قبل أكثر من عقد كانت السلفية في اليمن مجرّد نشاط علمي فقهي ودعوي، ولم يكن لها أي حضور في المجالات الأخرى، باستثناء حضورها الداعم للسلطة الحاكمة، انطلاقاً من معتقدات خاصّة في “ولي الأمر”. وكان من الصعب الحديث عن مشروع للسلفية في اليمن، أو في أي بلد آخر، في ظل عملها لصالح مشروع قائم وتحريمهـا العمل ضده.
مع مرور الوقت، أضافت تيارات سلفية إلى أنشطتها العلمية والدعوية أنشطة خيرية، وشكَّلت جمعيات لإدارة هذه الأنشطة. غير أنَّ هذه الخطوة فجَّرت خلافاً سلفياً سلفياً، انتقل، بفعل استمرار الأخذ والرد، إلى مستويات متقدّمة، حيث أصبحت الجمعيات، بالنسبة إلى رجل الدين السلفي الأشهر في اليمن، مقبل بن هادي الوادعي، عبارة عن حزبية مغلّفة، والحزبية حرام، من وجهة نظره.
وعلى الرغم من أن تيارات العمل الخيري السلفية أنكرت، حينها، صلة هذا العمل بالحزبية وكل ما يتعلق بها، في مرحلة الجدل مع السلفية التقليدية، إلا أن العمل الحزبي أصبح، في وقت لاحق، ضرورة وحاجة مرحلة.
عمل سياسي
مع انطلاق ما عُرف بثورات “الربيع العربي” في عدد من البلدان العربية، بدأت تيارات سلفية يمنية خطواتٍ عمليةً نحو المشاركة في العمل السياسي، وذلك من خلال تشكيل أحزاب سياسية. كانت هذه التيارات تعتقد أنها باتت على أبواب مرحلة جديدة، تتطلّب وسائل عمل مختلفة، كما إنها بحاجة إلى حجز مكان لها في مرحلة ما بعد سقوط “ولي الأمر”، ولم يكن لديها مانع من الانقلاب على ما كانت تعتبرها مبادئ، فالشيخ السلفي أبو الحسن المأربي، الذي اعتبر مشاركة المعارضة في الانتخابات نوعاً من الخروج على “ولي الأمر”، عاد عام 2011م لينصح الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، بأن يقتدي بالحسن بن علي ويُسلّم السلطة.
في عام 2011م ذاته، تم الإعلان عن تشكيل ائتلاف سلفي ضم عدداً من التيارات التي باتت مؤمنة بالعمل السياسي، قبل أن تختلف أطرافه وينتهي الاختلاف إلى حزبين، حزب “الرشاد” وحزب “السلم والتنمية”. وعلى الرغم من أن ثورات الربيع العربي انتهت إلى أزمات وحروب، إلا أن تيارات العمل السياسي السلفية استمرّت في ما بدأته.
“إخوان” مبتدئون
رحّب “إخوان” اليمن، أكثر من غيرهم، بتوجّه تيارات سلفية نحو المشاركة في العمل السياسي عبر تشكيل أحزاب سياسية، كون ذلك يعزّز منطق منهجهم في التغيير، كما إنه يتيح لهم الاستفادة من القاعدة الجماهيرية الكبيرة لهذه التيارات، على اعتبار أنها ستكون حليفة لا منافسة، فسلفيو العمل السياسي هم، في نهاية المطاف، “إخوان مسلمون” مبتدئون.
وقد كان السلفيون في السابق يعتقدون أنه لا يحول بينهم وبين أن يكونوا “إخوان” سوى المشاركة في العمل السياسي. ومع ذلك فقد بقي حزب “السلم والتنمية” السلفي محافظاً على مسافة بينه وبين “إخوان” اليمن، بخلاف حزب “الرشاد” الذي اندفع بقوّة نحوهم.
عمل عسكري
أما السلفية التقليدية، التي قررت البقاء بعيداً عن العمل السياسي، فقد وجدت نفسها، عام 2014م، مجبرة على حمل السلاح، وذلك بعد أن حاصرت “أنصار الله” مركز “دار الحديث” في وادي دماج، شرقي محافظة صعدة، المعقل الأقدم والرئيس للسلفيين. إلى جانب سلفيي دماج المحاصرين، حمل سلفيون في محافظات أخرى السلاح وفتحوا جبهات قتال مع الحوثيين على حدود محافظة صعدة، لتخفيف الضغط عن زملائهم المحاصرين، قبل أن ينتهي كل ذلك إلى اتفاق قضى بنقل طلاب دماج إلى صنعاء.
وقد أدى تقاعس نظام هادي عن القيام بمسؤوليته في رفع الحصار عن سلفي دماج إلى خلق تقارب بين كثير منهم وبين تنظيم “القاعدة”. كان السلفيون في السابق يعتقدون أنه لا يحول بينهم وبين أن يصبحوا “قاعدة” سوى الموقف من “ولي الأمر”.
أما السلفيون الذين تركوا السلاح بعد الخروج من دماج فقد احتاجتهم المملكة العربية السعودية لاحقاً للمشاركة ضمن عمليتها العسكرية في اليمن ضدّ “أنصار الله” والرئيس السابق صالح. وهكذا انتهى الحال بسلفيي اليمن إلى سياسيين مع “الإخوان”، ومقاتلين في صفوف “القاعدة” والسعودية.
وكما بات معلوماً، في الأيام الأخيرة، فقد استقدمت المملكة العربية السعودية المئات من سلفيي جنوب اليمن إلى مديرية البقع، شرق محافظة صعدة، وذلك لفتح جبهة قتال مع جماعة “أنصار الله” والقوّات المتحالفة معها في المحافظة. كما صدر، قبل أيام، قرار جمهوري بتعيين القيادي السلفي البارز، هاشم السيد، قائداً للقوات التي تحرّكت إلى المديرية. وتشير المعلومات التي حصل عليها “العربي” إلى أن عشرات من السلفيين انضمّوا من جديد إلى من استقدمتهم السعودية للقتال في البقع.