عن تلقيهم تطمينات من مسقط بأن غارات طيران “التحالف” ستتوقف خلال اليومين القادمين، وأن الخارجية الأمريكية تحث قيادة الشرعية في الرياض على القبول بخارطة الطريق الأممية التي تقدم بها المبعوث الأممي، إسماعيل ولد الشيخ أحمد.
ترتيبات متواصلة
تعهد تحالف “أنصار الله” و”حزب المؤتمر” لمسقط بالعودة إلى التفاوض في ظهران الجنوب، وفق اتفاق العاشر من إبريل، والانخراط في جولة محادثات جديدة بعد عشرة أيام على خارطة الطريق الأممية. وفي هذا السياق، كشفت مصادر خاصة لـ”العربي” عن أن رئيس هيئة الأركان السابق، اللواء أحمد علي الأشول، يتواجد حالياً في مسقط، وسيتوجه برفقة المتحدث باسم “أنصار الله” خلال اليومين القادمين إلى ظهران الجنوب بالسعودية. المصادر أكدت أن اللواء الأشول تم اختياره من قبل واشنطن، بجانب قيادات عسكرية سعودية وإماراتية للإشراف على وقف إطلاق المرتقب في الحدود، وكذا الإشراف على انسحاب مقاتلي “أنصار الله” وحلفائها من نجران وجيزان وعسير.
إستثمار الوقت
في المقابل، رأى مراقبون في رفض الرئيس هادي وحكومته لمشاورات مسقط وخارطة الطريق الأممية، رغم الموافقة السعودية الضمنية عليها، أنه قد يكون من باب التكتيك واستثمار عامل الوقت لتحقيق مكاسب على أرض الميدان، كما هو حاصل حالياً في عدد من جبهات القتال التي رمت فيها المملكة وحلفاؤها بكامل ثقلها، وعلى رأسها شرق مدينة تعز وحرض وميدي في محافظة حجة الحدودية، وكذا في جبهات خب والشعف والمصلوب والبقع في محافظتي الجوف وصعدة.
مصدر مقرب من اللواء علي محسن الأحمر كشف لـ”العربي” عن أن مغادرة محسن الرياض إلى الخرطوم، كانت غضباً من رغبة سعودية في وقف القتال في اليمن، تم إبلاغه بها الأربعاء الفائت. المصدر قال إن اللواء علي محسن عقد مع الرئيس السوداني، عمر البشير، جلسة مغلقه أبدى خلالها مخاوفه من تخلّي الرياض عنه، مع هادي، وحذر من “تعاظم خطر إيران في المنطقة”. بعدها، وبحسب المصدر، أجرى الرئيس السوداني اتصالاً بولي ولي العهد السعودي وحثه على التمسك بحل يضمن الحد من نفوذ حلفاء إيران، وكذا مشاركة فريق الشرعية في إدارة المرحلة المقبلة في اليمن. واستطرد المصدر “لقد تلقت القيادة السعودية العديد من الاتصالات والرسائل من الخرطوم والدوحة وأنقرة، تحذرها من خطورة الرضوخ للضغوط الأمريكية، وتحثها على تعزيز التحالف لمواجهة تحديات المرحلة المقبلة، وتصعيد محتمل في المنطقة من الرئيس الأمريكي الجديد”.
ضغط دولي
على الصعيد نفسه، أعلن المتحدث باسم “التحالف”، اللواء أحمد عسيري، استمرار العمليات العسكرية في اليمن إلى أن تتلقى قوات “التحالف” طلباً من الحكومة اليمنية الشرعية بوقف إطلاق النار.
وأوّل من أمس الخميس، قالت وكالة الأنباء اليمنية “سبأ” (التابعة لسلطات الرئيس هادي) إن الرئيس هادي تلقى تفسيراً أمريكياً لتصريحات وزير الخارجية، جون كيري، حول مشاوراته في مسقط، الذي فسر على أنه إقصاء للرئيس والحكومة المعترف بهما دوليا.
وذكرت الوكالة أن هادي استقبل الخميس في مقر إقامته بالرياض نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي، تيم ليندر كينغ، وسفير الولايات المتحدة لدى اليمن، ماثيو تولر.
ونقلت عن الدبلوماسيين الأمريكيين قولهما “إن خارطة الطريق المعلن عنها لا تعد اتفاقية بل مرشداً ودليلاً أولياً لبدء واستئناف المفاوضات دون تدخل أو ضغوط من أحد، باعتبار الحل في النهاية يصنعه اليمنيون أنفسهم”.
بعدها بساعات، صرح المتحدث بإسم الخارجية الأمريكية، كريستشين جيمس، بأن الدبلوماسيين اللذين التقيا بالرئيس هادي أوضحا له وجهة نظر الولايات المتحدة حول اليمن. وقال المتحدث لقناة “الحرة” “الخارجية الأمريكية لا تعتذر عن إلحاح السيد جون كيري بتسوية النزاع في اليمن”.
من جانبه، قال نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، فرحان حق، في تصريح للصحافيين الخميس “نحن نرغب من جميع الأطراف الالتزام باتفاق وقف الأعمال العدائية”. وأضاف “نعتقد أنه ستكون خطوة مرحب بها إذا التزمت أطراف الأزمة بذلك الاتفاق”، لكنه قال “لا توجد إشارة على الأرض تدل على التزام أصحاب المصلحة بالاتفاق، ونحن من جهتنا سيواصل مبعوث الأمين العام إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، مساعيه بين أطراف الأزمة”.