حكومةُ هادي لكيري: “يا رايح كثّــــــر الفضايح”!
مساء أمس، فجر كيري قنبلة سياسية، ففي ختام زيارته للإمارات العربية المتحدة، أعلن وزير الخارجية الأمريكي عن التوصل لاتفاق على وقف الأعمال القتالية في اليمن بين جماعة “أنصار الله” و”التحالف” العسكري بقيادة السعودية، على أن يبدأ الاتفاق اعتبارا من 17 نوفمبر الجاري، إضافة إلى العمل على تشكيل حكومة وحدة وطنية بحلول نهاية العام.
وقال وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، اليوم الثلاثاء، إن “جماعة الحوثي اليمنية والتحالف العسكري الذي تقوده السعودية، اتفقا على وقف الأعمال القتالية باليمن اعتبارا من 17 نوفمبر”. وأضاف في تصريحات للصحافيين، في ختام زيارة للإمارات العربية المتحدة، أن جميع أطراف الصراع اتفقت أيضاً على العمل من أجل تشكيل حكومة وحدة وطنية يمنية بحلول نهاية العام الجاري.
من جهته، قال وزير الخارجية اليمني، عبد الملك المخلافي، إن حكومته غير مهتمة بوقف لإطلاق النار وحكومة وحدة وطنية، أعلنهما وزير الخارجية الأمريكية جون كيري، بهدف إنهاء الصراع الممتد منذ نحو عشرين شهراً.
وكتب المخلافي على حسابه بموقع “تويتر”: “ما صرح به الوزير كيري لا تعلم عنه الحكومة اليمنية ولا يعنيها، ويمثل رغبة في إفشال مساعي السلام بمحاولة الوصول لاتفاق مع الحوثيين بعيداً عن الحكومة.”
ويأتي هذا التطور بعد أن كان السلام في اليمن قد وصل إلى طريق مسدود، وصارت كل المؤشرات السياسية توحي بأن الأطراف اليمنية لم تستوعب بعد مسألة تقديم تنازلات بهذا الشأن، ولم تستوعب المسؤولية التي تقع على عاتقها، خصوصاً بعد ما وصلت البلاد إلى حالة انهيار كبير على المستوى الاقتصادي، وعلى المستوى المعيشي لليمنيين الذين أرهقوا وهم في حالة انتظار وترقب لسلام يحل عليهم، وينقذهم من الموت، والجوع، والفقر، الثالوث الذي يحاصر حياتهم، ويكاد يقضي عليهم على مدار اللحظة.
إنسداد السلام اليمني مرة أخرى كان قد كشف، ولا يزال، تعنتاً كبيراً من قبل الأطراف السياسية اليمنية، التي كانت قد وافقت مؤخراً على خارطة السلام الأخيرة، التي أعلن عنها المبعوث الأممي، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، وحظيت بموافقة أطراف إقليمية ودولية، خصوصاً من قبل أولئك اللاعبين في المشهد، والذين يعتبرون طرفاً رئيسا في الحرب كالمملكة العربية السعودية.
وكل الآمال كانت قد أخذت تعبر عن إمكانية إحداث سلام دائم وشامل، وتمثلت بإعلان القبول من قبل الأطراف، وبزيارة المبعوث الأممي إلى صنعاء للنقاش، والتي تخللها نوع من الاستجابة لأن تكون خارطته أرضية للتحاور والجلوس على طاولة الحوار من جديد.
أيام قضاها المبعوث الأممي في صنعاء، وبعدها غادر إلى الرياض لمقابلة الرئيس هادي والحكومة الشرعية، ولكنه غادر الرياض دون ذلك.
مصادر سياسية في الرياض كشفت لـ”العربي” أن الرئيس هادي رفض مقابلته إلا بعد أن يجري تعديلات سياسية في خارطته الأخيرة، وعلى أن يتم استبعاد بعض بنود الخارطة، خصوصاً تلك التي تنص على إزاحة الرئيس هادي من المشهد، بعد أن يتم نقل صلاحياته لنائب توافقي سيكون من مهمته أيضاً تشكيل حكومة وحدة وطنية.
وأوضحت المصادر أن موقف الرئيس هادي هذا جاء في إطار التنسيق مع الرياض التي اتفقت مع الحكومة اليمنية على أنها ستعلن قبولها بخارطة ولد الشيخ لامتصاص الغضب الدولي ولعرقلة صدور أي قرار دولي، وعلى الحكومة أن تعلن رفضها للخارطة.
هذا التكتيك السياسي يبدو أنه سيضع اليمن مرة أخرى أمام تصعيد عسكري جديد. فطبقاً للمصادر السياسية الحكومة اليمنية توصلت من خلال نقاشها إلى أن إمكانية التوصل إلى حل سياسي في ظل هذا التوازن العسكري مستحيلة، وأنها تراهن على إحداث تغيير في ميزان القوى العسكري لصالحها، ظناً منها أن ذلك سيجبر جماعة “أنصار الله” على أن تقدم تنازلات سياسية لصالح العملية السياسية.
وبذلك كانت خارطة الطريق الأممية قد اصطدمت برفض صريح من الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته، وتحفظ كامل من “أنصار الله” وحلفائها في “حزب المؤتمر الشعبي”، قبل أن يُظهر الطرفان خلال الأيام الماضية قدراً من المرونة في التعاطي معها، بضغوط من القوى الكبرى في مجلس الأمن.
مراقبون لم يستبعدوا أن تكون مغادرة ولد الشيخ على علاقة بفوز دونالد ترامب، مرشح الحزب الجمهوري برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية.
ويذهب هؤلاء إلى القول إن “خارطة ولد الشيخ هي اقتراح جون كيري وزير الخارجية الأمريكي، وكيري اليوم ذهب بعد هزيمة مرشحة حزبه هيلاري كلينون، أي أن الخارطة انتهت”.
وعلى الرغم من كل ذلك، لم تنقطع الجهود والمباحثات السياسية في إطار خارطة السلام الأخيرة، حيث شهدت العاصمة العمانية مسقط حراكاً دبلوماسياً إقليميا ودولياً للضغط على “أنصار الله” للقبول بخطة مبعوث الأمم المتحدة، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، والتي ترتكز على انسحاب الجماعة وتسليم السلاح، والشراكة في إدارة مرحلة انتقالية تنتهي بإجراء انتخابات رئاسية في غضون عام.
وكان وفد الجماعة وصل منفرداً دون حلفائه في “المؤتمر” إلى العاصمة العمانية مسقط، مطلع الأسبوع الماضي، لإجراء مباحثات مع مسؤولين عمانيين، و”بعض الأطراف في المجتمع الدولي، بهدف مناقشة الخارطة التي قدمتها الأمم المتحدة”، حسب تصريحات المتحدث الرسمي باسم الجماعة، محمد عبد السلام.
يأتي هذا بالتزامن مع زيارة وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، إلى مسقط يوم الاثنين، لبحث الجهود المبذولة من أجل التوصل إلى تسوية سلمية للصراع في اليمن. واعتبر سياسيون زيارة كيري بأنها تأتي ضمن إطار مساعيه لاستكمال إنجاز تسوية سياسية تحسب له في نهاية مشواره في الادارة الأمريكية، بمعنى أن الرجل يبحث عن مجد شخصي من الملف اليمني، حتى وإن كلّف ذلك إنتاج تسوية سياسية مشوهة.
والخلاصة حتى الآن لا تبشر بانفراج سياسي قريب، مع بقاء الحكومة اليمنية متمسكة بمواقفها ورؤاها السابقة، فالحكومة اليمنية وعلى لسان رئيسها، أحمد عبيد بن دغر، تقول إن تسليم السلاح هو مفتاح الحل العادل، ما يعني أن لا مؤشر للتقارب ولا مؤشر للسلام.
وعلى الصعيد العسكري تتطور العمليات العسكرية والقتالية في بعض جبهات البلاد، خصوصاً في تعز وفي بعض مناطق الحدود مع المملكة العربية السعودية، وتحديداً في ميدي ومناطق جازان الحدودية، إلى جانب مواصلة الطيران السعودي قصفه على بعض المناطق، وعلى بعض المواقع في كل من صنعاء وتعز وغيرها من محافظات البلاد التي شهدت وتشهد تصعيداً عسكرياً.
وإزاء هذه التطورات المعبرة عن التصعيد وعن الرفض لخارطة السلام من قبل الحكومة اليمنية، وأيضاً إعلان حكومة هادي بأنها ليست معنية بما أعلنه جون كيري، تبقى أسئلة كثيرة مطروحة حول الخيارات القادمة، فبعد فشل ولد الشيخ في إحداث أي اختراق في المواقف للأطراف وإحداث تقارب بينهما، هل ستكون الكلمة الآن لمجلس الأمن الدولي؟ أم أن تعديلاً أممياً سيطرأ على الخارطة؟ أو أن كيري سيتمكن من إحياء مبادرته التي تتوافق مع ما تتحدث عنه الخارطة الأممية المطروحة وسيتم إقناع الحكومة اليمنية بها؟