حربٌ جديدةٌ على الأبواب.. ستغيرُ معالِمَ المنطقة
متابعات: بانوراما الشرق الأوسط|أحمد الشرقاوي
محور المقاومة.. من الدفاع إلى المواجهة
بعد فشل حروب بوش في العراق وأفغانستان، وفشل عدوان “إسرائيل” على لبنان وغزة، جاء أوباما ليغير المشهد برمته في المنطقة من خلال توظيف المرتزقة والتكفيريين لتفكيك محور المقاومة..
ويمكن القول أن أوباما نجح خلال ما يناهز ست سنوات من الفوضى في إضرام النار ونشر الموت والخراب في جسد محور المقاومة، من سورية إلى العراق إلى اليمن من دون أن تطال الشرارة أية دولة من دول محور المؤامرة الداعم للإرهاب.. لكنه وكسلفه، فشل في تحقيق أي من أهدافه الاستراتيجية بسبب ثبات وصلابة وصبر وشجاعة وتضحيات محور المقاومة مدعوما من روسيا.
وإذا كان محور المقاومة قد ركز في المواجهة على استراتيجية الدفاع التي أعطت أكلها حتى الآن وأسقطت رهان الأمريكي على حرب الاستنزاف الطويلة الأمد لإشغال محور المقاومة بمحاربة الإرهاب بدل التفرغ لقلب المعادلة الإقليمية من خلال المرور إلى استراتيجية المواجهة لتوسيع رقعة المعركة ونقل الحرب إلى مستوى مواجهة وكلاء أمريكا الداعمين للإرهاب في المنطقة، فإن كل المؤشرات تؤكد اليوم أننا على أعتاب مرحلة جديدة ستغير المشهد رأسا على عقب وتخلق واقعا جديدا لنظام إقليمي مغاير لن يكون فيه للولايات المتحدة وأدواتها نفس الدور والمكانة القديمة.
هذا التغيير المرتقب سيأتي من خلال حرب طاحنة سيترتب على نتائجها ميلاد نظام بنيوي جديد من رحم الفوضى القائمة، بحيث سنشهد مع انتصار محور المقاومة في “المعركة الإقليمية الكبرى” القادمة اندلاع ثورات عفوية جديدة لشعوب المنطقة من أجل اقتلاع الأنظمة الاستبدادية الفاسدة والعميلة التي خسرت الرهان على الحماية الأمريكية، لينتهي ما أصبح يعرف بعهد “الحكرة” والاستعباد والتبعية والإحساس بالظلم والذل والإهانة العظيمة، ويبدأ عهد جميل مفعم بالحرية والكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعية، تصنعه الشعوب بوعيها المسؤول بعيدا عن المزايدات السياسوية وخطاب “الفتنة” والتدخلات الخارجية، لتكتمل بذلك الصحوة وتزهر الثورة.
مقدمــاتُ الحــرب المقبلـــة..
لأنه حين يقولُ سماحة السيد في إطلالته بمناسبة أسبوع الشهيد “علاء”، أن لا أفق للتسوية السياسية في سورية، وأن الحزب لن يعود من ساحات القتال قبل الانتصار الكبير في ما أسماه بـ “معركة المنطقة الكبرى”، وأن المراهنين على استنزاف المقاومة وتعب عوائل مجاهديها وتململ بيئتها بسبب التضحيات التي تقدمها من أجل الأمة، إنما يراهنون على الوهم..
وحين تقول روسيا أن اتفاق الهدنة قد فشل، وأن أمريكا غير جادة في محاربة الإرهاب وفصل المتطرفين عن “المعتدلين” في حلب.. ويقول وزير دفاعها أن التسوية في سورية قد علقت إلى أجل غير مسمى، ويقرر بوتين حشد بوارجه الحربية المرعبة بشكل غير مسبوق في السواحل السورية، وتجديد مخازن الجيش العربي السوري بالعتاد والمؤن والأسلحة النوعية، ويبعث بنخبة مقاتليه المتمرسين إلى الميدان، ويزيد من عديد خبرائه ومستشاريه العسكريين لدعم الجيش العربي السوري وحلفائه على الأرض..
وحين تعلن طهران عن وضع كل إمكاناتها البشرية رهن إشارة العراق وسورية في مواجهة أي عدوان، وتبعث بالجنرال قاسم سليماني إلى حلب والموصل، وتهدد مسعود البرزاني بتدخل عسكري إيراني في كردستان العراق إذا استمر في دعم إرسال “الدواعش” إلى إيران بتمويل سعودي وتحريض تركي..
وحين ينهي الحرس الثوري السبت مناورات عسكرية شارك فيها 30 ألف من عناصر الباسيج القادمين من 14 محافظة والبالغ عددهم اليوم في إيران 24 مليون مجاهد، وتقول مصادر روسية أن من تم تدريبهم خلال هذه المناورات سيتم إرسالهم إلى العراق وسورية لينضموا إلى المقاومات الشعبية هناك كالحشد الشعبي في العراق وقوات الدفاع الشعبية وغيرها من المجاهدين في سوريا..
وحين تعلن سوريا رسميا وبتنسيق مع القاهرة، عن زيارة رئيس مكتبها للأمن الوطني السيد علي مملوك لمصر من أجل إجراء محادثات بشأن التنسيق الأمني في محاربة الإرهاب بين البلدين في رسالة استفزاز واضحة لـ”السعودية”، ثم تتحدث أنباء عن زيارة وفد عسكري مصري رفيع المستوى لسورية وقيامه بجولة في بعض المناطق الملتهبة في الشمال، وتؤكد القاهرة على لسان الرئيس السيسي أن مصر لن تسمح للرئيس أردوغان بتحقيق أهدافه الإمبراطورية التوسعية في سورية، ويزود الجيش المصري دمشق بقطع غيار طائرات “الميغ” وأسلحة وذخيرة لتسليح قوات المقاومة الشعبية في الشمال السوري التي أعلنت دمشق عن تشكيل تنظيم جديد لها يضم عربا وأكرادا لمواجهة التدخل التركي في الأراضي السورية..
فهذا كله وغيره مما لا نعلمه بعد، يعني أنه لم يعد أمام محور المقاومة وروسيا من خيار غير الحسم مع الإرهاب ومع داعمي الإرهاب من أدوات أمريكا في المنطقة، وأن فترة الهدنة الأخيرة التي استغلتها أمريكا لتسليح الإرهابيين وإعادة تنظيم صفوفهم ووضع الخطط الجديدة لتوسعهم، استغلتها أيضا روسيا وإيران للتحضير للمواجهة القادمة بهدف قلب المعادلة رأسا على عقب، ليس في سورية فحسب، بل في المنطقة برمتها..
وإلاّ.. ما معنى أن يخرج نائب قائد الحرس الثوري الإيراني العميد حسين سلامي مطلع الشهر الجاري، ليعلن جهارا نهارا في اجتماع مع العسكريين الإيرانيين، أن المنطقة مقبلة على حرب جديدة، سترافقها تطورات جيوسياسية قوية تخلق الاستقرار في المنطقة والعالم؟..
هذا يعني أن خطورة الحرب القادمة، وفق ما يستشف من تصريح العميد حسين سلامي، تكمن في أنها ستنهي الهيمنة الأمريكية على المنطقة وتحدد خارطة القوى الإقليمية الجديدة والتي ستبرز إيران ومحورها بالإضافة إلى مصر كإحدى أقطابها الأساسية، وسيكون لروسيا وإيران دورا كبيرا ووازنا في تشكيلة الخارطة الجيوسياسية الجديدة في المنطقة والعالم، لأن الأوضاع في المنطقة وصلت إلى درجة من التصعيد تهدد بانفجار وشيك، بسبب إدراك الولايات المتحدة أنها فقدت إلى حد كبير قدرتها على التواجد المباشر للتأثير على تطورات الأحداث، وبالتالي، ستضطر حكما إلى دفع الأدوات إلى تفجير الوضع بتوريط أدواتها في المواجهة بعد أن هزم الإرهاب واقتربت نهايته وانحصرت قوته إلى الحد الأدنى ولم يعد قادرا على تغيير المعادلات على الأرض.
ساحــةُ الحـــرب القادمــة
هنا لا نحتاج لتخمين، لأن كل المؤشرات تؤكد أن تركيا هي اللاعب الأبرز المرشح من قبل الولايات المتحدة الأمريكية لخوض الحرب الإقليمية بالنيابة عنها، وذلك لاعتبارات ذاتية تتعلق بجنون وتهور وأطماع الرئيس التركي أردوغان من جهة، وأخرى موضوعية تتعلق بمحاولة توريط حلف الناتو في الحرب الإقليمية القادمة بمبرر دعم تركيا العضو المؤسس في المنظمة وحمايته من السقوط في مخلب المحور المعادي..
لكن روسيا وإيران أذكى من أن يسقطا في الفخ الأمريكي من خلال مواجهة مباشرة مع التركي الغبي، وباستطاعتهما قيادة الحرب بذكاء من الخلف لإنهاك تركيا واستنزافها في مواجهات طاحنة مع المقاومات الشعبية في العراق وسورية، ما سيؤدي إلى انفجار الأوضاع في الداخل التركي بعد أن اختمرت الأسباب وبدأ الأكراد يقاومون والشارع يتحرك والجيش يتململ و”داعش” تنتقم وتفجر.. وفي نفس الوقت تستمر روسيا وإيران في محاولة نزع فتيل تفجير إقليمي وعالمي من خلال الإصرار على الاستمرار في التنسيق الأمني مع أنقرة، ومحاولة احتوائها من خلال لعب دور الوسيط في المفاوضات بينها وبين سورية والعراق لتذويب الخلافات وتقريب وجهات النظر لما فيه مصلحة دول المنطقة، ولتكون هذه المحاولات البناءة بمثابة حبل إنقاذ لانتشال تركيا من المخلب الأمريكي والأطلسي الذي يسعى لتدمير تركيا وتقسيمها بعد أن أصبحت تمثل خطرا داهما على أمن أوروبا واستقرارها.
ولا نحتاج هنا للتذكير بإعلان الحشد الشعبي استعداده لمواجهة القوات التركية على الأراضي العراقية باعتبارها قوات احتلال، وقوله أنه مستعد للذهاب في مواجهة الإرهاب إلى الرقة السورية، ما يؤكد وجود خطة استراتيجية لدى محور المقاومة لتوحيد ساحات المعركة ضد الإرهاب وضد الاحتلال التركي معا، وقد يكون صمت الروسي والإيراني على التوسع التركي في الشمال السوري قد ساعد على إجهاض حلم الكيان الكردي من جهة لأنه مصلحة سورية وإيرانية، لكنه في نفس الوقت ورط التركي من حيث يدري أو لا يدري في المستنقع السوري ليبقى تحت رحمة الوساطة الروسية ساعة الحقيقة..
ولا نحتاج هنا للتذكير أيضا بالتصريحات الطائفية للسلطان أردوغان كمبرر لتدخله في سورية والعراق لمواجهة النفوذ الإيراني كما أعلن عن ذلك صراحة، وإصراره على مشاركة جيشه في تحرير الموصل والرقة بمعية التحالف الأمريكي شريطة التخلي عن قوات سورية الديموقراطية والسماح له بسحق الأكراد في الشمال السوري والعراقي وفي الداخل التركي، وإضفاء الشرعية على مطالبته بحماية “السنة” في الشمال السوري كمبرر لتحرير الباب ومنبج قبل الرقة، وحماية التركمان في تلعفر العراقية بالرغم من أن غالبيتهم من الشيعة..
ويخطئ أردوغان إذا كان يعتقد أن توريط الجيش التركي في مقامرة غير محسوبة في العراق وسورية سيمكنه من تعليق مشاكله الداخلية المتفاقمة والتي بلغت حدا لا يطاق يبشر بانفجار شعبي وشيك بعد أن أجهز على الحريات وأهان المؤسسة العسكرية وخلق له من الأعداء ما لا قدرة له على مواجهتهم في الداخل والخارج معا، ولعل آخر قرار غبي اتخذه تمثل في اعتقال زعيم حزب الشعوب الديمقراطي و10 من نواب الحزب واتهامهم بدعم حزب العمال الكردستاني، ما حول تركيا إلى دولة معزولة ومنبوذة في أوروبا والعالم العربي.
وقد تبين من خلال زيارة وزير الحرب الأمريكي إلى المنطقة مؤخرا، أن واشنطن عازمة على توريط تركيا في حرب إقليمية طاحنة بوهم الزعامة على “سنة” المنطقة، حيث قال الوزير المذكور أن دور تركيا أصبح مطلوبا بشدة في المرحلة المقبلة وأنها حليف موثوق في محاربة الإرهاب، وقول الرئيس أوباما في اتصال هاتفي مع السلطان أردوغان جرى قبل أسبوع، أن واشنطن تؤيد مشاركة الحليف التركي في الحرب على الإٍهاب في سورية والعراق..
وواضح أن أردوغان بسياساته الطائفية والعنصرية التصعيدية هذه يصر على خدمة الأمريكي، وفي نفس الوقت يحاول خداع الروسي (وفق ما يعتقد) كسبا للوقت وللأرض معا، لإقامة منطقته الآمنة حيث يخطط لجمع الإرهابيين المهزومين بدل السماح لهم بدخول تركيا والانتقال بعد ذلك إلى أوروبا، في انتظار قدوم الصهيونية هيلاري كلينتون وفق ما يتوهم، لمساعدته على حظر الطيران الروسي والسوري فوقها، فتصبح بحكم الواقع أراضي تابعة للسيادة التركية..
بدليل، أنه وخلال الهدنة الأخيرة في حلب، نجح في إدخال 10 آلاف إرهابي جديد إلى حلب الشرقية، وزوّد جبهة النصرة والفصائل التي تقاتل إلى جانبها بكم هائل من المعدات والأسلحة المتوسطة والخفيفة بالإضافة إلى المؤن الممولة من قطر و”السعودية”، ما مكنهم من خوض أشرس هجوم على مواقع الجيش العربي السوري لفك الطوق عن حلب الشرقية واستعادة حلب الغربية، وقد شارك في الهجوم مقاتلون عرب وتركمان وشيشان وقوقازيين ومن الإيغور وفق تقارير عسكرية روسية وسورية.
المنطقــةُ على وقــع نتائـج الانتخابـات الأمريكيـة
ومهما يكن من أمر، فالجميع اليوم في المنطقة قد وضع خططه في انتظار معرفة من سينجح في الانتخابات الأمريكية الأسبوع القادم..
روسيا أوقفت منذ 20 يوما طلعاتها الجوية على حلب كي لا تستفز الأمريكي وتعطيه فرصة للعودة للمفاوضات وفك الارتباط بين الإرهابيين و”المعارضة المعتدلة” والانخراط في حلف دولي جامع لمحاربة الإرهاب وسحقه، وإفشال حملة التصعيد الإعلامي الذي يتهمها زورا وبهتانا بارتكاب جرائم حرب في سورية.
أردوغان يتوسع في الشمال السوري بهدوء ليضم 5000 كلم مربع من الأراضي لامبراطوريته الوهمية، ويعلن عزمه الدخول إلى الباب لتحريرها بعملية مسرحية تمهيدا لفتح الرقة بمعية التحالف الدولي الأمريكي ومحاصرة حلب، وفي نفس الوقت يستمر في حشد مدرعاته ودباباته وقواته الأرضية على الحدود مع العراق للانقضاض على تلعفر والسيطرة على الحدود العراقية السورية..
فإذا نجحت هيلاري كلينتون فالمنطقة ستدخل أتون حرب طاحنة لا محالة، لأن روسيا ستجد نفسها مجبرة على سحق الإرهاب في سورية بلا هوادة، ومنع أي محاولة لتدخل عسكري أمريكي وأطلسي ضد سورية، وهذا هو سبب حشد أسطولها الحربي الضخم قبالة الشواطئ السورية..
وإذا نجح ترامب فبوتين يأمل في أن يلتزم الرجل بتعهداته المعلنة وينسق مع موسكو الحرب على الإرهاب، ويكف عن تدخل بلاده في شؤون دول المنطقة، ويعطي الأولوية للوضع الداخلي والتعاون الاقتصادي الدولي وحل الأزمات من خلال التفاوض وإعادة إحياء دور مجلس الأمن..
هذا ما يقوله الخطاب السياسي خلال الحملة الانتخابية التي تابعنا بعضا فصولها المسرحية الهزيلة والهابطة، لكننا نعرف أن الواقع هو شيئ آخر غير ما يعلن وما يتمناه بوتين وغيره من ذوي النيات الطيبة، لأن من يقرر بشأن السياسة الخارجية والحرب والسلام هي مجمعات الصناعات الحربية والتكنولوجية وبيوت المال ومؤسسات الأمن والمخابرات والدوائر الصهيونية وامبراطوريات الإعلام الموجه التابعة لها.